2 Février 2009
(ولنرجع) إلى من بقي من شعوب هذه الطبقة فنقول: كان بنوعامر بن صعصعة كلهم بنجد، وبنو كلاب في خناصرة والربذة من جهات المدينة، وكعب بن ربيعة فيما بين تهامة والمدينة وأرض الشام. وبنو هلال بن عامر في بسائط الطائف ما بينه وبين جبل غزوان. ونمير بن حامد معهم. وجشم محسوبون منهم بنجد. وانتقلوا كلهم في الإسلام إلى الجزيرة الفراتية فملك نمير حران ونواحيها. وأقام بنو هلال بالشام إلى أن ظعنوا إلى المغرب كما نذكر في أخبارهم. وبقي منهم بقية بجبل بني هلال المشهور بهم الذي فيه قلعة صرخد. وأكثرهم اليوم يتعاطون الفلح. وبنو كلاب بن ربيعة ملكوا أرض حلب ومدينتها كما ذكرناه. وبنو كعب بن ربيعة دخلت إلى الشام منهم قبائل عقيل وقشير وجريش وجعدة فانقرض الثلاثة في دولة الإسلام، ولم يبق إلا بنو عقيل.
(وذكر) ابن حزم: أنّ عددهم يفي عدد جميع مضر. فملك منهم الموصل بنو مالك بعد بني حمدان وتغلب. واستولوا عليها وعلى نواحيها وعلى حلب معها. ثم انقرض ملكهم ورجعوا للبادية، وورثوا مواطن العرب في كل جهة. فمنهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل، وكان بنومالك بن عقيل في أرض تيماء من نجد، وهم الان بجهات البصرة في الآجام التي بينها وبين الكوفة المعروفة بالبطائح، والإمارة منهم في بني معروف. وبالمغرب من بني المنتفق أحياء دخلوا مع هلال بن عامريعرفون بالخلط، ومواطنهم بالمغرب الأقصى ما بين فاس ومراكش.
(وقال الجرجاني): إن بني المنتفق كلهم يعرفون بالخلط، ويليهم في جنوب البصرة إخوتهم بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر، وعوف أخو المنتفق قد غلبوا على البحرين وغمارة وملكوها من يدي أبي الحسين الأصغر بن تغلب. وكانت هذه المواطن للأزد، وبني تميم وعبد القيس فورث هؤلاء أرضهم فيها وديارهم.
(قال ابن سعيد): وملكوا أيضاً أرض اليمامة من بني كلاب وكان ملوكهم فيها لعهد الخمسين والستمائة بنو عصفور. وكان من بني عقيل خفاجة بن عمرو بن عقيل، كان انتقالهم إلى العراق فأقاموا به وملكوا ضواحيه، وكانت لهم مقامات وذكر، وهم أصحاب صولة وكثرة، وهم الآن ما بين دجلة والفرات. ومن عقيل هؤلاء بنوعبادة بن عقيل ومنهم الأجافل لأن عبادة كان يعرف بالأجفل. وهم لهذا العهد بالعراق مع بني المنتفق. وفي البطايح التي بين البصرة والكوفة وواسط الامارة فيهم على ما يبلغنا لرجل إسمه قيان بن صالح، وهو في عدد ومنعة. وما أدري أهو من بني معروف أمراء البطائح بني المنتفق أو من عبادة الأجافل؟ هذه أحوال بني
عامر بن صعصعة واستيلاؤهم على مواطن العرب من كهلان وربيعة ومضر.(فأما بنو كهلان) فلم يبق لهم أحياء فيما يسمع. (وأما ربيعة) فأجازوا بلاد فارس وكرمان فهم ينتجعون هنالك ما بين كرمان وخراسان. وبقيت بالعراق منهم طائفة ينزلون. البطائح وانتسب إلى الكوفة منهم بنو صباح ومعهم لفائف من الأوس والخزرج. فأمير ربيعة إسمه الشيخ ولي، وعلى الأوس والخزرج طاهر بن خضر منهم هذه شعوب الطبقة الثالثة من العرب لهذا العهد في ديار المشرق بما أذى إليه الإمكان.
(ونحن الآن نذكر شعوبهم الذين انتقلوا إلى المغرب): فإنّ أمّة العرب لم يكن لهم إلمام قطّ بالمغرب لا في الجاهلية ولا في الإسلام، لأنّ أمّة البربر الذين كانوا به كانوا يمانعون عليه الأمم. وقد غزاه أفريقش بن ضبيع الذي سميت به أفريقية، من ملوك التبابعة وملكها. ثم رجع عنها وترك كتامة وصنهاجة من قبائل حمير، فاستحالت طبيعتهم إلى البربر واندرجوا في عدادهم، وذهب ملك العرب منهم. ثم جاءت الملة الإسلامية وظهر العرب على سائر الأمم بظهور الدين فسارت عساكرهم في المغرب وافتتحوا سائر أمصاره ومدنه وعانوا من حروب البربر شدة. وقد تقدم لنا ما ذكره ابن أبي زيد من أنهم ارتدّوا إثنتي عشر مرة. ثم رسخ فيهم الإسلام ولم يسكنوا بأجيالهم في الخيام ولا نزلوا أحياء لأن الملك الذي حصل لهم يمنعهم من سكنى الضاحية، ويعدل بهم إلى المدن الأمصار. فلهذا قلنا إن العرب لم يوطنوا بلاد المغرب. ثم أنهم دخلوا إليه في منتصف المائة الخامسة، وأوطنوه وافترقوا بأحيائهم وحللهم في جهاته كما نذكر الآن ونستوعب أسبابه.
