نص هام حول ظهور الطوائف الصوفية بالمغرب الوسيط من أنس الفقير وعز الحقير
24 Octobre 2008
Rédigé par Abdelkader HADOUCH عبد القادر حادوش et publié depuis
Overblog
وقد سألت عن جملة الطوائف التي هي بالمغرب الأقصى في الأرض التي تنبت الصالحين كما تنبت الكلأ، فوجدتها متعددة باعتبار تعدد الأشياخ. وأقرب ما ترجع إليه ستة: الشعيبيون، وهم طائفة أبي شعيب آزمور من
أشياخ أبي يعزى
والصنهاجيون من طائفة بني آمغار من بلد تيطنفطر من أقران أبي شعيب
والمجاريون، وهم طائفة أبي محمد صالح، ومنهم الدكاليون
والطائفة الرابعة، الحجاج؛ أي لا يدخل في جمعهم إلا من حج بيت الله الحرام. وقد دخلت دار شيخهم وتمتعت بلقائه واغتنمت فضيلة دعائه. قصده شاب منقطع للعبادة ذكر له أنه إبن زفان وطلبه في مكان يأوي إليه
وحده. فأعطاه غرفة على باب داره وأتاه بالطعام بعد صلاة المغرب فقال له:" ياسيدي ارفعه عني فإن قوتي بعد أربعين يوما وبقي علي من المدة كذا وكذا." ورأيت عند هذا الشيخ غرائب وعجائب
والطائفة الخامسة الحاحيون. ومنهم جملة من جبل درن وهو الجبل العظيم الذي ليس على وجه الأرض مثله في الارتفاع والمياه والخصب. وقد دخلت أكثره وكأن العالم الأرضي بأسره منحصر فيه. وهو من عجائب الدنيا.
وأعظمه قبلي مراكش. وهذه الطائفة الخامسة طائفة الشيخ الحاج الشهير أبي زكرياء يحيى بن أبي عمرو عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى الحاحي ويقال أنه من آل بيت النبي الكريم وشرفه غير ظاهر بين الناس في
المغرب. وإنما انتسب أحفاده إليه. وقبره بتيغزا من بلاد حاحة. ولم أصل إلى ذلك المكان وبقي بيني وبين تيغزا في وجهة غربية بانحراف إلى القبلة عن مراكش نحو المرحلة فأراد
الله بالرجوع. والموضع موضع خير وعلوم وقراءة وتدريسوكذلك الموضع القريب منه المعروف بآدقي (بالقاف
المشددة) وأكثر اعتناء الحاحيين بالتهذيب والفرائض والحساب. ولم أذكر تاريخ وفاة الشيخ أبي زكرياء يحيى إلا أن ظهوره كان في المائة السابعة ووفاة أبي مدين أو الشيخ أبي محمد صالح فغير صحيح
لبعد الزمانين. وأحفاده وأصحابه يقولون شيخه أبو القاسم البكري وشيخ البكري أبو سعيد، وشيخ أبي سعيد الشيخ أبو مدين. بينه وبين أبي مدين شيخان. هذا اول المحققين من أحفاده وطائفته وغير ذلك ملغى. وقد
رأيت من رأى من رآه. وكان لأبي زكرياء هذا عند الجمهور قبول تام وله في الفقر كلام حسن وتحقيق وتدقيق ووصايا حسنة بكلام لا يدر الا عن عالم أو ولي وكذب أكثر الناس خصوصا العلماء انفراده بالاحوال في
طريقته. وتغالي الجهلة من تلامذته في تعظيمه وتحقيقه وشدة اقتدائهم بجزئياته وتغليظه وترقيقه وقوة انقباضهم عمن خرج عنه في تغريبه وتشريقه أو ركن إلى غيره في ألعيته وجمعه وتفريه. وهذا هو موجب ضلال
جهلتهم، وهو السبب فيما صدر عن العلماء في مشيختهم. وفي طائفته أخيار صلحاء، فلا تظن الناس هم سواء. وقد دخلت تانشناشت وهي موضع فريق من حفدته في أحواز مراكش، سنة ثمان وستين وسبعمائة. ولقيت بها أخيارا
ورأيت فيها شيخا منقطعا في مغارة للعبادة والناس يتبركون به ولا ينصرف أحد حتى يناوله سماطا من تحت رأسه. وأفضل الحفدة حينئذ الشيخ الصالح الفقيه أبو الحسن علي بن عبد الله بن موسى بن أبي زكرياء ويعرف
بابن الشيخ. دخلت داره وأقمت عنده واستحسن عشرتي وما كاد يطلقني. ورأيت له دراية لكتاب ابن الحاجب في الفقه. وما رأيت في الظاهر ما أنكره بوجه. وكان هناك حينئذ طالب يدعو على ظالم بعقب كل ختمة يختمها.
