إشكالية الخطاب السياسي الدعائي التومرتي بين المرجعية والتأويل
4 Décembre 2008
Rédigé par Abdelkader HADOUCH عبد القادر حادوش et publié depuis
Overblog
إن الخطاب السياسي التومرتي ينبني على أسس دعائية دينية ذات نفحتين الأولى دينية
والثانية سياسة موجهة لمجتمع مصمودة الثائر ضد الدولة المرابطية. الرسائل التومرتية خطاب موجه إلى جماعة أهل التوحيد، بمعنى إلى كتلة القبائل الداعمة والمنخرطة في المشروع السياسي التومرتي، لذا فالخطاب
التومرتي كتابة وممارسة مبنية على قاعدة الهدم والبناء السياسي، فالهدف إنهاء مشروع الدولة المرابطية المالكية وبناء دولة جديدة على قاعدة التوحيد والمهدوية، فالخطاب يستعين في مدلوله السياسي وشقه
التحريضي بالرجوع إلى الإسلام قرآنا وحديثا، لأن الفكر التومرتي كغيره يتزود بالمعنى المقدس القابل للتفسير والغير القابل للرفض، والمقتبس من المقدس تكون له دلالة عملية تحدد الهدف المحرض عليه وتدعم
المشروع تكتيكيا أو إستراتجيا، ففي رسالة للمهدي يورد المقدس المقتبس كقاعدة أساسية يؤمن بها الجمهور ولا يختلف فيها الخاصة وأهل العلم، وهي تخص المساندين المعينين بأنفسهم وأموالهم على ظلم الفئة
الحاكمة للجمهور، ويورد لتمهيد خطابه السياسي ما رواه كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال اعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون بعدي فمن غشي أبوابهم وصدقهم على كذبهم وأعانهم على
ظلمهم فليس مني ولست منه ولا يرد علي الحوض ومن لم يغش أبوابهم ومن لم يصدقهم على كذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه ويرد علي الحوض، بهذا الحديث الذي استعمل كقاعدة لتوجيه خطاب سياسي
للأتباع قسم ابن تومرت المجتمع الإسلامي المغربي إلى قسمين، مجتمع مسلم يرفض طاعة المرابطين ويحتكم لنص "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، ومجتمع من الكفرة والمجسمين أطاعوا من يرتكبون المعاصي، فدلالة
التقسيم سياسية بحتة ترمي إلى تحديد تحرك أهل التوحيد ضد الخصم السياسي المرابطي والقبائل الموالية للسلطة المركزية، لذا فالجهاد المعلن يركز على قاعدة المقدس في مجتمع إسلامي، والخلاف يبدوا في سطح
الخطاب أخلاقيا ودينيا ولكنه في العمق سياسيا، يخرج من حيث تصوره وملامح تشكله من قاعدة المقدس إلى اللعبة السياسية بمعناها السلطوي والنفعي
إن رفع شعار الجهاد والدعوة الى التوبة والانابة والرجوع الى الكتاب والسنة وترك معونة المجسمين والمرتدين والمعتدين كما يتكرر في رسائل إبن تومرت، تقابله في الطرف الآخر خطابات لا تخلوا من عملية
الرجوع إلى المصدر نفسه، حتى أن إبن تومرت ينصح أتباعه بقوله: "فانتبهوا وفقكم الله لهذه الحيل التي يحتالون بها على عيشهم ودنياهم حتى حملهم ذلك على الافتراء على الله ورسوله حتى عكسوا الحقائق وقلبوها
وحرفوا الكلام عن مواضعه ونسبوا من دعا إلى التوبة والتوحيد واتباع السنة الى الخلاف وسموه مخالفا ببغيهم، وسموا من اتبع الباطل وخطوات الشيطان من اتباع عادات الجهل والمهادنة وأكل الحرام وارتكاب
الآثام والإصرار على الكبائر والفجور وأكل الدنيا بالدين وأكل أموال الناس بالباطل وسموا هؤلاء كلهم مطيعين، وسموا اتباع الباطل وخطوات الشيطان طاعة افتراء على الله ورسوله، فلا تلتفتوا إلى تلبيسهم ولا
تنظروا إلى تدليسهم فإنه ظهرت أباطيلهم وتعاضدهم على اخماد الدين وتعاونهم على الإثم والعدوان"، وتشكلت نظرية التكفير من خلال الرجوع إلى نفس المصدر كقاعدة في مجال إسلامي وفي إطار الأمة الواحدة
المؤمنة بالمصدر نفسه، ولذا لا بد من النظر إلى أن نظرية التكفير تنبني على قاعدة سياسية أو ما يمكن تسميته بالمسيس دينيا، الهدف منه الوصول إلى السلطة في نظر أصحاب الخطاب لتصحيح الوضع لصالح المقصى
