6 Janvier 2013
قال الله تعالى: "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"
قال الأستاذ: أصل الفتوة أن يكون العبد ساعياً أبداً في أمر غيره
قال صلى الله عليه وسلم: "لايزال الله تعالى في حاجة العبد ما دام العبد في حاجة أخيه المسلم"
أخبرنا به علي بن أحمدبن عبدان، قال: أخبرنا به أحمد بن عبيد قال: حدثنا به إسماعيل بن الفضل قال: حدثنا به يعقوب بن حميد بن كاسب قال: حدثنا به ابن أبي حازم، عن عبد الله بن عامر الأسلمي، عن عبد الرحمن بن حومز الأعرج، عن أبي هريرة، عنزيد بن ثابت رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الله تعالى في حاجة العبد ما دام العبد في حاجة أخيه المسلم"
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: هذا الخُلق، لا يكون كماله إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فن كل أحد في القيامة يقول: نفسي.. نفسي، وهو صلى الله عليه وسلم، يقول: أمَّتي.. أمتي
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، رحمه الله، يقول: سمعت محمد بن الحسين يقول: سمعت أبا جعفر الفرغاني يقول: سمت الجنيد يقول: الفتوة بالشام، واللسان بالعراق، والصدق بخراسان
وسمعته يقول: سمعت عبد الله بن محمد الرازي يقول: سمعت محمد بن نصر ابن منصور الصائغ يقول: سمعت محمد بن مردويه الصائغ يقول: سمعت الفضيل يقول: الفتوة: الصفح عن عثرات الإخوان
وقيل: الفتوة: أن لا ترى لنفسك فضلاً عن غيرك
وقال أبو بكر الوراق: الفتى من لا خصم له
وقال محمد بن علي الترمذي: الفتوة: أن تكون خصماً لرِّبك على نفسك ويقال: الفتى: من لا يكون خصماً لأحد
سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق، رحمه الله، يقول: سمعت النصراباذي يقول: سُمي أصحاب الكهف فتية؛ لأنهم آمنوا بربهم بلا واسطة
وقيل: الفتى: من كسر الصنم: قال الله تعالى: "سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" وقال تعالى: "فجعلهم جذاذاً" وصنم كل إنسان نفسه؛ فمن خالف هواه فهو فتى علي الحقيقة
وقال الحارث المحاسبي: الفتوة: أن تنصِفَ ولا تنتصف
وقال عمر بن عثمان المكيِّ: الفتوة: حسن الخلق
وسئل الجنيد عن الفتوة، فقال: أن لا تنافر فقيراً، ولا تعارض غنياً
وقال النصبراباذي: المروءة شعبة من الفتوة، وهو الإعراض عن الكونين، والأنفة منها
وقال محمد بن علي الترمذي: الفتوة أن يسوي عندك المقيم والطارىء
سمعت محمد بن الحسين، رحمه الله، يقول: سمعت علي بن عمر الحافظ يقول: سمعت أبا سهل بن زياد يقول: سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سئل أبي: ما الفتوة? فقال: تركُ ما تهوى لما تخشى
وقيل لبعضهم: مال الفتوة? فقال: أن لا يُميزّ بين أن يأكل عنده ولي أو كافر
سمعت بعض العلماء يقول: استضاف مجوسي إبراهيم الخليل عليه السلام، فقال: بشرط أن تًسلم، فمر المجوسي، فأوحى الله تعالى إليه: منذ خمسين سنة نطعمه علي كفره، فلو ناولته لقمة من غير أن تطالبه بتغيير دينه?! فمضى إبراهيم عليه السلام، على أثره، حتى أدركه.. واعتذر إليه، فسأله عن السبب، فذكر له ذلك؛ فأسلم المجوسي
وقال الجنيد: الفتوة: كفّ الأذى، وبذل الندى
وقال سهل بن عبد الله: الفتوة: اتباع السنَّة
وقيل: الفتوة: الوفاء والحفاظ