دخول العرب المغرب
الخبر عن دخول العرب من بني هلال وسليم
المغرب من الطبقة الرابعة وأخبارهم هنالك
كانت بطون هلال وسليم من مضر لم يزالوا بادين منذ الدولة العباسية، وكانوا أحياء ناجعة محلاتهم من بعد الحجاز بنجد. فبنوسليم مما يلي المدينة، وبنوهلال في جبل غزوان عند الطائف. وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف العراق والشام، فيغيرون على الضواحي ويفسدون السابلة، ويقطعون على الرفاق وربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة وأيام الزيارة بالمدينة. وما زالت البعوث تجهّز والكتائب تكتب من باب الخلافة ببغداد للإيقاع بهم وصون الحاج من مضرّات هجومهم. ثم تحيّز بنو سليم والكثير من ربيعة بن عامر الى القرامطة عند ظهورهم، وصاروا جنداً بالبحرين وعمان. ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدي على مصر والشام، وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها العزيز منهم وغلبهم عليها وردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين، ونقل أشياعهم من العرب من بني هلال وسليم فأنزلهم بالصعيد، وفي العدوة الشرقية من بحر النيل فأقاموا هناك، وكان لهم أضرار بالبلاد. ولما انساق ملك صنهاجة بالقيروان إلى المعز بن باديس بن المنصور سنة ثمان وأربعمائة قلده الظاهر لدين الله علي بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد أمر أفريقية على عادة آبائه كما نذكره لك بعد، وكان لعهد ولايته غلاماً يفعة ابن ثمان سنين، فلم يكن مجرباً للأمور ولا بصيراً بالسياسة، ولا كانت فيه عزة وأنفة.
ثم هلك الظاهر سنة سبع وعشرين وأربعمائة وولي المستنصر بالله معز الطويل أمر الخلافة بما لم ينله أحد من خلفاء الإسلام. يقال ولي خمساً وسبعين وقيل خمسا وتسعين، والصحيح ثلاث وسبعون لأن مهلكه كان على رأس المائة الخامسة، وكانت أذن المعز بن باديس صاغية إلى مذاهب أهل السنة، وربما كانت شواهدها تظهر عليه، وكبا به فرسه في أول ولايته لبعض مذاهبه. فنادى مستغيثاً بالشيخين أبي بكر وعمر، وسمعته العامة فثاروا بالرافضة وقتلوهم وأعلنوا بالمعتقد الحق، ونادوا بشعار الإيمان وقطعوا من الأذان حيّ على خير العمل. وأغضى عنه الظاهر من ذلك وابنه معدّ المستنصر من بعد. واعتذر بالعامة فقبل واستمر على إتامة الدعوة والمهاداة، وفي أثناء ذلك يكاتب وزيرهما وحاجب دولتهما المضطلع بأمورهما أبا القاسم أحمد بن علي الجرجاني ويستميله ويعرّض ببني عبيد وشيعتهم. وكان الجرجاني يلقب بالأقطع، بما كان أقطعه الحاكم بجناية ظهرت عليه في الأعمال، وانتهضته السيدة بنت الملك عمة المستنصر.
فلما ماتت استبد بالدولة سنة أربع عشرة وأربعمائة إلى أن هلك سنة ست وثلاثين وأربعمائة، وولي الوزارة بعده أبو محمد الحسن بن على اليازوري أصله من قرى فلسطين وكان أبوه ملاحاً بها. فلما ولي الوزارة خاطبه أهل الجهات، ولم يولوه فأنف من ذلك فعظم عليه وحنق عليه ثمال بن صالح صاحب حلب والمعز بن باديس صاحب أفريقية، وانحرفوا عنه، وحلف المعز لينقضن طاعتهم، وليحولن الدعوة إلى بني عباس ويمحون اسم بني عبيد من منابره ولج في ذلك وقطع أسماءهم من الطراز والرايات، وبايع القائم أبا جعفربن القادر من خلفاء بني العبّاس، وخاطبه ودعا له على منابره سنة سبع وثلاثين وأربعمائة، وبعث بالبيعة إلى بغداد.
