13 Avril 2009
وذلك أنه لما كان سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة خرج أبو يزيد بن كيداد النكاري الخارجي بإفريقية واشتدت شوكته وكثرت أتباعه وهزم الجيوش.
وكان ابتداء أمره أنه من زناة من مدينة توزر وكان أبوه يختلف إلى بلاد السودان للتجارة فولد بها أبو يزيد من جارية صفراء هوارية فأتى به إلى توزر فنشأ بها وتعلم القرآن وخالط جماعة من النكارية فمالت نفسه إلى مذهبهم ثم سافر إلى تاهرت فأقام بها يعلم الصبيان إلى أن خرج أبو عبد الله الشيعي إلى سجلماسة في طلب عبيد الله المهدي فانتقل إلى تقيوس واشترى ضيعة وأقام يعلم الناس فيها.
وكان مذهبه تكفير أهل الملة واستباحة الأموال والدماء والخروج على السلطان فابتدأ يحتسب على الناس في أفعالهم وصار له جماعة يعظمونه وذلك في أيام المهدي سنة ست عشرة وثلاثمائة.
وتزايدت شوكته وكثرت أتباعه في أيام القائم وحاصر باغاية وهزم الجيوش الكثيرة ثم حاصر قسطيلية سنة ثلاث وثلاثين وفتح تبسة ومجانة وهدم سورها ودخل مدينة مرمجنة فلقيه رجل من أهلها وأهدى له حمارا أشهب مليح الصورة فركبه من ذلك اليوم وصار يعرف براكب الحمار وكان قصيرا أعرج يلبس جبة صوف قصيرة وكان قبيح الصورة.
ثم إنه هزم كتامة وافتتح سبتية وصلب عاملها وفتح مدينة الأربس وأحرقها ونهبها والتجأ الناس إلى الجامع فقتلهم فيه وبلغ ذلك أهل المهدية فاستعظموه وقالوا للقائم: الأربس باب إفريقية ولما أخذت زالت دولة بني الأغلب فقال: لا بد أن يبلغ أبو يزيد المصلى وهي أقصى غايته.
وأخرج القائم الجيوش لضبط البلاد وجمع العساكر وبعث جيشا مع فتاه ميسور وجيشا مع فتاه بشرى فسار أبو يزيد وواقع بشرى على باجة فانهزم أبو يزيد وصار في أربعمائة فمال إلى خيام بشرى وانتهبها فانهزم بشرى إلى تونس وقتل كثير من عسكره وملك أبو يزيد باجة وحرقها ونهبها وقتل الأطفال وأخذ النساء وكتب إلى القبائل يدعوهم إلى نفسه فأتوه وعمل الأخبية والبنود وآلات الحرب.
وجمع بشرى جيشا وأنفذه إلى أبي يزيد فسير إليهم أبو يزيد جيشا والتقوا وانهزم أصحاب أبي يزيد.
وكانت فتنة بتونس وهرب عاملها وكاتبوا أبا يزيد فأمنهم وولى عليهم رجلا منهم فخافه الناس وانتقلوا إلى القيروان وأتاه كثير منهم ثم لقيه بشرى فانهزم عسكر أبي يزيد وقتل منهم أربعة آلاف وأسر خمسمائة وبعث بهم إلى المهدية في السلاسل فقتلهم العامة.
فغضب لذلك أبو يزيد وجمع الجموع.
وسار إلى قتال الكتاميين فتلاقى مع طلائعهم فانهزمت الطلائع وتبعهم البربر إلى رقادة فنزل أبو يزيد بالقرب من القيروان في مائة ألف مقاتل وقاتل أهل رقادة فقتل من أهل القيروان خلقا كثيرا ودخل القيروان عسكره في أواخر صفر فانتهبوا البلد وقتلوا وأخذ عامل القيروان فحمل إلى أبي يزيد فقتله.
وخرج شيوخ القيروان إلى أبي يزيد وهو برقادة فطلبوا الأمان فماطلهم وأصحابه يقتلون وينهبون فعادوا إلى الشكوى وقالوا: خربت المدينة.
