Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Histoire du Maghreb تاريخ المغرب الكبير

فتاوي العصر الوسيط في قضايا التصوف من كتاب المعيار للونشريسي


اجتماع الفقراء للرقص والسماع

وسئل الشيخ الصالح أبو فارس عبد العزيز بن محمد القيرواني تلميذ سيدي أبي الحسن الصغير عن قوم تسموا بالفقراء يجتمعون على الرقص والغنا، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاما كانوا أعدوه للمبيت عليه، ثم يصلون ذلك بقراءة عشر من القرآن والذكر، ثم يغنون ويرقصون ويبكون، ويزعمون في ذلك كله أنهم على قربة وطاعة ويدعون الناس إلى ذلك، ويطعنون على من لم يأخذ بذلك من أهل العلم ونساء اقتفين في ذلك أثرهم، وعملن في ذلك على نحو عملهم. وقوم استحسنوا وصوبوا فيه رأيهم. فما الحكم فيهم وفيمن رأى رأيهم هل تجوز إمامتهم وتقبل شهادتهم أم لا؟ بينوا لنا ذلك

فأجاب: بأن قال: الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة على محمد خاتم النبيين، وآله الطيبين الطاهرين، أكرمكم الله وإيانا بتقواه، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، لا تباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حتى نلقاه، قد وقفنا على مارستم وتصفحنا فصوله.فالجواب فيه ما قاله بعض أيمة الدين، من علماء المسلمين الناصحين، حين سئلوا عن ذلك، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر: "أن بني إسرائيل افترقت على اثنين وسبعين فرقة، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة اثنان وسبعون في النار وواحدة في الجنة" وقد ظهر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من افتراق أمته على هذه الفرق، وتبين صدقه صلى الله عليه وسلم، وتحقق. ولم يكن أحد في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأمية الجاهلة الغبية الذين ولعوا بجمع أقوام جهال فتصدوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة، وعقولهم قاصرة، فدخلوا عليهم من طريق الدين، وأنهم لهم من الناصحين وأن هذه الطريق التي هم عليها هي طريق المحبين، فصاروا يحضونهم على التوبة والإيثار والمحبة وصدق الأخوة، وإماتة الحظوظ والشهوة وتفريغ القلب إلى الله بالكلية، وصرفه إليه بالقصد والنية. وهذه الخصال محمودة في الدين فاضلة، إلا أن الذي في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة، وطامات هائلة. وهذه الطائفة أشد ضررا على المسلمين، من مردة الشياطين، وهي أصعب الطوائف للعلاج، وأبعدها عن فهم طرق الاحتجاج، لأنهم أول أصل أصلوه في مذهبهم، بغض العلماء والتنفير عنهم، ويزعمون أنهم عندهم قطاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق، فمن كانت هذه حالته، سقطت مكالمته. وبعدت معالجته، فليس للكلام معه فائدة، والمتكلم معه يضرب من حديد بارد. وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم، ولم يسقط في مهواتهم، لعله يسلم من عاديتهم، وينجو من غاويتهم

واعلموا أن هذه البدعة في فساد عقائد العوام، أسرع من سريان السم في الأجسام، وأنها أضر في الدين من الزني والسرقة وسائر المعاصي والآثام، فإن هذه المعاصي كلها معلوم قبحها، عند من يرتكبها ويجتلبها، فلا يلبس مرتكبها على أحد، وترجى له التوبة منها والاقلاع عنها. وصاحب هذه البدعة يرى أنها أفضل الطاعات، وأعلى القربات، فباب التوبة عنده مسدود، وهو عنه شرود مطرود. فكيف ترجى له منها التوبة، وهو يعتقد أنها طاعة وقربة، بل هو ممن قال الله فيهم

قل هل أنبئكم بالاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وممن قال فيهم: أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا

ثم ضرر المعاصي إنما هي في أعمال الجوارح الظاهرة، وضرر هذه البدع إنما هي في الأصول التي هي العقائد الباطنة، فإذا افسد الأصل، ذهب الفرع والأصل، وإذا فسد الفرع بقي الأصل، يرجى أن ينجبر الفرع وإن لم ينجبر الفرع لم تذهب منفعة الأصل ثم إن الذي يغوي الناس ويدعوهم إلى بدعته، يكون عليه وزره ووزر من آستن بسنته. قال الله العظيم: "ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون". وقال تعالى: "وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". ولا تنشأ هذه العلل إلا من مرض في القلب خفي، أو حمق جلي، فاحذروها واحذروا أهلها. ولا تغتروا بهم ولو أنهم يطيرون في الهواء، ويمشون على الماء. فإن ذلك فتنة لمن أراد الله فتنته، وعلم شقوته. قال الله تعالى: "ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا". فلا يغتر أحدكم بما يظهر من الأوهام والخيالات، من أهل البدع والضلالات، ويعتقد أنها كرامات، بل هي شرك وحبالات، نصبها الشيطان ليقتنص بها معتقد البدع ومرتكب الشهوات، وإنما تكون من الله الكرامة لمن ظهرت منه الاستقامة، وإنما تكون الاستقامة باتباع الكتاب والسنة، والعمل بما كان عليه سلف هذه الأمة، فمن لم يسلك طريقهم، ولم يتبع سبيلهم، فهو ممن قال الله فيهم: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى". الآية

