10 Février 2008
سئل القباب عن جماعة من الطلبة يطعنون في كتاب الشيخ الإمام أبي حامد الغزالي رضي الله عنه المشهور بالإحياء، ويشددون في الإنكار على من أراد قراءته، وبالغ بعضهم في ذلك إلى أن قال: ليس ذلك باحياء علوم الدين، وإنما هو إماتة علوم الدين، وأردنا منكم أعانكم الله على طاعته جوابا شافيا يوضح الحق، وهل لإنكارهم وجه أم هو جهل منهم؟ وهل يجوز لكل أحد أن ينظره أم لا يجوز إلا لعارف؟ وفيه ما ينظر وما لا ينظر؟ وهل على من أنكر منهم عقوبة لكونه أنكر ما لا يعرفه أم لا؟ يبينو لنا ذلك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فأجاب: إنكار المنكر لقراءة الاحياء وقوله إنه إماتة علوم الدين لا احياؤه، فهذا قول منكر وكلام مبتدع وغبي جاهل بحق الرجل وبحق كتابه. وأبو حامد إمام من أيمة المسلمين، قال فيه المازري إنه لا يشق غباره في الفقه وفي أصول الفقه؛ وإنما انتقد عليه بعض الفقهاء مسائل مما يتعلق بشرح عجائب القلب وما يتعلق بذلك وما أشبه ذلك، أجاب عنه آخرون. ولا شك أن ترك النظر في تلك المسائل لمن لا رسوخ له في العلم واجب، وما عدا ذلك من الفقه والتكلم في خبائث القلب من الكبر والعجب والرياء والحسد فقراءته واجبة؛ وكذلك جميع الآداب من الطهارة والصلاة والزكاة والصوم، والأوراد وآداب الصحبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك مما لا يتعلق بالتعليل في قياس الشاهد على الغائب، فلا يعدل بكلامه شيء من كلام غيره. وإذا كان المنكر لقراءته ممن لا يمارس كلام العلماء فإنه يزجر عن ذلك، ولو أدب لكان لذلك أهلا، والله ولي التوفيق
قلت: وجدت بخط الشيخ أبي عبد الله السطي ما نصه: حدثني أبو محمد عبد المهيمن عن أبيه عن شيخه أبي الحسن المنتصر أنه قال: الغزالي إمام في الفقه، متوسط في أصول الفقه، ضعيف في الاعتقادات انتهى
وقيل لأبي علي الصيرفي لم حدثت عمن سوى أبي حامد الغزالي وأنت رأيته؟ فقال لكثرة الازدحام عليه، وترادف الناس لديه. قال ولقد رأيته يوما وحوله نحو خمسمائة رجل معتمين يمشون خلفه حفاة من المدرسة إلى منزله إكراما له. انتهى
ومما أنكر على الغزالي – رحمه الله ونفعنا به وأفاض علي وعلى أولادي من بركاته – قوله في الاحياء: ما في الامكان أبدع مما كان، قيل يعني أن خلق هذا العالم لا يمكن أن يكون أحسن من هذه الصفة التي هو مخلوق عليها. وسبقه عبد العزيز في الحياة، وألزمه الناس الكفر على هذا، وانكره ابن عربي في سراج المريدين غاية الانكار وغلطه في ذلك، وأنكره عليه أهل الأندلس وكفروه. قال ابن القطان: لما وصل إحياء علوم الدين إلى قرطبة تكلموا فيه بالسوء وأنكروا عليه أشياء، لا سيما قاضيهم ابن حمدين فإنه أبلغ في ذلك حتى كفر مؤلفه وأغرى السلطان به واستشهد بفقهائه، فأجمع هو وهم على حرقه، فأمر علي بن يوسف بذلك بفتياهم، فأحرق بقرطبة على الباب الغربي في رحبة المسجد بجلوده بعد إشباعه زيتا، بمحضر جماعة من أعيان الناس، ووجه إلى جميع بلاده يأمر بإحراقه. وتوالى الاحراق على ما اشتهر عنه ببلاد المغرب في ذلك الوقت، فكان إحراقه سببا لنزول ملكهم، وانتثار سلكهم، وتوالي الهزائم عليهم، وكان المهدي ببلاد المشرق إذ ذاك
فذكر ابن القطان في كتابه المسمى بنظم الجمان فيما سلف من أخبار الزمان أن المهدي رحل
من بلاد أقصى المغرب إلى الأندلس سنة خمسمائة، ومن المرية دخل في مركب إلى المشرق فغاب فيه اثنا عشر عاما. وذكر أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن
العراقي شيخ مسن من سكان فاس، قال كنت ببغداد بمدينة أبي حامد الغزالي، فجاء رجل كث اللحية على رأسه كرزي صوف، فدخل المدرسة وحياها بالركعتين، ثم أقبل على الشيخ أبي حامد فسلم عليه، فقال فمن الرجل؟ قال
من أهل المغرب الأقصى، قال دخلت قرطبة؟ قال نعم! قال فما حال فقهائها؟ قال: بخير،
قال: هل بلغهم الإحياء؟ قال: نعم! قال فما قالوا فيه؟ فلزم الرجل الصمت حياء منه، فعزم عليه ليقولن ما طرأ، فأخبره بإحراقه وبالقصة كما جرت، قال فتغير وجه الشيخ أبي حامد ومد يده إلى الدعاء
والطلبة يؤمنون، فقال اللهم مزق ملكهم كما مزقوه، وأذهب دولتهم كما حرقوه! فقام محمد بن تومرت السوسي الملقب بعد بالمهدي عند قيامه على
المرابطين فقال له: أيها الامام ادع الله أن يجعل ذلك على يدي! فتغافل عنه أبو حامد،
فأخبره بمثل الخبر المتقدم، فتغير ودعا بمثل دعائه الأول، فقال له المهدي: على يدي، فقال: اخرج يا شيطان سيجعل الله ذلك على يدك! فقبل الله دعاءه. وخرج محمد بن تومرت من هناك إلى المغرب برسم تحريك الفتن وقد علم أن دعوة ذلك الشيخ لا ترد، فكان من أمره ما كان، وكان تاريخ هذا الاحراق سنة سبع
وخمسمائة