فقال: وما تكون خربت مكة والبيت المقدس! ثم قدم ميسور في عساكر عظيمة فالتقى بأبي يزيد واشتد القتال بينهما وقتل ميسور وحمل رأسه إلى أبي يزيد فانهزم عامة عسكره.
وسير أبو يزيد الكتب إلى عامة البلاد يخبر بهذا الظفر فخاف القائم ومن معه بالمدينة وانتقل الناس من أرباضها فاحتموا بالسور فمنعهم القائم ووعدهم الظفر فعادوا إلى زويلة واستعدوا وأقام أبو يزيد شهرين وثمانية أيام في خيم ميسور وهو يبعث السرايا إلى كل ناحية فيغنمون ويعودون وفتح سوسة بالسيف وقتل الرجال وسبى النساء وأحرق البلد وشق أصحابه فروج النساء وبقروا البطون حتى لم يبق موضع في إفريقية معمور ولا سقف مرفوع ومضى جميع من بقى إلى القيروان حفاة عراة فمات أكثرهم جوعا وعطشا.
وفي أواخر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة حفر القائم الخنادق حول أرباض المهدية وكتب إلى زيرى بن مناد سيد صنهاجة وإلى سادات كتامة والقبائل بحثهم على الاجتماع ورحل أبو يزيد نحو المهدية فنزل على خمسة عشر ميلا منها وبث سراياه فانتهبوا ما وجدوا وقتلوا من أصابوا.
فلما كان يوم الخميس لثمان بقين من جمادى الأولى من السنة خرجت كتامة وأصحاب القائم إلى أبي يزيد فالتقوا على ستة أميال من المهدية واقتتلوا مع أصحاب أبي يزيد وأدركهم أبو يزيد وقد انهزم أصحابه وقتل كثير منهم فلما رآه الكتاميون انهزموا من غير قتال وأبو يزيد في أثرهم إلى باب الفتح.
واقتحم قوم من البربر باب الفتح وأشرف أبو يزيد على المهدية ثم رجع إلى منزله وعاد إلى المهدية ووقف على الخندق المحدث وقاتل عليه حتى وصل إلى باب المهدية عند المصلى الذي للعيد وبينه وبين المهدية رمية سهم وتفرق أصحابه في زويلة ينهبون ويقتلون وهم لا يعلمون ما صنع أبو يزيد في ذلك الجانب فحمل الكتاميون على البربر وهزموهم وقتلوا منهم.
ووصل زيرى بن مناد فعظم القتال وتحير أبو يزيد وقد مالوا عليه ليقتلوه فتخلص إلى منزله بعد المغرب ورحل إلى ترنوطة وحفر على عسكره خندقا واجتمع إليه خلق عظيم من إفريقية والبربر ونفوسة والزاب وأقاصي المغرب فحصر المهدية حصاراً شديداً ومنع الناس من الدخول إليها والخروج منها.
ثم زحف إليها لسبع بقين من جمادى الآخرة فجرى قتال عظيم قتل فيه جماعة من وجوه عسكر القائم واقتحم أبو يزيد بنفسه حتى وصل قرب الباب فعرفه بعض العبيد فقبض على لجامه وصاح: هذا أبو يزيد فاقتلوه.
فأتاه بعض أصحابه وقطع يد العبد وخلص أبو يزيد وكتب إلى عامل القيروان بإرسال مقاتلة أهلها إليه ففعل ذلك وزحف بهم آخر رجب فجرى قتال شديد وانهزم أبو يزيد هزيمة منكرة وقتل جماعة من أصحابه وأكثر أهل القيروان.
ثم زحف الزحفة الرابعة في العشر الآخر من شوال فجرى قتال عظيم وانصرف إلى منزله وكثر خروج الناس إليه من الجوع والغلاء ففتح عند ذلك القائم الأهراء التي عملها أبوه المهدي وفرق ما فيها على رجاله وعظم البلاء على الرعية حتى أكلوا الدواب الميتة وخرج من المهدية أكثر السوقة والتجار ولم يبق بها سوى الجند فكان البربر يأخذون من خرج ويشقون بطونهم طلباً للذهب.