ووصله أبو الفضل البغدادي وحظي من الخليفة بالتقليد والخلع، وقرىء كتابه بجامع القيروان، ونشرت الرايات السود وهدمت دار الإسماعيلية. وبلغ الخبر إلى المستنصر معد الخليفة بالقاهرة، وإلى الشيعة الرافضة من كتامة وصنائع الدولة فوجموا وطلع عليهم المقيم المقعد من ذلك وارتبكوا في أمرهم. وكان أحياء هلال، هؤلاء الأحياء من جشم والأثير وزغبة ورياح وربيعة وعدي في محلاتهم بالصعيد كما قدمناه. وقد عم ضررهم وأحرق البلاد والدولة شررهم، فأشار الوزير أبو محمد الحسن بن علي اليازوري باصطناعهم والتقدم لمشايخهم وتوليتهم أعمال أفريقية وتقليدهم أمرها ودفعهم إلى حرب صنهاجة ليكونوا عند نصر الشيعة والسبب في الدفاع عن الدولة. فإن صدقت المخيلة في ظفرهم بالمعز وصنهاجة كانوا أولياء للدعوة وعمالاً بتلك القاصية. وارتفع عدوانهم من ساحة الخلافة؟ وإن كانت الأخرى فلها ما بعدها. وأمر العرب البادية أسهل من أمر صنهاجة الملوك فتغلبوا على هديه وثورانه. وقيل إن الذي أشار بذلك وفعله وأدخل العرب إلى أفريقية إنما هو أبو القاسم الجرجاني، وليس ذلك بصحيح، فبعث المستنصر وزيره على هؤلاء الأحياء سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وأ رضخ لأمرائهم في العطاء ووصل عامتهم بعيراً وديناراً لكل واحد منهم، وأباح لهم إجازة النيل. وقال لهم: قد أعطيتكم المغرب، وملك المعز بن بلكين الصنهاجي العبد الآبق قلا تفتقرون، وكتب البازوري إلى المغرب: أما بعد فقد أنفذنا إليكم خيولاً فحولاً، وأرسلنا عليها رجالاً كهولاً، ليقضي الله أمراً كان مفعولا، فطمعت العرب إذ ذاك، وأجازوا النيل إلى برقة، نزلوا بها وافتتحو أمصارها واستباحوها، وكتبوا لإخوأنهم بشرقي النيل يرغبونهم في البلاد، فأجازوا إليهم بعد أن أعطوا لكل رأس دينارين فأخذ منهم أضعاف ما أخذوه، وتقارعوا على البلاد: فحصل لسليم الشرق ولهلال الغرب وخربوا المدينة الحمراء وأوجدابية واسمرا وسرت.
وأقامت لهب من سليم وأحلافها رواحة وناصرة وغمرة بأرض برقة. وسارت قبائل دياب وعوف وزغب وجميع بطون هلال إلى أفريقية كالجراد المنتشر، لا يمرون بشيء إلأ أتوا عليه، حتى وصلوا إلى أفريقية سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة. وكان أول من وصل إليهم أمير رياح موسي بن يحيى الصنبري فاستماله المعز واستدعاه واستخلصه لنفسه وأصهر إليه. وفاوضه في استدعاء العرب من قاصية وطنه للاستغلاظ على نواحي بني عمه. فاستنفر القرى وأتى عليهم فاستدعاهم فعاثوا في البلاد وأظهروا الفساد في الأرض، ونادوا بشعار الخليفة المستنصر. وسرح إليهم من صنهاجة الأولياء فأوقعوا بها فتمخط المعز لكبره وأشاط بغضبه، وتقبض على أخي مؤنس وعكسر بظاهر القيروان. وبعث بالصريخ إلى ابن عمه صاحب القلعة القائد بن حامد بن بلكين، فكتب إليه كتيبة من ألف فارس سرحهم إليه استنفزواعن زناتة فوصل إليه المستنصر بن حزور المغراوي في ألف فارس من قومه
وكان بالبدو من أفريقية مع الناجعة من زناتة وهوم أعظم ساداتهم. وارتحل المعزفي أولئك النفر ومن لف لفهم من الأتباع والحشم والأولياء ومن في إيالتهم من بقايا عرب الفتح وحشد زناتة، والبربر، وصمد نحوهم في أمم لا تحصى يناهز عددهم فيما يذكر ثلاثون ألفاً. وكانت رياح وزغبة وعدي حيدران من جهة فاس. ولما تزاحف الفريقان انخذل بقية عرب الفتح وتحيّزوا إلى الهلاليين للعصبية القديمة، وخانته زناتة وصنهاجة، وكانت الهزيمة على المعز، وفرّ بنفسه وخاصته إلى القيروان. وانتهبت العرب من جمع مخلفه من المال والمتاع والذخيرة والفساطيط والرايات وقتلوا فيها من البشر ما لا يحصى. يقال إن القتلى من صنهاجة بلغوا ثلاثة آلاف وثلثمائة. وفي ذلك يقول علي بن رزق الرياحي كلمته. ويقال إنها لابن شداد وأوّلها:
لقد زار وهناً من اميم خيال وايدي المطايا بالزميل عجال
وإن ابن باديس لأفضل مالك لعمري، ولكن ما لديه رجال
ثم نازلوه بالقيروان وطال عليه أمر الحصار، وهلكت الضواحي والقرى بإفساد العرب وعيثهم، وانتقام السلطان منهما بانتمائهم في ولاية العرب. ولجأ الناس إلى القيروان وكثر النهب واشتد الحصار، وفر أهل القيروان إلى تونس وسوسه وعم النهب والعبث في البلاد. ودخلت تلك الأرض سنة خمس وأربعين، وأحاطت زغبة ورياح بالقيروان. ونزل مؤنس قريباً من ساحة البلد. وفر القرابة والأعياص من آل زير فولاهم موسى قابس وغيرها. ثم ملكوا بلاد قسطنطينة كلها وغزا عامل ابن أبي الغيث منهم: زناتة ومغراوة فاستباحهم ورجع.