إجتماعيا وسياسيا وإقتصاديا، ومن هذا المنظور نجد أن العملية برمتها تقف عند حد خدمة الفئة على حساب الجمهور بمعناه الواسع، ولهذا فالإستعانة بالمرتكزات الإسلامية كالجهاد والتكفير والحق والباطل
والحلال والحرام والسلف والخلف الواردة في الخطاب الإسلامي التحريضي الدعائي يهدف إلى الوصول إلى السلطة بإسم فئة فبلية أو مذهبية أو طائفية على حساب الأمة في تشكلها التاريخي والحضاري، لذا فقاعدة
الخطاب حزبية الشكل وقبلية التركيب
الإشكالية المطروحة في هذا الخطاب المستند إلى النص الديني، هي الإنتقائية والتأويل، لأن النص الديني في حد ذاته مرجعية جماعية ينتقل عند تأويله سياسيا، وإن كان يؤمن بمجالية الإنتماء إلى الإسلام ودار
الإسلام، إلى عملية طرح تأويل أحادي يقصي الآخر من المرجعية، ويحدث نوع من الأحقية المدعومة سياسيا وعسكريا والمرفوضة تاريخيا، لأن التأويل يسير إلى أبعد من قضية المعاصي والحلال والحرام بإستخدام خطاب
تحريضي ضد فئة مسلمة دينيا ومجاليا، انطلاقا من كل الآليات الموجهة إلى الآخر المختلف عن المجال الإسلامي سياسيا ودينيا وثقافيا وحضاريا، أي إلى دار الحرب، يقول إبن تومرت في هذا الصدد: "وكل من أعانهم
من القبائل فادعوهم إلى التوبة والانابة والرجوع إلى الكتاب والسنة وترك معونة المجسمين والمرتدين والمعتدين فإن قبلوا منكم ورجعوا إلى السنة وأعانوكم على جهاد الكفرة فخلوا سبيلهم وهم إخوانكم في دين
الله وسنة رسوله، وإن عاندوا الحق وأصروا على معونة أهل الباطل والفساد فاقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا، وكل من امتنع من الرجوع إلى السنة فهو عدوكم إلى الممات، وكل من قتل من
الكفرة المجسمين فهو مخلد في نار جهنم وبئس المهاد، وكل من قتل من المؤمنين فهو من أهل الجنة...."، ويقول أيضا: "فجتهدوا في قتال الكفرة وأعوانهم، واطلبوا غرتهم بالليل والنهار أعدوا لهم ما استطعتم من
قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...."، ويقول أيضا: "للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم بعد اخراج الخمس من رأس الغنيمة والغنيمة لمن شهد الوقيعة" وفي رسالة أخرى موجهة إلى جماعة الموحدين يقول
إبن تومرت: "واعلموا وفقكم الله أن جهادهم فرض على الأعيان على كل من فيه طاقة على القتال واجتهدوا في جهاد الكفرة الملثمين فجهادهم أعظم من جهاد الروم وسائر الكفرة لأنهم جسموا الخالق سبحانه وأنكروا
التوحيد وعاندوا الحق..."، فالآليات المستعملة في الخطاب التومرتي تبدوا عند دراستها كلاسيكية وسيطية تمزج بين العام والخاص، وبين الأمة والقبيلة، ولكنها تاريخيا تطرح راديكالية مبنية على مزج الداخل
والخارج، بمعنى أن هناك خطاب جهادي موجه داخليا بتأويل ما يفهم إن كان موجها لمجال غير إسلامي بل الأكثر من ذلك أصبح المجال الإسلامي مركز الخطاب تفضيلا وتنظيرا وممارسة، وتجدر الإشارة إلى نقطة هامة في
هذا الخطاب ويتعلق الأمر بالمحرض عليه، ففي القراءة الأولية المستهدف من الخطاب سلطة مركزية ومؤسسات دولة قائمة، ولكن في رسائل إبن تومرت الأولوية هي جمهور عريض من العامة والقبائل التي تعتبر الدعم
الأساسي للسلطة، بمعنى أن فك الإرتباط بين هذه القوى المتحكمة في جهات ومجالات متعددة والسلطة المرابطية المركزية كانت من الأولويات السياسية، لذا فإن الهدم يبدأ باخظاع الجمهور قبل نهاية المركز، وقد
يكون هذا هو الشكل الأولي لإنتاج نسخة أخرى سياسية تنبني على الغلبة والقهر والخضوع بدل الإختيار عن قناعة بما جاء به المشروع السياسي الجديد، لذا فمهما بلغ الخطاب الدعائي التحريضي من قوة بفضل
الإستعانة بالمقدس والتأويل المدعوم نصيا وواقعيا في بعض الأحيان، فإن توجهه البنائي يبقى إقصائيا ومفروضا على الجمهور بحكم الغلبة، وهو ما يمكن أن نسميه بالإعادة الخطابية السياسية في مرحلة الأزمة
الداخلية، على قاعدة مرجعية السلطة المراد إزاحتها سياسيا وعسكريا