ثم وصلت كتامة فنزلت بقسطنطينة فخاف أبو يزيد وكان البربر يأتون إلى أبي يزيد من كل ناحية فينهبون ويرجعون إلى منازلهم حتى أفنوا ما كان في إفريقية فلما لم يبق مع أبي يزيد سوى أهل أوراس وبني كملان أخرج عسكره فكان بينهم قتال شديد لست خلون من ذي القعدة ثم صبحوهم من الغد فلم يخرج إليهم أحد.
ثم زحفت عساكر القائم إليه فخرج من خندقه واشتد بينهم القتال ثم عادوا إلى القتال فانهزم عسكر القائم وعاد الحصار على ما كان عليه وهرب كثير من أهل المهدية إلى جزيرة صقلية وطرابلس ومصر وبلد الروم.
فلما كان آخر ذي القعدة اجتمع لأبي يزيد جمع عظيم وتقدم إلى المهدية فقاتل عليها وكاد أن يؤخذ ثم خلص سنة أربع وثلاثين وهو مقيم على المهدية وفي المحرم منها ظهر بإفريقية رجل يدعو إلى نفسه فأجابه كثير من الناس وادعى أنه رجل عباسي ورد من بغداد ومعه أعلام سود فظفر به أصحاب أبي يزيد وساقوه إليه فقتله.
وفر بعض أصحاب أبي يزيد إلى المهدية وخرجوا مع أصحاب القائم فقاتلوا أبا يزيد فظفروا وتفرق عند ذلك أصحاب أبي يزيد ولم يبق معه غير هوارة وبني كملان وكان اعتماده عليهم.
ورحل بقية أصحابه إلى القيروان ولم يشاوروا أبا يزيد فرحل مسرعا في طائفة وترك جميع أثقاله وذلك في سادس صفر فنزل مصلى القيروان فخرج أهل المهدية إلى أثقاله فغنموا طعاما كثيرا وخياما فحسنت حالهم ورخصت الأسعار وبعث القائم إلى البلاد عمالا يطردون عمال أبي يزيد.
ثم إن أبا يزيد بعث عسكرا إلى تونس فدخلوها بالسيف في العشرين من صفر فنهبوا جميع ما فيها وسبوا النساء والأطفال وقتلوا الرجال وهدموا المساجد والتجأ كثير من الناس إلى البحر فغرقوا.
فسير القائم عسكرا لقتال أصحاب أبي يزيد في تونس فانهزم عسكر القائم وتبعهم أصحاب أبي يزيد فكر عليهم عسكر القائم وصبروا فانهزم أصحاب أبي يزيد وقتل منهم خلق كثير.
ودخلوا إلى تونس خامس ربيع الأول فأخرجوا من فيها من أصحاب أبي يزيد فبعث أبو يزيد ابنه فقتل أهل البلد وأحرق ما بقي فيه وتوجه إلى باجة فقتل من بها من أصحاب القائم ودخلها بالسيف وأحرقها وكان في هذه المدة من القتل والسبي والتخريب ما لا يوصف.
وهم جماعة من أصحاب أبي يزيد بقتله وكاتبوا القائم بذلك فظفر بهم أبو يزيد فقتلهم وكثر النهب والسبي في القيروان.
وكان القائم قد بعث يجمع العساكر من المسيلة وغيرها فاجتمع له خلق كثير فطرقهم أيوب بن أبي يزيد على حين غفلة فقتل منهم وغنم أثقالهم وسير جريدة إلى تونس فأوقعوا بعسكر القائم وتكررت الحرب بينهم فانهزم أصحاب أبي يزيد وقتلوا قتلا ذريعا وأخذت أثقالهم وانهزم أيوب إلى القيروان في ربيع الأول فعظم على أبي يزيد وجمع على ابنه أيوب فسار وتوالت بينه وبين أصحاب القائم الحروب إلى أن هزمت أصحاب القائم من عسكر أبي يزيد ثم تجمعت عسكر القائم وواقعت أصحاب أبي يزيد على قسنطينة فانهزمت أصحاب أبي يزيد.