واقتسمت العرب بلاد أفريقية سنة ست وأربعين: وكان لزغبة طرابلس وما يليها، ولمرداس بن رياح باجة وما يليها. ثم اقتسموا البلاد ثانية فكان لهلال من تونس إلى الغرب وهم: رياح وزغبة والمعقل وجشم وقرة والاثبج والخلط وسفيان. وتصرم الملك من يد المعز، وتغلب عائذ بن أبي الغيث على مدينة تونس وسباها. وملك أبومسعود من شيوخهم بونة صلحاً. وعامل المعزّ على خلاص نفسه، وصاهر ببناته ثلاثة من أمراء العرب: فارس بن أبي الغيث وأخاه عائذاً، والفضل بن أبي علي المرادي.
وقدم ابنه تميم إلى المهدية سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ولسنة تسع بعدها بعث إلى أصهاره من العرب وترحم بهم ولحق بهم بالقيروان، واتبعوه فركب البحر و الساحل، وأصلح أهل القيروان فأخبرهم إبنه المنصور بخبر أبيه فساروا بالسودان والمنصور. وجاء العرب فدخلوا البلد واستباحوه، واكتسحوا المكاسب وخربوا المباني وعاثوا في محاسنها، وطمسوا من الحسن والرونق معالمها. واستصفوا ما كان لآل بلكين في قصورها، وشملوا بالعيث والنهب سائر من فيها وتفرّق أهلها في الأقطار فعظمت الرزية، وانتشر الداء وأعضل الخطب. ثم ارتحلوا إلى المهدية فنزلوها وضيقوا عليها بمنع المرافق وإفساد السابلة. ثم حاربوا زناتة بعد صنهاجة وغلبوهم على الضواحي، واتصلت الفتنة بينهم، وأغزاهم صاحب تلمسان من أعقاب محمد بن خزر جيوشه مع وزيره أبي سعدى خليفة اليفرني فهزموه، وقتلوه بعد حروب طويلة. واضطرب أمر أفريقية وخرب عمرانها وفسدت سابلتها. وكانت رياسة الضواحي من زناتة والبربر لبني يفرن ومغراوة وبني يمانوا وبني يلومان. ولم يزل هذا داب العرب وزناتة حتى غلبوا صنهاجة وزناتة على ضواحي أفريقية والزاب، وغلبوا عليها صنهاجة وقهروا من بها من البربر، وأصاروهم عبيداً وخدماً بباجة. وكان في هؤلاء العرب لعهد دخولهم أفريقية رجالات مذكورون.
وكان من أشرفهم حسن بن سرحان وأخوه بدر وفضل بن ناهض، وينسبون هؤلاء في دريد بن الأثبج وماضي بن مقرب وينسبونه في قرة، وسلامة بن رزق في بني كثير من بطون كرفة بن الاثبج وشبان بن الاحيمر وأخوه صليصل، وينسبونهم في بني عطية من كرفة، ودياب بن غانم وينسبونه في في بني ثور، وموسى بن يحيى وينسبونه في مرداس رياح لا مرداس سليم، فاحذر من الغلط في هذا. وهو من بني صنبر بطن من بطون مرداس رياح، وزيد بن زيدان وينسبونه في الضحاك ومليحان بن عباس وينسبونه في حمير، وزيد العجاج بن فاضل ويزعمون أنه مات بالحجاز قبيل دخولهم إلى أفريقية، وفارس بن أبي الغيث وعامر أخوه، والفضل بن أبي علي ونسبهم أهل الأخبار منهم في مرداس المقهى،كل هؤلاء يذكرون في أشعارهم.