وقيل: الفتوة: فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها
وقيل: الفتوة: أن لاتهرب إذا أقبل السائل
وقيل: أن لا تحتجب من القاصدين
وقيل: أن لا تدخر ولا تعتذر
وقيل: إظهار النعمة، وإسرار المحنة
وقيل: أن تدعو عشرة أنفس فلا تتغير إن جاء تسعة أو أحد عشر
وقيل: الفتوة: ترك التمييز
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، رحمه الله، يقول: قال أحمد بن خضرويه لامرأته أم عليّ: أريد أن أتخذ دعوة أدعو فيها عياراً شاطراً كان في بلدهم رأس الفتيان
فقالت: امرأته: إنك لا تهتدي إلى دعوة الفتيان. فقال: لابد
فقلت: إن فعلت فاذبح الأغنام والبقر والحُمُر، وألقها من باب دار الرجل إلى باب دارك
فقال: أما الأغنام والبقر فأعلمُ. فما بال الحُمُر? فقالت: تدعو فتى إلى دارك، فلا أقل من أن يكون لكلاب المحلة خير
وقيل: اتخذ بعضهم دعوة، وفيهم شيخ شيرازي، فلما أكلوا وقع عليهم النوم في حال السماع
فقال الشيخ الشيرازي لصاحب الدعوة: ما السبب في نومنا? فقال: لا أدري!! اجتهدت في جميع ما أطعمتكم إلا الباذنجان، فلم أسأل عليه
فلما أصبحوا سألوا بائع الباذنجان، فقال: لم يكن لي شيء، فسرقت الباذنجان من الموضع الفلاني وبعته، فحملوه إلى صاحب الأرض ليجعله في حل، فقال الرجل: تسألون مني ألف باذنجانة? قد وهبته تلك الأرض ووهبته ثورين وحماراً، وآلة الحرث؛ لئلا يعود إلى مثل ما فعل
وقيل: تزوج رجل بامرأة.. فقبل الدخول ظهر بالمرأة الجدري، فقال الرجل: اشتكت عيني، ثم قال: عميت، فزفت إليه المرأة.. ثم ماتت بعد عشرين سنة.. ففتح الرجل عينيه، فقيل له في ذلك فقال: لم أعم، ولكن تعاميت حذار أ، تحزن، فقيل له: سبقت الفتيان
وقال ذو النون المصري: من أراد الظرف فعليه سقاة الماء ببغداد
فقيل له: كيف هو? فقال: لما حُملت إلى الخلفية، فيما نُسب لى من الزندقة، رأيت سقاء عليه عمامة، وهو مترد بمنديل مصري، وبيده كيزان خزف رقاق، فقلت: هذا ساقي السلطان، فقالوا: لا، هذا ساقي العامة
فأخذت الكوز وشربت. وقلت لمن معي: أعطه ديناراً. فلم يأخذه، وقال: أنت أسير، وليس من الفتوة أن آخذ مكن شيئاً
وقيل: ليس من الفتوة أن تربح علي صديقك. قاله بعض أصدقائنا، رحمه الله تعالى
وكان فتى يسمى أحمد بن سهل التاجر، وقد اشتريت منه خرقة بياض فأذ الثمن رأس ماله فقلت له: ألا تأخذ ربحاً? فقال: أما الثمن فآخذه، ولا أ؛ملك مِنَّةً؛ لأنه ليس له من الخطر ما أتحلق به معك، ولكن لا أخذ الربح؛ إذ ليس من الفتوة أن تربح علي صديقك
وقيل: خرج إنسان يدعى الفتوة من نيسابور لى نسا فاستضافه رجل، ومعه جماعة من الفتيان، فلما فرغوا من الطعام خرجت جارية تصب الماء على أيديهم، فانقبض النيسابوري عن غسل اليد، وقال: ليس من الفتوة أن تصب النسوان الماء على أيدي الرجال!! قال واحد منهم: أنا سنين أدخل هذه الدار لم أعلم أن امرأة تصب الماء على أيدينا أم رجلاً
سمعت منصوراً المغربي يقول: اراد واحد أن يمتحن نوحاً النيسابوري العيار.. فباع عنه جارية في زي غلام، وشرط أنه غلام، وكانت وضيئة الوجه، فاشتراها نوح علي أنها غلام،ولبثت عنده شهوراً كثيرة، فقيل الجارية: هل علم أنك جارية? فقالت: لا، إنه ما مسني، وتوهم أني غلام