فجد حينئذ أبو يزيد في أمره وجمع العساكر وسار إلى سوسة سادس جمادى الآخرة وبها جيش القائم فحصرها حصرا شديدا وعمل عليها الدبابات والمنجنيقات وقتل من أهلها خلق كثير.
فلما كان في شهر رمضان مات القائم وقام من بعده ابنه المنصور فكتم موت أبيه خوفا من أي يزيد وعمل المراكب وشحنها بالرجال وسيرها إلى سوسة وسار بنفسه إليها ثم عاد وقدمت المراكب فواقعت أبا يزيد حتى انهزم هو وأصحابه وأحرقوا خيامه فدخل أبو يزيد إلى القيروان وفر البربر على وجوههم فمات أكثرهم جوعا وعطشا.
ومنع أهل القيروان أبا يزيد من دخول البلد وحصروا عامله بها فالتحق به وأخذ أبو يزيد امرأته أم أيوب وتبعه أصحابه بعيالاتهم على سبيبة وهي على يومين من القيروان فنزلوها.
وسار المنصور إلى مدينة سوسة لسبع بقين من شوال وبعث فنادى في الناس بالأمان ورحل إلى القيروان لست بقين من شوال فخرج إليه الناس فأمنهم ووجد بالقيروان حرما وأولاد لأبي يزيد فحملهم إلى المهدية وأجرى عليهم الأرزاق.
وجمع أبو زيد العساكر وبعث سرية يتخبرون له فأرسل إليهم المنصور سرية فالتقوا واقتتلوا وهزموا أصحاب المنصور وبلغ الناس ذلك فتسرعوا إلى أبي يزيد وكثر جمعه وزحف إلى القيروان فواقعه المنصور حتى ظفر وباشر بنفسه القتال وجعل يحمل يمينا وشمالا والمظلة على رأسه كالعلم ومعه نحو خمسمائة فارس وأبو يزيد في قدر ثلاثين ألفا فانهزم أصحاب المنصور هزيمة عظيمة حتى دخلوا الخندق وبقي المنصور في نحو عشرين فارسا وقصده أبو يزيد فلما رآه شهر سيفه وثبت مكانه وحمل بنفسه على أبي يزيد حتى كاد يقتله فولى أبو يزيد هارباً وقتل المنصور من أدرك منهم وتلاحقت به العساكر فقتل من أصحاب أبي يزيد خلقاً كثيراً.
وكان يوماً من الأيام المشهودة التي لم يكن فيما مضى من الأيام مثله وعاين الناس من شجاعة ورحل أبو يزيد عن القيروان أواخر ذي القعدة ثم عاد إليها غير مرة فلم يخرج إليه أحد ونادى المنصور: من أتى برأس أبي يزيد فله عشرة آلاف دينار.
وأذن للناس في قتال أبي زيد فجرى قتال شديد انهزم فيه أصحاب المنصور حتى دخلوا الخندق ثم عادوا فهزموا أصحاب أبي يزيد وافترقوا وقد انتصف بعضهم من بعض وكثرت القتلى من الفريقين وعادت الحرب بينهما غير مرة وأبو يزيد يبعث السرايا فيقطع الطريق بين المهدية والقيروان وسوسة.
ثم إنه بعث إلى المنصور يسأل حرمه وعياله الذين خلفهم بالقيروان وأخذهم المنصور ليدخل في طاعته على أن يؤمنه وأصحابه وحلف على ذلك بأغلظ الأيمان فسير إليه المنصور عياله مكرمين بعد أن وصلهم وكساهم فلما وصلوا إليه نكث وقال: إنما وجههم خوفا مني.
وانقضت سنة أربع وثلاثين وهم على حالهم.