وكان زياد بن عامر رائدهم في دخول أفريقية ويسمونه لذلك أبا مخيبر وشعوبهم لذلك العهد كما قلناه زغبة ورياح الاثبج وقرة وكلهم من هلال بن عامر. وربما ذكر فيهم بنو عدي، ولم نقف على أخبارهم، وليس لهم لهذا العهد حيّ معروف. فلعلهم دثروا وتلاشوا وافترقوا في القبائل. وكذلك ذكر فيهم ربيعة، ولم نعرفهم لهذا العهد إلا أن يكونوا هم المعقل كما تراه في نسبهم. وكان فيهم من غير هلال كثير من فزارة وأشجع من بطون غطفان وجشم بن معاوية بن بكربن هوازن وسلول بن مرة بن صعصعة بن معاوية، والمعقل من بطون اليمنية، وعمرة بن أسد من بني ربيعة بن نزار، وبني ثور بن معاوية بن عبادة بن ربيعة البكاء بن عامر بن صعصعة، وعدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان. وطرود بطن من فهم بن قيس، إلا أنهم كلهم مندرجون في هلال وفي الأثبج منهم خصوصاً، لأن الرياسة كانت عند دخولهم للأثبج وهلال فأدخلوا ا كيهم وصاروا مندرجين في جملتهم. وفرقة من هؤلاء الهلاليين لم يكونوا من الذين أجازوا القيل لعهد البازوري أو الجرجاني. وإنما كانوا من قبل ذلك ببرقة أيام الحاكم العبيدي، ولهم فيها أخبار من الصنهاجيين ببرقة والشيعة بمصر خطوب، ونسبهم إلى عبد مناف بن هلال كما ذكر شاعرهم في قوله:
طلبنا القرب منهم وجزيل منهم بلا عيب من عرب سحاح جمودها
وبيت غرت أمره منا وبينهما طرود أنكاد اللي يكودها
ماتت ثلاث آلاف مرة وأربعة بحرمه منا تداوي كبودها
وقال الآخر منهم:
أيا رب جيرالخلق من نائح البلا إلا القليل انجارما لا يجيرها
وخص بها قرة مناف وعينها ديما لأرياد البوادي تشيرها
فذكر نسبهم في مناف، وليس في هلال. مناف هكذا منفرداً إنما هو عبد مناف والله تعالى أعلم. كان شيخهم أيام الحاكم مختار بن القاسم. ولما بعث الحاكم يحيى بن علي الأندلسي لصريخ فلفول بن سعيد بن خزروق بطرابلس على صنهاجة كما نذكره في أخبار بني خزروق، أوعز لهم في السير معه فوصلوا إلى طرابلس وجروا الهزيمة على يحيى بن عليّ، ورجعوا إلى برقة. وبعث عنهم فامتنعوا، ثم بعث لهم بالأمان، ووصل وفدهم إلى الإسكندرية فقتلوا عن آخرهم سنة أربع وتسعين وثلثمائة. وكان عندهم معلم للقرآن اسمه الوليد بن هشام ينسب إلى المغيرة بن عبد الرحمن من بني أُميّة وكان يزعم أن لديه أثارة من علم في اختيار ملك آبائه، وقبل ذلك منه البرابرة من مزاتة وزناتة ولواتة. وتحدثوا بشأنه فنصبه بنو قرة وبايعوه بالخلافة سنة خمس وتسعين وثلثمائة وتغلّبوا على مدينة برقة. وزحف إليهم جيوش الحاكم فهزموها، وقتل الوليد بن هشام قائدها من الترك.
ثم زحفوا به إلى مصر فانهزموا ولحق الوليد بأرض النجاء من بلاد السودان. ثم أخفرت ذمته وسيق إلى مصر وقتل، وهدرت لبني قرة جنايتهم هذه وعفا عنهم. ولما كانت سنة إثنتين وأربعمائة اعترضوا هدية باديس بن المنصور ملك صنهاجة من أفريقية إلى مصر فأخذوها، وزحفوا إلى برقة فغلبوا العامل عليها، وفرّ في البحر، واستولوا على برقة. ولم يزل هذا شأنهم ببرقة. فلما زحف إخوانهم الهلاليون من زغبة ورياح والأثبج وأتباعهم إلى أفريقية، كانوا ممن زحف معهم. وكان من شيوخهم ماضي بن مقرب المذكور في أخبار هلال.
ولهؤلاء الهلاليين في الحكاية عن دخولهم إلى أفريقية طرق في الخبر غريبة: يزعمون أن الشريف بن هاشم كان صاحب الحجاز ويسمونه شكر بن أبي الفتوح، وأنه أصهر إلى الحسن بن سرحان في أخته الجازية فأنكحه إياها، وولدت منه ولداً إسمه محمد. وأنه حدث بينهم وبين الشريف مغاضبة وفتنة، وأجمعوا الرحلة عن نجد إلى أفريقية. وتحيّلوا عليه في استرجاع هذه الجازية فطلبته في زيارة أبويها فأزارها إياهم، وخرج بها إلى حللهم فارتحلوا به وبها. وكتموا رحلتها عنه، وموّهوا عليه بأنهم يباكرون به للصيد والقنص ويروحون به إلى بيوتهم بعد بنائها فلم يشعر بالرحلة إلى أن فارق موضع ملكه، وصار إلى حيث لا يملك أمرها عليهم ففارقوه، فرجع إلى مكانه من مكة، وبين جوانحه من حبها داء دخيل، وأنهاه من بعد ذلك كلفت به مثل كلفه إلى أن ماتت من حبه.