أخبرني الشيخ أبو الحسن هذا أن معه على ما أخبره ستمائة ختمة. وكان ذلك الظالم في أشد صولته. وكنت أرقب عاقبته حتى علمت عن قرب أنه سجن وقتل نفسه، والعياذ بالله، بالسجن بالخنق. وأخرج ودفن من غير أن
يصلي عليه أحد من المسلمين، ولم يحضره الا من حمله وحده
أما الطائفة السادسة فهم الغماتيون وهم طائفة الشيخ الولي الشهير أبي زيد عبد الرحمن الهزميري ولهم أخوة محدثة بطائفة أبي زكرياء وسائر الطوائف لهم أخوة بطائفة أبي محمد صالح. وقبر أبي زيد هذا داخل باب
الفتوح من أبواب مدينة فاس في روضة الأنوار بازاء جامع الصابرين. وقد أدركت كثيرا ممن أدركه. أخبرني بعض شيوخ عدول مراكش أنه رآه على ظهر بهيمته وهو على جنبه وقد شد عليها بشريط لضعفه وكبر سنه والناس
يتزاحمون عليه ويمسحون وجوههم بطرف ثوبه ويجذبه كل واحد منهم اليه والخدمة به دائرون. وكان أعجوبة في زمانه. يتحدث دائما على ما في ضمائر الناس ولا يعين أحدا بالفضيحة وأنه يقول: مثل رجل فعل كذا في
مكان كذا. وأخبرني شيخ أشياخنا في المعالم السماوية والمسائل الحسابية الشيخ الإمام الصالح أبو العباس أحمد بن محمد ابن عثمان بن البناء العددي المراكشي، وكانت وفاته في عام أحد وعشرين وسبعمائة، أنه ما
زال يقصده في حل المسائل العلمية التي تشكل عليه من الهندسة وغيرها قال:" وما زلت أمضي إليه فأجد الازدحام عليه فنسمع جوابي في طرف الحلقة وننصرف من غير سؤال (مني اليه)." وحدثني غير واحد ممن لقيت من
الأعلام أن انتفاع ابن البناء في علومه ومنزلته الدينية
والدنياوية إنما كان من بركة الهزميري لأنه بلغ في دينه النهاية وفي دنياه الغاية حدثني قاضي الجماعة بمراكش الشيخ الفاضل المتخلق الحافظ لسيرة رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، أبو زيد عبد الرحمن القيسي ويعرف بطالب عافية أنه أراد أن يقرأ عليه العروض. قال لي:" ولا دريت هل له معرفة به أم لا. وفكرت في نفسي كيف يكون سؤالي عن ذلك. فدخلت عليه، وهو في حلقة العلم وأنا في
قلق من ذلك. فجلست ثم سمعته قد رفع صوته وهو يقول مثل ما يقول العروضيون كذا وتكلم في فن العروض. فعلمت أنه معي." وما زال رحمه الله، يحدثني بهذه الحكاية وتدمع عيناه في أثنائها. وهذا الشيخ أول من قرأت
عليه فن المنطق بمراكش. وكان من الفضلاء. حضر في مجلس علمه طالب أعرفه. فصار يعترضه ويقول:" كفر هذا الشيخ في كذا." فخرج في عمالة سلطانية وخرج معه عدوي يبلغه الى المكان الذي خرج إليه ويعلمهم به على
عاداتهم في تنفيذ أوامرهم. فلما كان في مفازة من الأراضي المراكشية أصابه شيء مات منه. فنظر العدوي في أمره، وبعد العمارة منه فأتى به إلى مزبلة دار خربة وشق حفرة بركيز مزراقه ودفنه هناك من غير غسل
ولا صلاة. فلما بلغ خبره لهذا الشيخ قال:" لا اله الا الله،
رجل استهزأ بالناس، فاستهزأ الموت به
QUNFUD. Abû al-cAbbâs Ahmad b. Hasan b.
cAliy b. al-Hatîb Ibn-, 'Uns al-faqîr waciz al-haqîr, Enquête sur la vie, les maîtres et les
disciples de Sîdî Abû Madyan et voyages à travers le Maroc, éd., par al-FASI Mohamed et FAURE Adolphe, pub., par al-Markaz al-Jâmicî li-l-Baht al-cIlmî, dans la collection Rihlat, Rabat, 1965, pp., 63 - 67.