ففي خامس المحرم سنة خمس وثلاثين زحف أبو يزيد وركب المنصور وكان بينهما قتال ما سمع بمثله وحملت البربر على المنصور وحمل عليها وجعل يضرب فيهم فانهزموا بعد أن قتل فلما انتصف المحرم عبى المنصور عسكره فجعل على ميمنته أهل إفريقية وعلى ميسرته كتامة وركب في القلب ومعه عبيده وخاصته فوقع بين الفريقين قتال شديد وحمل أبو يزيد على ميمنة المنصور فهزمها ثم حمل على القلب فوقع إليه المنصور وقال: هذا يوم الفتح إن شاء الله تعالى.
وحمل فيمن معه حملة رجل واحد فانهزم أبو يزيد وأخذت السيوف أصحابه فولوا منهزمين وأسلموا أثقالهم وفر أبو يزيد على وجهه وقد قتل من أصحابه ما لا يحصى كثرة حتى أن الذي أخذه أطفال أهل القيروان خاصة من رؤوس القتلى عشرة آلاف رأس.
وأقام المنصور يتجهز ثم رحل أواخر ربيع الأول فأدرك أبا يزيد ففر منه فتبعه وصار كلما قصد أبو يزيد موضعا يتحصن فيه يسبقه المنصور إليه واستأمن بعض أصحابه فأمنه المنصور واستمر الهرب بأبي يزيد حتى وصل إلى جبل البربر وأهله على مذهبه وسلك الرمال فاجتمع معه خلق كثير وواقع عسكره المنصور فهزم الميمنة وحمل عليه المنصور بنفسه فانهزم وتبعه المنصور إلى جبال وعرة وأودية عميقة خشنة الأرض فمنعت الأدلاء المنصور من سلوك تلك الأرض وقالوا إنه لم يسلكها جيش قط.
واشتد الأمر على عسكر المنصور فبلغ عليق كل دابة دينارا ونصفا وبلغت قربة الماء دينارا إن أبا يزيد اختار الموت جوعا وعطشا على القتل بالسيف.
فلما سمع المنصور ذلك رجع إلى بلاد صنهاجة فاتصل به الأمير زيرى بن مناد الصنهاجي بعساكر صنهاجة فأكرمه المنصور وأتته الأخبار بموضع أبي يزيد من الرمال.
ونزل بالمنصور مرض شديد أشفى منه فلما أفاق من مرضه رحل إلى المسيلة ثاني رجب فإذا أبو يزيد قد سبقه إليها لما سمع بمرض المنصور وهو يحاصرها فلما علم بالمنصور هرب منه يريد بلاد السودان فخدعه بنو كملان هم وهوارة ومنعوه من ذلك وأصعدوه إلى جبال كتامة وغيرهم فتحصن بها واجتمع إليه أهلها وصاروا ينزلون ويتخطفون الناس فسار المنصور عاشر شعبان إليه فلم ينزل أبو يزيد فلما أخذ المنصور في العود نزل أبو يزيد إلى ساقة العسكر فرجع المنصور ووقعت الحرب فانهزم أبو يزيد وأسلم أصحابه وأولاده وأدركه فارسان فعقرا فرسه فسقط عنه فأركبه بعض أصحابه وأدركه الأمير زيرى فطعنه وألقاه وكثر عليه القتال حتى خلصه أصحابه وخلصوا به وتبعهم المنصور فقتل منهم ما يزيد على عشرة آلاف.
وسار المنصور في أثره أول رمضان فاقتتلوا أشد قتال ولم يقدر أحد الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وخشونته ثم انهزم أبو يزيد وطلع أصحابه على رؤوس الجبال يرمون بالصخر والتجأ أبو يزيد إلى قلعة كتامة وهي منيعة فاحتمى بها وأقبلت هواره وأكثر من مع أبي يزيد يطلبون الأمان فأمنهم المنصور وسار فحصر القلعة وفرق جنده حولها فناشبه أبو يزيد القتال وزحف إليها المنصور غير مرة حتى ملك بعض أصحابه مكانا من القلعة وألقوا فيها النيران فانهزم أصحاب أبي يزيد وقتلوا قتيلا ذريعا وامتنع أبو يزيد وأولاده في قصر بالقلعة ومعه أعيان أصحابه فاجتمع أصحاب المنصور وأحرقوا شعارى الجبل حتى لا يهرب أبو يزيد فصار الليل كالنهار.