ويتناقلون من أخبارها في ذلك ما يعفى عن خبر قيس وكثير، ويروون كثيرا من أشعارها محكمة المباني متفقة الأطراف، وفيها المطبوع والمنتحل والمصنوع، لم يفقد فيها من البلاغة شيء وإنما أخلوا فيها بالأعراب فقط، ولا مدخل له في البلاغة كما قّررناه لك في الكتاب الأوّل من كتابنا هذا. إلا أن الخاصة من أهل العلم بالمدن يزهدون في روايتها ويستنكفون عنها لما فيها من خلل الإعراب، ويحسبون أن الإعراب هو أصل البلاغة، وليس كذلك. وفي هذه الأشعار كثير دخلته الصنعة، وفقدت فيه صحة الرواية فلذلك لا يوثق به. ولو صحت روايته لكانت فيه شواهد بأيامهم ووقائعهم مع زناتة وحروبهم؛ وضبط لأسماء رجالاتهم وكثير من أحوالهم. لكنا لا نثق بروايتها. وربما يشعر البصير بالبلاغة بالمصنوع منها ويتهمه، وهذا قصارى الأمر فيه. وهم متفقون على الخبر عن حال هذه الجازية والشريف خلفأ عن سلف وجيلا عن جيل. ويكاد القادح فيها والمستريب في أمرها أن يرمى عندهمبالجنون والخلل المفرط لتواترها بينهم. وهذا الشريف الذي يشيرون إليه هو من الهواشم، وهو شكر بن أبي الفتوح الحسن بن أبي جعفربن هاشم محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن إدريس وأبوه أبو الفتوح هو الذي خطب لنفسه بمكة أيام الحاكم العبيدي، وبايع له بنو الجراح أمراء طىء بالشام وبعثوا عنه فوصل إلى أحيائهم، وبايع له كافة العرب. ثم غلبتهم عساكر الحاكم العبيدي ورجع إلى مكة، وهلك سنة ثلاثين وأربعمائة فولي بعده إبنه شكر هذا، وهلك سنة ثلاث وخمسين، وولي إبنه محمد الذي يزعم هؤلاء الهلاليون أنه من الجازية هذه. وتقدّم ذلك في أخبار العلوية هكذا نسبه ابن حزم.
(وقال ابن سعيد): هو من السليمانيين من ولد محمد بن سليمان بن داود بن حسن بن الحسين السبط الذي بايع له أبو الزاب الشيباني بعد ابن طباطبا، ويسمّى الناهض. ولحق بالمدينة فاستولى على الحجاز واستقرت إمارة مكة في بيته إلى أن غلبهم عليها هؤلاء الهواشم. جداً قريباً من الحسن والحسين. وأمّا هاشم الأعلى فمشترك بين سائر الشرفاء، فلا يكون مميزاً لبعضهم عن بعض. وأخبرني من أثق به من الهلاليين لهذا العهد أنه وقف على بلاد الشريف شكر، وأنها بقعة من أرض نجد مما يلي الفرات، وأن ولده بها لهذا العهد والله أعلم.
ومن مزاعمهم أنّ الجازية لما صارت إلى أفريقية وفارقت الشريف خلفه عليها منهم ماضي بن مقرّب من رجالات دريد وكان المستنصر لما بعثهم إلى أفريقية عقد لرجالاتهم على أمصارها وثغورها وقلدهم أعمالها، فعقد لموسى بن يحيى المرداسي على القيروان وباجة، وعقد لزغبة على طرابلس وقابس، وعقد لحسن بن سرحان على قسطنطينة. فلما غلبوا صنهاجة على الأمصار، وملك كل ما عقد له سيمت الرعايا بالأمصار عسفهم وعيثهم باختلاف الأيدي، إذ الوازع مفقود من أهل هذا الجيل العربي مُذ كانوا فثاروا بهم وأخرجوهم من الأمصار، وصاروا إلى ملك الضواحي والتغلّب عليها، وسيّم الرعايا بالخسف في النهب والعيث وإفساد السابلة، هكذا إلى هلمّ.
