21 Juillet 2013
ودمعٌ لا يُكَفكَف يا دِمَشْقُ |
سلامٌ من صَبا بَرَدى أَرَقُّ |
جلالُ الرُّزْءِ عن وَصْفٍ يَدِقُّ |
ومعذِرة اليَراعةِ والقوافي |
إليكِ تلفُّتٌ أَبداً وخَفْق |
وذكرى عن خواطرِها لقلبي |
جراحاتٌ لها في القلب عُمْق |
وبي مما رَمَتْكِ به الليالي |
ووجهُك ضاحكُ القسماتِ طَلْق |
دخلتكِ والأصيلُ له ائتلاقٌ |
ومِلءُ رُباك أَوراقٌ ووُرْق |
وتحتَ جِنانِك الأنهارُ تجري |
لهم في الفضلِ غاياتٌ وَسَبْق |
وحولي فتيةٌ غُرٌ صِباحٌ |
وفي أَعطافِهم خُطباءُ شُدْق |
على لهواتهم شعراءُ لُسْنٌ |
بكلِّ محلَّةٍ يَرْويه خَلْق |
رُواةُ قصائدي ، فاعجبْ لشعرٍ |
أُنوفُ الأُسْدِ واضطَرم المَدَق |
غَمزتُ إِباءَهم حتى تلظَّت |
أَبيٍّ من أُمَيَّةَ فيه عِتْق |
وضجَّ من الشكيمةِ كلُّ حُرٍّ |
على سَمْعِ الوليِّ بما يَشُقُّ |
لحاها اللهُ أَنباءً توالتْ |
ويُجْمِلُها إلى الآفاق بَرْقُ |
يُفصِّلها إلى الدنيا بَرِيدٌ |
تخال من الخُرافةِ وهْيَ صِدْق |
تكادُ لروعةِ الأحداثِ فيها |
وقيل : أصابها تلفٌ وحَرق |
وقيل : معالمُ التاريخ دُكَّت |
ومُرْضِعَةُ الأُبوَّة لا تُعَق |
ألستِ ـ دِمَشقُ ـ للإسلام ظِئْراً |
ولم يُوسَم بأَزين منه فَرْق |
صلاحُ الدين ؛ تاجُك لم يُجَمَّل |
لها من سَرْحِكِ العُلْوِيِّ عِرْق |
وكلُّ حضارةٍ في الأرض طالتْ |
وأَرضُكِ من حلى التاريخ رق |
سماؤكِ من حُلى الماضي كِتابٌ |
غُبارُ حضارتَيْه لا يُشَقُّ |
بَنَيْتِ الدولة الكبرى ومُلكاً |
بشائرُهُ بأندلُسٍ تدَق |
له بالشامِ أَعلامٌ وعُرْسٌ |
أَحقٌّ أَنها دَرَستْ ؟ أَحَقُّ ؟ |
رباعُ الخلدِ ـ وَيْحَكِ ـ ما دَهاها ؟ |
وهل لنعيمهن كأَمسِ نَسْقُ |
وهل غُرَفُ الجِنانِ مُنضَّداتٌ |
مُهَتَّكَةٍ ، وأَستارٍ تُشَقُّ |
وأين دُمى المقاصِر من حِجالٍ |
وخَلف الأيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ |
بَرزْنَ وفي نواحي الأَيْكِ نارٌ |
أَتتْ من دونه للموت طُرْق |
إِذا رُمْنَ السلامةَ من طريق |
وراءَ سمائِه خَطْفٌ ، وصَعْقُ |
بلَيْلٍ للقذائفِ والمنايا |
على جنباتِه ، واسودَّ أُفْق |
إِذا عصفَ الحديدُ ؛ احْمَرَّ أُفقٌ |
أَبين فؤادِه والصخرِ فَرْق ؟ |
سَلي مَنْ راعَ غِيدَك بعدَ وَهنٍ |
قلوبٌ كالحجارةِ ، لا تَرِقُّ |
وللمستعمرين ـ وإِن أَلانوا ـ |
أَخو حربٍ ، به صَلَفٌ ، وحُمق |
رماكِ بطَيْشه ، ورمى فرنسا |
يقول : عصابةٌ خرجوا وشَقُّوا |
إِذا ما جاءَه طُلاَّبُ حَقٍّ |
وتعلم أَنه نورٌ وحَقُّ |
دَمُ الثُّوارِ تعرفُه فرنسا |
كمُنْهَلِّ السماء ، وفيه رزقُ |
جرى في أرضِها ، فيه حياةٌ |
وزالوا دونَ قومِهمُ ليبقوا |
بلادٌ مات فِتْيَتها لِتحيا |
فكيف على قَناها تُسْتَرَق ؟ |
وحُرِرت الشعوبُ على قَناها |
وأَلقُوا عنكُم الأَحلامَ ، ألقوا |
بني سوريَّةَ ، اطَّرِحوا الأَماني |
بأَلقاب الإِمارة وهْيَ رِقُّ |
فمِنْ خِدَعِ السياسة أَن تُغَرُّوا |
كما مالت من المصلوب عُنْق |
وكم صَيَد بدا لك من ذليل |
ولا يمضي لمختلفين فَتْقُ |
فُتُوق الملكِ تَحْدُثُ ثُمَّ تمضي |
ولكن كلُّنا في الهمِّ شرق |
نَصَحْتُ ونحن مُختلفون داراً |
بيانٌ غيرُ مختلفِ ونُطْقُ |
ويجمعنا إِذا اختلفتْ بلادٌ |
فإِن رمْتم نعيمَ الدهر فاشْقوا |
وقفتم بين موتٍ أَو حياةٍ |
يَدٌ سلقتْ وديْنٌ مُستحِق |
وللأَوطانِ في دَمِ كلِّ حُرٍّ |
إِذا الأَحرارُ لم يُسقوا ويَسقوا ؟ |
ومن يَسقي ويَشربُ بالمنايا |
ولا يُدني الحقوقَ ولا يُحِقُّ |
ولا يبنى الممالكَ كالضحايا |
وفي الأسرى فِدًى لهُمو وعِتْقُ |
ففي القتلى لأَجيالٍ حياةٌ |
بكلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ |
وللحريةِ الحمراءِ بابٌ |
وعزُّ الشرق أَوَّلُهُ دِمَشْقُ |
جزاكم ذو الجلالِ بني دِمَشقٍ |
وكلُّ أَخٍ بنصرِ أَخيه حَقُّ |
نصرتم يومَ مِحنتهِ أَخاكم |
وإِن أُخِذوا بما لم يَستحِقوا |
وما كان الدُّروزُ قَبيل شرٍّ |
كينبوعِ الصَّفا خَشُنوا ورَقُّوا |
ولكنْ ذادَةٌ ، وقُراةَ ضيفٍ |
موارد في السحاب الجونِ بُلقُ |
لهم جبلٌ أَشمُّ له شعافٌ |
نِضالٌ دونَ غايته ورَشْق |
لكلِّ لبوءَةٍ ، ولكلِّ شِبْلٍ |
فكلُّ جِهاتِه شرفٌ وخلْق |
كأَن مِن السَّمَوأَلِ فيه شيئاً |
أحمد شوقي