فلما كان آخر الليل خرج أصحاب أبي يزيد وهم يحملونه على أيديهم وحملوا على الناس حملة منكرة فأفرجوا له ونجوا به ونزل من القلعة خلق كثير فأخذوا وأخبروا بخروج أبي يزيد فأمر المنصور بطلبه وقال: ما أظنه إلا قريبا منا.
فبينما هم كذلك إذ جاء الخبر أن ثلاثة من أصحاب أبي يزيد حملوه من المعركة لقبح عرجه فذهب لينزل من الوعر فسقط في مكان صعب فأخذ وحمل إلى المنصور يوم الأحد لخمس بقين من المحرم وبه جراحات فلما رآه سجد شكراً لله.
وقدم به والناس يكبرون حوله فأقام عنده إلى سلخ المحرم من سنة ست وثلاثين وثلاثمائة فمات من جراح كانت به فأمر المنصور بادخاله في قفص عمل له وجعل معه قردين يلعبان عليه وأمر بسلخ جلده وحشاه تبنا وكتب إلى سائر البلاد بالبشارة.
وخرج عليه بعد أبي يزيد عدة خوارج فظفر بهم المنصور.
ثم عاد المنصور إلى المهديلة في شهر رمضان سنة ست وثلاثين.
وكانت وفاة القائم بأمر الله أبو القاسم محمد بن عبيد الله المهدي لثلاث عشرة خلت من شوال سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة.
وقام بالأمر من بعده ابنه أبو طاهر إسماعيل المنصور بنصر الله وكتم موته خوفاً أن يعلم أبو يزيد فإنه كان على سوسة قريبا منه فأبقى الأمور على حالها ولم يتسم بالخليفة ولا غير السكة ولا الخطبة ولا البنود وبقى كذلك حتى فرغ من أمر أبي يزيد فلما فرغ منه أظهر موت أبيه وتسمى بالخلافة وعمل آلات الحرب.
ويقال إن القائم لم يرق سريرا ولا ركب دابة صيد منذ أفضى إليه الأمر حتى مات وإنه صلى مرة على جنازة وصلى مرة العيد بالناس.
وكانت مدة خلافته اثنتى عشرة سنة وسبعة أشهر واثنى عشر يوما.
وعمره ثمانيا وخمسين سنة وقيل أربعا وخمسين سنة وتسعة أشهر وستة أيام.
أبو الطاهر إسماعيل.
وأبو عبد الله جعفر ومات في أيام المعز وحمزة وعدنان وأبو كنانة قبضوا بالمغرب ويوسف مات ببرقة سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وعبد الجبار توفي بمصر سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة وأربع بنات.
وترك سبع سرارى.
وكانت قضاته: إسحاق بن أبي المنهال ثم مات فولى أحمد بن يحيى وقتله أبو يزيد لما فتح إفريقية في صفر سنة ثلاث وثلاثين ثم أحمد بن الوليد.
ونقش خاتمه: بنصر الدائم ينتصر الإمام أبو القاسم.
وقال فيه أيوب بن إبراهيم: يا ابن الإمام المرتضى وابن الو - - صي المصطفى وابن النبيّ المرسل الله أعطاك الخلافة واهباً ورآك للإسلام أمنع معقل فمنعت حوزتها وحطت حريمها بالمشرفيّة والوشيج الذّبّل وقال خليل بن إسحاق لما بعثه لقتال أبي يزيد:
وما ودّعت خير الخلق طرّاً ** ولا فارقته عن طيب نفس
ولكنّي طلب به رضاه ** وعفو اللّه يوم حلول رمس
فعاش مملّكاً ما لاح نجمٌ ** على الثّقلين من جنٍّ وإنس
اتعاظ الحنفا أحمد بن علي المقريزي