ولمّا غلبوا صنهاجة اجتهد زناتة في مدافعتهم بما كانوا أملك للبأس والنجدة بالبداوة فحاربوهم وزحفوا إليهم من أفريقية والمغرب الأوسط. وجهز صاحب تلمسان من بني خزر قائده أبا سعدى اليفرني فكانت بينهم وبينه حروب إلى أن قتلوه بنواحي الزاب، وتغلبوا على الضواحي في كل وجه. وعجزت زناتة عن مدافعتهم بأفريقية والزاب. وصار الملتحم بينهم في الضواحي بجبل راشد، ومصاب من بلاد المغرب الأوسط. فلما استقر لهم الغلب وضعت الحرب أوزارها، وصالحهم الصنهاجيون على خطة خسف في انفرادهم بملك الضواحي دونهم، وصاروا إلى التفريق بينهم، وظاهروا الاثبج على رياح وزغبة، وحشد الناصر بن علناس صاحب القلعة لمظاهرتهم وجمع زناتهة وكان فيهم المعزّ بن زيري صاحب فاس من مغراوة ونزلوا الأربس جميعاً. ولقيهم رياح وزغبة بسببه.
ومكر المعز بن زيري المغراويّ بالناصر وصنهاجة بدسيسة زعموا من تميم بن المعز بن باديس صاحب القيروان، فجر عليهم الهزيمة واستباحت العرب وزناتة خزائن الناصر ومضاربه. وقتل أخوه القاسم ونجا إلى قسطنطينية ورياح في اتباعه. ثم لحق بالقلعة فنازلوها وخرّبوا جنباتها وأحبطوا عروشها، وعاجوا على ما هنالك من الأمصار مثل طبنة والمسيلة فخربوها وأزعجوا ساكنيها، وعطفوا على المنازل والقرى والضياع والمدن فتركوها قاعاً صفصفاً أقفر من بلاد الجن، وأوحش من جوف العير وغوروا المياه واحتطبوا الشجر، وأظهروا في الأرض الفساد، وهجروا ملوك أفريقية والمغرب من صنهاجة وولاة أعمالهم في الأمصار، وملكوا عليهم الضواحي يتحيفون جوانبهم ويقعدون لهم بالمراصد، ويأخذون لهم الأتاوة على التصرف في أوطانهم.
ولم يزل هذا دأبهم حتى لقد هجر الناصر بن علناس سكنى القلعة، واختط بالساحل مدينة بجاية، ونقل إليها ذخيرته وأعدها لنزله. نزلها المنصور ابنه من بعده فرارا من ضيم هذا الجيل وفسادهم بالضواحي إلى منعة الجبال وتوعر مسالكها على رواحلهم. واستقروا بها بعد، وتركوا القلعة. وكانوا يختصون الاثبج من هؤلاء الأحياء بالرياسة سائر أيامهم. ثم افترق جمع الأثبج وذهبت بذهاب صنهاجة دولتهم. ولما غلب الموحدون سائر الدول بالمغرب في سني إحدى وأربعين وخمسمائة، وزحف شيخ الموحّدين عبد المؤمن إلى أفريقية، وفد عليه بالجزائر أميران منهم لذلك العهد أبو الجليل بن شاكر أمير الأثبج وحبّاس بن مشيفر من رجالات جشم فتلقاهما بالمبرة، وعقد لهما على قومهما ومضى لوجهه. وفتح بجاية سنة تسع وخمسين وخمسماية.
ثم انتقض العرب الهلاليون واعصوصبوا على دعوة صنهاجة وكان أمير رياح فيهم محرز بن زناد بن بازخ إحدى بطون بني علي بن رياح، فلقيتهم جيوش الموحدين بسطيف، وعليهم عبد الله بن المؤمن فتواقفوا ثلاثا علقوا فيها رواحلهم، وأثبتوا في مستنقع الموت أقدامهم، ثم انتفض في الرابعة جمعهم واستلحمهم الموحّدون وغلبوا عليهم، وغنموا أموالهم وأسروا رجالهم وسبوا نساءهم واتبعوا أدبارهم إلى فحص سبتة ثم راجعوا من بعد ذلك بصائرهم واستكانوا لعزّ الموحّدين وغلبهم فدخلوا في دعوتهم وتمسكوا بطاعتهم، وأطلق عبد المؤمن أسراهم ولم يزالوا على استقامتهم، ولم يزل الموحدون يستنفرونهم في جهادهم بالأندلس وربما بعثوا إليهم في ذلك المخاطبات الشعرية فأجازوا مع عبد المؤمن ويوسف إبنه كما هو في أخبار دولتهم. ولم يزالوا في استقامتهم إلى أن خرج عن الدولة بنو غانية المسوّفيون أمراء ميورقة، أجازوا البحر في أساطيلهم إلى بجاية فكبسوها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة لأوّل دولة المنصور، وكشفوا القناع في نقض طاعة الموحدين ودعوا العرب بها فعادت هيف إلى أديانها. وكانت قبائل جشم ورياح وجمهور الأثبج من هؤلاء الهلاليين أسرع إجابة إليها. ولما تحركت جيوش الموحدين