فمن حرف كتاب الله أو ترك العمل به أو عطله، فقد افترى على الله كذبا، واتخذ آيات الله هزؤا ولعبا، فإذا رأيتم من يعظم القرآن فعظموه، وإذا رأيتم من يكرم العلماء وأهل الدين فأكرموه. قال الله العظيم: "ومن يعظم حرمات الله". ومن رأيتموه خالف القرآن فارفضوه واهجروه في الله وأبغضوه. ومن رأيتموه يجانب العلماء فجانبوه فإنه لا يجانبهم إلا ضال مبتدع، غير مقتد بالشرع ولا متبع، فإن الشرائع لا تؤخذ إلا عن العلماء، الذين هم ورثة الأنبياء، كيف وقد جعل الله شهادته وشهادة ملائكته كشهادة أولي العلم.قال تعالى: "شهد الله أنه لا إله إلا هو" الآية ولست أعني بالعلماء المشتغلين في زماننا هذا بعلوم الجدال والممارات، ولا المعتنين بدرس مسائل الأقضية والشهادات، فيتقربون بذلك إلى جمع الحطام، والتقرب من الولات والحكام، ونيل الرياسة عند العوام، وإنما نعني بالعلماء الذين يعملون بعلمهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين" وقال فيهم: "علماء كادوا يكونون من ربهم أنبياء" فأولئك ورثة النبيئين وأيمة المتقين الذين يجب أن يقتدى بهم ويتأدب بآدابهم، ويقتفى آثارهم، وتحفظ أخبارهم ولكنهم ضمهم لحودهم، وقل على بسيط الأرض وجودهم فما يورد من آثارهم أثر، فهم الكبريت الأحمر، وإن كان عجز عن بلوغ رتبتهم وقصر، لكنه يعرف الحق لا يغلط في نفسه ولا يغتر، فهذه النصيحة لمن وقف عليها من الإخوان الصادقين المريدين، والعامة المسلمين المصححين، ليميزوا بها بين المحقين والمبطلين من المنتمين إلى الدين ولا يغتروا بالملبس من أجل حسن الظن ومحبتهم للصالحين، ويدخل عليهم الخلل في عقائدهم، ويميلون بها إلى عوائدهم. وأما ما ذكرتموه من أفعالهم واشتغالهم بالرقص والغنا والنوح فممنوع غير جائز، قال تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" الآية قال ابن مسعود هو الغنا والذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات وهو قول مجاهد وعطاء: من كانت له جارية مغنية فمات لم يصل عليه لقول الله عز وجل: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث" الآية

قال مالك في المدونة: وأكره الإجارة على تعليم الشعر والنوح وعلى كتابة ذلك. قال عياض: معناه نوح المتصوفة وانشادهم على طريق النوح والبكاء، فمن اعتقد في ذلك أنه قربة لله تعالى فهو ضل مضل، ولا يعلم المسكين أن الجنة حفت بالمكارة، وأن النار حفت بالشهوات، والله تعالى لم يبعث أحدا من الأنبياء باللهو والراحة والغنا، وإنما بعثوا بالبر والتقوى وما يخالف الهوى. قال تعالى: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى". فالباطل خفيف على النفوس، ولذلك خف في الميزان. والحق ثقيل، ولذلك ثقل في الميزان قال تعالى: إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا

حكم الرقص والسماع

وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن جماعة من أهل الخير والصلاح والورع يجتمعون في وقت فينشد لهم منشد أبياتا في المحبة وغيرها فمنهم من يتواجد فيرقص، ومنهم من يصيح ويبكي، ومنهم من يغشاه شبه الغيبة عن إحساسه. فهل يكره لهم هذا الفعل أم لا؟ وما حكم السماع؟

فأجاب: الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلح إلا للنساء. وأما سماع الإنشاد المحرك للأحوال السنية، المذكر بما يتعلق بالآخرة، فلا بأس به. بل يندب إليه عند الفتور وسآمة القلوب، لأن الوسائل إلى المندوب مندوبة والسعادة كلها في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء الصحابة الذين شهد لهم بأنهم خير القرون ولا يحضر السماع من في قلبه هوى خبيث، فإن السماع يحرك في القلوب من هوى محبوب أو مكوره. والله تعالى أعلم

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :