2 Janvier 2008
وذكر ترجمة الشيخ أبي عبد الله الدقاق أيضا الشيخ أبو عبد الله التميمي في المستفاد. فقال: كان، رحمه الله، من أهل الورع والتواضع. له طريق يختص بها في التصوف وترك التصنع
أخبرني من أثق به من إخواني، عن أبي محمد، عبد الله التلمساني، أنه جاءه يوما، فرأى ثوبه مدنسا. قال: فقلت له: أعطني ثوبك أغسله. فقال لي: هو طاهر كما غسلته. ثم قال: كل من يغسل ثوبه من غير نجاسة، فهو مريض القلب، يحتاج أن يداوى
أخبرني بعض أصحابنا، أن بعض مشيخة البلد لقي أبا عبد الله الدقاق في بعض طرق فاس قد حمل تحته شيئا، فسلم عليه، ثم قال الرجل لأبي عبد الله: من أين جئت؟ فقال له: من موضع. فلما جاوزه، رجع أبو عبد الله إليه، وناداه. فرجع إليه، وقال له: سألتني من أين جئت، فقلت لك: من موضع. ثم أخرج له من تحته إناء فيه لحم مطبوخ، وقال له: اشتهت المرأة هذا، فاشتريته لها، ثم انصرف
أخبرني الشيخ أبو محمد، قاسم بن شريفة، رحمه الله، أن جماعة من المريدين أتوا أبا عبد الله الدقاق ليلة بعد العشاء الآخرة، فقال لهم: ما جاء بكم؟ قالوا: لنكون عندك هذه الليلة. قال: على أن لا تتصرفوا في مراحض الدار، فان رضيتم بالدخول على هذا فادخلوا.فدخلوا. فلما أصبح، صنع لهم ما أكلوا، ثم انصرفوا
أخبرني أبو محمد، قاسم المذكور، أن الشيخ أبا عبد الله الدقاق سكن في دار مرحاضها مطمر، فكان إذا جاء من يبيت عنده من الأصحاب، يقول له: هذه الدار مرحاضها مطمر، ولم أكرها من صاحبها إلا أن أسكنها أنا والمرأة، ولم أشترط عليه غيرها، فإن كان تتصرف خارج الدار فادخل. قال: فرغبة الناس في الشيخ على هذا كان يسهل عليهم ذلك، ويرضون به, وكان، رحمه الله، يطلق إطلاقات، ويتكلم بكلام ينكر عليه، حتى سافر جماعة من أصحابه من مدينة فاس إلى بلاد الأندلس،فاجتمعوا بالشيخ أبي الحكم ابن برجان، وأبي العباس بن العريف، فذكروا لهما أمره وأحواله، فقالا لهم: دعوه ولا تنكروا عليه شيئا. وكان، رحمه الله، قد قال لهم عند سفرهم: تبلغوا سلامي للشيخ أبي الحكم، وتقولوا له: أنت عثمان الوقت. فكان من القدر السابق أن صادف بعض الناس بمركز وضح في صدره، فكان منها وفاته، رحمه الله
أخبرني قاسم بن محمد، عن أبي عبد الله الدقاق، أنه سافر إلى سجلماسة، فتغيظ الوالي على أهل سجلماسة لشيء رفع عليهم، فأخذ منهم جماعة، وضرب أعناقهم. وأخذ مع القوم أبا عبد الله الدقاق فيمن أخذ، وكتف وحمل لموضع القتل. فقال لمن حضر: أستروا ظهري. فقيل له: أنت تحمل للقتل وتقول أستروا ظهري، فقال: لا أقتل، وما جعل الله لهم علي سبيلا. فلما وصل للموضع الذي قتل فيه القوم، تكلم فيه رجل من مشيخة قبائل فاس، حرسها الله، فاستعفى فيه، فأخذ معه حتى وصل إلى مدينة فاس سالما، والحمد لله
أخبرني الشيخ الصالح، أبو محمد، قاسم بن محمد القيسي، عن أبي عبد الله الدقاق، أنه قعد يوما مع أصحابه، فكانت منه غفلة حتى شكى ضيق حاله. فلما تفرق عنه أصحابه، نام بعضهم، فهتف به هاتف، وقال: بلغ لأبي عبد الله ما أقول لك، ثم أنشد
قل للرويجل من ذوي الأقدار الفقر أفضل شيمة الأحرار
يا من شكا للناس فعلة ربه هلا شكوت تحمل الأوزار
إن الذي ألبست من حلل التقى لو شاء ربك كنت عنها عاري
فأتاه، فأخبره بذلك، فصاح أبو عبد الله، وقال: يا قوم، هكذا أسكر، وأخذ في البكاء
وأخبرني الشيخ الواصل الصالح، أبو محمد، قاسم بن محمد، وغيره، قالوا: كان بمدينة فاس، حرسها الله، رجل من الصالحين، فرأى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه في دار كثيرة البيوت، فقال له: يا رسول الله، تحب أن تدلني على رجل جيد، كذا قال لي أبو محمد قاسم، وقال غيره: نحب أن تدلني على ولي من أولياء الله تعالى. فدفع له النبي صلى الله عليه وسلم، مفاتيح، وقال له: افتح بعض تلك البيوت، قال: ففتحت بيتا، فوجدت فيه أبا الدقاق، فكأنه لم يعد بقلبي، لأنه كان معي في البلد، وأعرفه. قال الرجل: ففتحت بيتا ثانيا، فوجدته فيه؛ ثم فتحت الثالث، فوجدته فيه. فلما أصبح وأخبر أبا عبد الله بالخبر، فقال له: لو فتحت جميع البيوت لوجدتني في جميعها
وكان أبو عبد الله الدقاق يتحدى بالولاية، ويدعيها لنفسه، ويتكلم بذلك. وكان خليقا بها لأوصافه الجميلة الحسنة. أخبرني بذلك عنه، الشيخ الصالح، أبو عبد الله، محمد بن محمد القيسي، رحمه الله
أخبرني الفقيه أبو محمد، عبد الله بن محمد بن حجاج، صاحبنا، وفقه الله، بمدينة تونس، حرسها الله، أخبرني أبو عثمان بن خلوف، أنه رأى في المنام أنه في يديه عصفور أخضر، فحمله إلى داره، وأدخله إلى بيت، وأغلق عليه، ولم يعرف أهل المنزل بدخوله في ذلك البيت، وكان له امرأتان في تلك الدار، فاشتهت إحداهما ثريد لبن، فصنعته، واشتهت الأخرى مجبنة، فبعثت كل واحدة منهما من اشترى لها ما احتاجت من حليب لبن، وصنعت تركمة. فلما وضعت كل واحدة منهما بين يديها ما اشتهت، فإذا بأبي عبد الله السلاوي قد دخل، فأخذت صاحبة المجبنة الإناء الذي فيه المجبنة، فادخلته في البيت الذي فيه أبو عبد الله الدقاق من تحت الباب، والبيت مغلق، لتخفي ذلك عن أبي عبد الله، بعلها. وكذلك صنعت صاحبة التركمة. فأكل أبو عبد الله الدقاق من هذه ومن هذه. فلما جلس السلاوي مع عياله، فكر في أبي عبد الله الدقاق، وقال لأهله: إن فلانا نسيته اليوم بلا غذاء. ثم جاء وفتح عليه، وسأله عن حاله، فقال له: أكلت ما اشتهيت. فقال له: فكيف السبب؟ فأعلمه بالقصة، فتعجب من ذلك
هذا آخر كلامه، رحمه الله في سيدي أبي عبد الله الدقاق، رضي الله عنه
من كتاب المستفاد في مناقب العباد، بمدينة فاس وما يليها من البلاد، لأبي عبد الله محمد بن عبد الكريم التميمي الفاسي