6 Janvier 2008
النهج التجاري وديناميكيته بين ضفتي البحر المتوسط شكل قاعدة التواصل بين الشمال والجنوب، ولذا كانت قاعدة المد والجزر التي دونتها مصادر التاريخ والجغرافية توضح وبشكل جلي، أن إستقلالية المناطق الداخلية عن سلطة فاس، وإنهيار المركز السياسي وفقدانه لمناطق التجارية البحرية، كمدينة أسفي وأزمور وغيرها، إنعكاس على مستوى التجارة بين الفئات الإجتماعية وتجار الضفة الشمالية للبحر المتوسط، وكان في مقدمتهم تجار البرتغال الذين كونوا الأغلبية المتاجرة وبشكل مباشر مع تجار المدن الساحلية والمناطق المحادية لها. تشكلت على إثر هذه التحولات حالة من الغنى والإرتباط بالمصالح الأجنبية، فأصبحت فئة من التجار تتمتع بنفوذ كبير، مما دفع العديد منهم إلى النظر إلى مصالحهم التجارية والمحافظة عليها على حساب القرار الداخلي المستقل. أصبحت التجارة مع المحتل البرتغالي ضرورة عند البعض ووسيلة للغنى، ولعل خير مثال على ذلك ما ساقته المصادر حينما قرر الملك البرتغالي مقاطعة ميناء أزمور نظرا لتعرض مراكب البرتغاليين وسلعهم للنهب، حيث سارع تجار منطقة دكالة إلى طلب العفو ومطالبة الملك البرتغالي عن العدول عن قراره مقابل تعويض تجار البرتغال عن كل خسائرهم. لقد كانت طبيعة التجارة ولا تزال مرتبطة وبشكل كبير بالأمن والإستقرار، فالعنصران يشكلان قاعدة أساسية لبناء تبادل بين الدول والطبقات والأفراد، إلا أنه في الحالة البرتغالية شكلت التجارة مع المحتل حالة فريدة يمكن تسميتها بتجارة الثغور المحتلة. لقد ساهمت هذه التجارة في تمويل المحتل داخل الأراضي المطلوب إسترجاعها. وكان هناك ربط لمصالح فئة من التجار والفلاحين والصناع بإقتصاد الثغر، مما أضعف قدرة مقاومة المحتل، لآتساع قاعدة المصالح المشتركة على حساب الوحدة الترابية ومقاومة الإستعمار
إنهار وضعف الحكم المركزي الذي كان يحمل في تركيبته السياسية جذور الإنقسامية لبنائه على القبيلة والعائلة وموالي المصلحة، دفع ما نسميهم عادة بالأعيان، وهم غالبا من التجار الكبار وكبار ملاك الأراضي، إلى الدخول في تنافس من أجل خدمة الإحتلال البرتغالي حفاظا وزيادة لإمتيازاتهم الإقتصادية والسلطوية على حساب الفئات الإجتماعية الأخرى، كصغار الفلاحين، والحرفيين، والعمال. لقد كانت حميمية الأعيان في التسابق لخدمة الإستعمار، حالة إستغلها حكام البرتغال بتفضيل الأكثر خدمة لمصالحهم، وهذا ما أورده الحسن الوزان في ما يخص مدينة اسفي، حيث استولت على السلطة أسرة آل فرحون التجارية، وأدخل أحمد بن علي، أحد ساستها، مدينة أسفي تحت الإحتلال البرتغالي، ودخل هذا الأخير في مزاد الولاء للبرتغال مع أقرانه من الأعيان في كل مناسبة، إلا أن تغيير ولائه لصالح إسبانيا الطامعة في المنطقة، عرضه لإنقلاب عائلي بمساعدة البرتغال، ليصل إلى الحكم إبن أخيه عبد الرحمان، الذي أغتيل بعد عامين من الخدمة، ليدخل علي بن وشمان ويحيى اوتعفوفت في صراع مرير من أجل خدمة البرتغال. قررت البرتغال بعد أن إستهلك وأنهك التجار الكبار والأعيان قوى البلد والعباد في خدمة مصالحهم ومصالح البرتغال، أن تحتل اسفي عسكريا سنة 1508
إن ما سماه الحسن الوزان "بالأحزاب" وظهورها خلال هذه الفترة، كانت سببا في سقوط أسفي وأزمور وغيرهما في يد الإستعمار. لقد كان ظهورها حالة شاذة في النظام السياسي المتعارف عليه منذ فترة الأدارسة، لأن الممارسة السياسية إتخذت شكلا غير قبلي وغير إجتماعي، وإنما على أساس مصلحة الفرد وشهواته وملء الجيوب، وهي كلها قواعد الممارسة السياسية وأماني الخائنين. هكذا كان يحيى اوتعفوفت، أكثر المتعاملين مع الإحتلال البرتغالي في الجنوب. لقد طبق المخطط الإستعماري في أكثر من بعد، عمل على جمع الضرائب لصالح المحتل، ناشرا لنفوذ البرتغال في الجنوب، وأخيرا دافع عسكريا عن الإستعمار، وخاض في سبيل ذلك حروبا ضد أبناء الجنوب، بجيش مكون من فرسان البرتغال وفرسان مغاربة أعراب حسب قول الوزان. لقد عانت القبائل الجنوبية من يحيى اوتعفوفت وأمثاله، وتوضح المصادر التاريخية كيف أجبرت القبائل على الخضوع في منطقة دكالة وعبدة، عن طريق الحسم العسكري، واغتيال الشيوخ، والفرض الضرائبي أو الإعفاء على قدر القبول أو المقاومة للمحتل. إن القبائل بحكم تركيبتها وتوجهها المصلحي المجالي، تبقى مرتبطة بالمجال المركزي وعمق إنتاجات السلطة المركزية. خلال ضعف السلطة المركزية لم تكن القبائل قادرة على الإلتفاف حول المصلحة العليا، بل البعض منها تورط في الحرب إلى جانب البرتغال. لقد كان لسياسة السلطة القمعية وتسابق بعض الشيوخ لخدمة الإستعمار أثر على توجه القبائل الجنوبية
إلى جانب هذه الفئات الإجتماعية كان هناك دور لبعض الأسر اليهودية في المناطق الجنوبية لصالح المحتل البرتغالي، ونخص بالذكر أسرة الحاخام أبرهم بن زميرو بأسفي ويوسف الديب بأزمور. لقد لعبت بعض الأسر اليهودية دورا في إضعاف المقاومة القبلية للمحتل، بتدخلاتهم لإقناع السكان بالدخول تحت سلطة البرتغال، وتخويفهم من الإنتقام، ومد البرتغال بالمعلومات عن تحرك المقاومة الوطاسية والسعدية، نظرا لنفوذ أسرهم داخل مراكز القرار. لقد كانت هذه الأسر ضمن فئة الأرستقراطية الدينية والتجارية، فهي بذلك تنتمي بحكم المصلحة لكبار التجار والأغنياء المرتبطين بالمصالح الأجنبية، فكانوا كغيرهم من الفئات المغربية المرتبطة بالمحتل يكنون العداء للسعديين ولقبائل المقاومة في الجنوب. لم يكن للبرتغال أن يستمر في مخطط إحتلاله للمدن الساحلية لولا هذا الربط بين حياة الجمهور الإقتصادية والمناطق المحتلة، هذه الأخيرة التي كانت تعيش من خلال الداخل المغربي معتمدة على التجارة وعملاء المصالح