وقيل: إن بعض الشطار طلب منه تسليم غلام كان يخدمه إلى السلطان، فأبى. فضربه ألف سوط، فلم يُسَلم، فاتفق أ،ه احتلم تلك الليلة، وكان برداً شديداً، فلما أصبح اغتسل بالماء البارد، فقيل له: خاطرت بروحك، فقال: استحييت من الله تعالى أن أصبر على ضرب ألف سوط لأجل مخلوق، ولا أصبر على مقاساة يرد الاغتسال لأجله
وقيل: قدم جماعة من الفتيان لزيارة واحد يدَّعي الفتوة، فقال الرجل: يا غلام قدم السفرة. فلم يقدم. فقال له الرجل ذلك ثانياً وثالثاً.. فنظر بعضهم إلى بعض، وقالوا: ليس من الفتوة أن يستخدم الرجل من يتعاصى عليه في تقديم السفرة كل هذا!! فقال الرجل: لِمَ أبطأت يا سفر? فقال الغلام كان عليها نملٌ، فلم يكن من الأدب تقديم السفرة إلى الفتيان مع النمل، ولم يكن من الفتوة إلقاء النم من السفرة، فلبثت حتى دب النمل. فقالوا له: دققت يا غلام، مثلك مَن يخدم الفتيان
وقيل: إن رجلاً نام بالمدينة من الحاجّ. فتوهم أن هميانة سرق، فخرج، فرأى جعفراً الصادق.. فتعلق به، وقال له: أنت أخذت همياني? فقال له: ماذا كان فيه? فقال: ألف دينار
فأدخله داره.. ووزن له ألف دينار، فرجع إلى منزله، ودخل بيته، فرأى هميانة في بيته وقد كان توهم أنه سرق؛ فخرج إلى جعفر معتذراً، وردّ عليه الدنانير، فأبى أن يقبلها، وقال: شيء أخرجته من يدي لا أسترده
فقال الرجل: من هذا?! فقيل: جعفر الصادق
وقيل: سأل شقيق البلخيّ جعفر بن محمد عن الفتوة، فقال: ما تقول أنت? فقال شقيق: إن أعطينا شكرنا، وإن منعنا صبرنا
فقال جعفر: الكلاب عندنا بالمدينة كذلك تفعل!! فقال شقيق: يا إبن رسول الله، ما الفتوة عندكم? فقال: إن أعطينا آثرنا، وإن منعنا شكرنا
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، رحمه الله، يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الجريري يقول: دعانا الشيخ أبو العباس بن مسروق ليلة إلى بيته، فاستقبلنا صديق لنا، فقلنا له: ارجع معنا، فنحن في ضيافة الشيخ، فقال: إنه لم يدعني!! فقلنا: نحن نستثني. كما استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها
فرددناه، فلما بلغ باب الشيخ أخبرناه بما قال، وقلنا، فقال: جعلت موضعي من قلبك أن تجيء إلى منزلي من غير دعوة، على كذا وكذا إن مشيت إلى الموضع الذي تقعد فيه منه إلا على خدي، وألح عليه. ووضع خده على الأرض، وحمل الرجل، فوضع قدمه على خده من غير ن يوجعه، وسحب الشيخ وجهه على الأرض إلى أن بلغ موضع جلوسه
وأعلم أن من الفتوة الستر على عيوب الأصدقاء، لاسيما إذا كان لهم فيه شماتة الأعداء
سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي يقول للنصراباذي كثيراً: إن علياً القوال يشرب بالليل ويحضر مجلسك بالنهار، وكان لا يسمع فيه ما يقال، فانفق أنه كان يمشي يوماً ومعه واحد ممن يذكر علياً بذلك عنده فوجد علياً مطروحاً في موضع، وقدظهر عليه أثر السكر، وصار بحيث يغسل فمه، فقال الرجل: إلى كم نقول فيه للشيخ ولا يسمع?! هذا عليُّ على الوصف الذي نقول. فنظر إليه النصراباذي وقال للعذول: احمله في رقبتك، وانقله إلى منزله. فلم يجد بدا من طاعته فيه
وسمعته يقول: سمعت أبا عليَّ الفارسي يقول: سمعت المرتعش يقول: دخلنا مع أبي حفص على مريض نعوده، ونحن جماعة، فقال للمريض: أتحب أن تبرأ? فقال: نعم فقال لأصحابه: تحملوا عنه.. فقام العليل.. وخر معنا. وأصبحنا كلنا أصحاب فراشُ نعاد