إلى أفريقية لكف عدوانهم تحيزت قبائل زغبة إليهم وكانوا في جملتهم ولحق بنو غانية بفاس ومعهم كافة جشم ورياح، ولحق بهم جل قومهم من مسوفة وإخوانهم لمتونة من أطراف البقاع، واستمسكوا بالدعوة العباسية التي كان أمراؤهم بنو تاشفين بالمغرب يتمسّكون بها فأقاموها فيمن إليهم من القبائل والمسالك ونزلوا بفاس. وطلبوا من الخليفة ببغداد المستنصر تجديد العهد لهم بذلك وأوفدوا عليه كاتبهم عبد البر بن فرسان، فعقد لابن غانية وأذن له في حرب الموحدين. واجتمعت إليه قبائل بني سليم بن منصور، وكانوا جاؤوا على أثر الهلاليين عند إجازتهم إلى أفريقية. وظاهره على أمره ذلك قراقوش الأرمني. ونذكر أخباره في أخبار الميورقي. فاجتمع لعلي بن غانية من الملثمين والعرب والعجم عساكر جمة، وغلب الضواحي وافتتح بلاد الجريد، وملك قفصة وتوزر ونفطة. ونهض إليه المنصور من مراكش يجر امم المغرب من زناتة والمصامدة وزغبة من الهلاليين وجمهور الأثبج، فأوقعوا بمقدمته بفحص غمرة من جهات قفصة. ثم زحف إليهم من تونس فكانت الكرّة عليهم وفلّ جمعهم واتبع آثارهم إلى أن شرّدهم إلى صحارى برقة، وانتزع بلاد قسنطينة وقابس وقفصة من أيديهم. وراجعت قبائل جشم ورياح من الهلاليّين طاعته ولاذوا بدعوته فنفاهم إلى المغرب الأقصى. وأنزل جشم ببلاد تامسنا، ورياحاً ببلاد الهبط، وأزغار مما يلي سواحل طنجة إلى سلا.
وكانت تخوم بلاد زناتة منذ غلبهم الهلاليون على أفريقية وضواحيها أرض مصاب ما بين صحراء أفريقية وصحراء المغرب الأوسط، وبها قصور جدّدها فسميت باسم من ولي خطتها من شعوبهم. وكان بنو بادين وزناتة وهم بنو عبد الواد وتوجين ومصاب وبنو زردال وبنو راشد شيعة للموحّدين منذ أول دولتهم، فكانوا أقرب إليهم من أمثالهم بنو مرين وأنظارهم كما يأتي. وكانوا يتولّون من أرياف المغرب الأوسط وتلوله ما ليس يليه أحد من زناتة، ويجوسون خلاله في رحلة الصيف بما لم يؤذن لأحد ممن سواهم في مثله، حتى كأنهم من جملة عساكر الموحّدين وحاميتهم. وأمرهم إذ ذاك راجع إلى صاحب تلمسان من سادة القرابة ونزل هذا الحي من زغبة مع بني بادين هؤلاء لما اعتزلوا إخوانهم الهلاليّين وتحيزوا إلى فئتهم، وصاروا جميعاً قبلة المغرب الأوسط من مصاب إلى جبل راشد، بعد أن كانت قسمتهم الأولى بقابس وطرابلس.
وكانت لهم حروب مع أولاد خزرون أصحاب طرابلس. وقتلوا سعيد بن خزرون فصاروا إلى هذا الوطن الآخر لفتنة إبن غانية، وانحرافهم عنه إلى الموحدين. وانعقد ما بينهم وبين بني بادين حلف على الجوار والذبّ عن الأوطان وحمايتها من معرة العدو فياحتيال غرتها وانتهاز الفرصة فيها. فتعاقدوا على ذلك واجتوروا وأقامت زغبة في القفار وبنو بادين بالتلول والضواحي. ثم فر مسعود بن سلطان بن زمام أمير الرياحيّين من بلاد الهبط، ولحق ببلاد طرابلس ونزل على زغبة وذياب من قبائل بني سليم. ووصل إلى قراقش بن رياح وحصر معه طرابلس حين افتتحها، وهلك هنالك. وقام إلى الميروني ولحق ولقيه بالحملة فهزمه وقتل الكثيرمن قومه.
وانهزمت طائفة من قوم محمد بن مسعود منهم: إبنه عبد الله وابن عمه حركات بن أبي الشيخ بن عساكر بن سلطان، وشيخ من شيوخ قرة فضرب أعناقهم. وفر يحيى بن غانية إلى مسقطه من الصحراء. واستمرّت على ذلك أحوال هذه القبائل من هلال وسليم وأتباعها. ونحن الآن نذكر أخبارهم ومصائر أمورهم ونعدّدهم فرقة فرقة. ونخص منهم بالذكر من كان لهذا العهد بحيه وناجعته، ونطوي ذكر من انقرض منهم. ونبدأ بذكر الأثبج لتقدم رياستهم أيام صنهاجة كما ذكرناه. ثم نقفي بذكر جشم لأنهم معدودون فيهم. ثم نذكر رياحأ وزغبة، ثم المعقل لأنهم من عداد هلال. ثم نأتي بعدهم بذكر سفيم لأنهم جاؤوا من بعدهم والله الخلاق العليم.