3 Mars 2009
سافرت من هذه المدينة إلى القدس. فزرت في طريقي إليه تربة يونس عليه السلام، وعليها أبنية كبيرة ومسجد. وزرت أيضا بيت لحم، موضع ميلاد عيسى عليه السلام، وبه أثر جذع النخلة، وعليه عمارة كثيرة. والنصارى يعظمونه أشد التعظيم، ويضيفون من نزل به، ثم وصلنا إلى بيت المقدس، شرفه الله، ثالث المسجدين الشريفين في رتبة الفل، ومصعد رسول الله عليه وسلم تسليما، ومعرجة إلى السماء. والبلدة الكبيرة مبنية بالصخر المنحوت. وكان الملك الصالح الفاضل صلاح الدين بن أيوب جزاه الله عن الإسلام خيرا، لما فتح هذه المدينة هدم بض سورها. ثم استنقض الملك الظاهر هدمه خوفا أن يقصدها الروم فيتمنعوا بها. ولم يكن بهذه المدينة نهر فيما تقدم وجلب لها الماء في هذا العهد الأمير سيف الدين تنكيز أمير دمشق
المسجد المقدس
وهو من المساجد العجيبة الرائقة الفائقة الحسن، يقال: إنه لا يوجد على وجه الأرض مسجد أكبر منه، وإن طوله من شرق إلى غربي سبعمائة واثنتان وخمسون ذراعا بالذراع المالكية وعرضه من القبلة إلى الجوف أربعمائة ذراع وخمس وثلاثون ذراعا في جهاته الثلاث، وأماالجهة القبلية منه فلا علم بها إلا بابا واحخدا، وهو الذي يدخل منه الإمام، والمسجد كله فضاء وغير مسقف في
النهاية من إحكام الفعل وإتقان الصنعة مموه لبالذهب والأصبغة الرائقة، وفي المسجد مواضع سواه مسقفة
قبة الصخرة
وهي من اعجب المباني وأتقنها وأغربها شكلا. وقد توفر حظها من المحاسن، وأخذت من كل بديعة بطرف، وهي قائمة على نشز ي وسط المسجد، يصعد إليها في درج رخام. ولها أبواب. والدائر بها مفروش بالرخام أيضا محكم الصنعة، وكذلك داخلها في ظاهرها وباطنها من أنواع الزواقة ورائق الصنعة ما يعجز الواصف. وأكثر ذفك مغشى بالذهب فهي تتلألأ أنوارأص، أو تلمع لمعان البرق. يحار بصر متأملها في محاسنها، ويقصر لسان رائيها عن تمثيلها. وفي وسط القبة الصخرة الكريمة إلتي جاء ذكرها في الآثار. فإن النبي صلى الله عليه وسلم عرج منها إلى السماء. وهي صخرة صماء، ارتفاعها نحو قامة. وتحتها مغارة مقدار بيت صغير. ارتفاعها نحو قامة أيضا ينزل إلها على درج. وهنالك شكل محراب. وعلى الصخر شباكان اثنان محكما العمل، يغلقان عليهما أحدهما، وهو الذي يلي الصخرة من حديد بديع الصنعة والثاني الخشب. وفي القبة درقة كبيرة من حديد، معلقة هنالك. والناس يزعمون أنها درقة حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه
بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف
فمنها بعدوة الوادي المعروف بزودي جهنم في شرقي البلد، على تل مرتفع هنالك، بنية يقال: إنها مصعد عيسى عليه السلام إلى السماء. ومنها أيضا قبر رابعة البدوية، منسوبة إلى البادية وهي خلاف رابعة العدوية الشهيرة. وفي بطن الوادي المذكور كنيسة يعظمها النصارى، ويقولون: إن قبر مريم عليها السلام بها. وهنالك أيضا كنيسة أخرى معظمة، يحجها النصارى، وهي التي يكذبون عليها، ويعتقدون أن قبر عيسى عليه السلام بها. وعلى كل من يحجها ضريبة معلومة للمسلمين. وضروب من الإهانة يتحملها على رغم أنفه. وهنالك موضع مهد عيسى عليه السلام يتبرك به
بعض فضلاء القدس
فمنهم قاضيه العالم شمس الدين محمد بن سالم الغزي بفتح الغين ، وهو من أهل غزة وكبرائها. ونمهم خطيبه الصالح الفاضل عماد الدين النابلسي، ومنهم المحدث المفتي شهاب الدين الطبري، ومنهم مدرس المالكية وشيخ الخانقاه الكريمة أبو عبد الله محمد بن مثبت الغرناطي نزيل القدس ومنها الشيخ الزاهد أبو علي حسن المعروف بالمحجوب من كبار الصالحين، ومنهم الشيخ الصالح العابد أبو عبد الرحيم عبد الرحمن بن مصطفى من أهل أرز الروم، وهو من تلامذة تاج الدين الرفاعي. صحبته ولبست منه خرقة التصوف. ثم سافرت من القدس الشريف برسم زيارة ثغر عسقلان، وهو خراب. قد عاد رسوما طامسة.، وأطلالا دارسة. وقل بلد جمع من المحاسن ما جمعته عسقلان إتقانا وحسن وضع، وأصالة مكان، وجمعا بين مرافق البر والبحر وبها المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي عليه السلام، قبل أن ينتقل إلى القاهرة، وهو مسجد عظيم سامي العلو، فيه جب اللماء أمر ببنائه بعض العبيد، وكتب ذلك على بابه وفي قبلة هذا المزار مسجد كبير يعؤف بمسجد عمر لم يبق منه إلا حيطانه وفي أساطين رخام لا مثل لها في الحسن وهي ما بين قائم وحصيد ومن جملتها أسطوانة حمراء عجيبة، يزعم الناس أن النصارى احتملوها إلى بلادهم، ثم فقدوها، فوجدت في موضعها بعسقلان. وفي القبلة من هذا المسجد بئر يعرف ببئر إبراهيم عليه السلام، ينزل إليها في درج متسعة، ويدخل منها إلى بيوت، وفي كل ناحية من جهاتها الأربع تخرج من أسراب مطوية بالحجارة. ماؤها عذب، وليس بالغزير. ويذكر الناس من فضائلها كثيرا. وبظاهر عسقلان وادي النمل، ويقال: إنه المذكور في الكتاب العزيز. وبجبانة عسقلارن من قبور الشهداء والأولياء ما لا يحصر لكثرته، أوقفنا عليهم قيم المزار المذكور. وله جراية يجريها له ملك مصر، ومع ما يصل إليه من صدقات الزوار. ثم سافرت منها إلى مدينة الرملة وهي في فلسطين مدينة كبيرة، كثيرة الخيرات، حسنة الأسواق. وبها جامع الأبيض ز ويقال: إن في قبلته ثلاثمائة من الأنبياء، مدفونين عليهم السلام. وفيها من كبار الفقهاء مجد الدين النابلسي. ثم خرجت منها إلى مدينة مابلس، وهي مدينة عظيمة، كثيرة الأشجار مطردة الأنهار، من أكثر البلاد الشام زيتونا. ومنها يحمل الزيت إلى مصر ودمشق. وبها تصنع حلواء الخروب، وتجلب إلى دمشق وغيرها
وكيفية عملها: أن يطبخ الخروب، ثم يعصر، ويؤخذ ما يخرج منه من الرب فتصنع منه الحلواء. ويجلب ذلك الرب أيضا إلى مصر والشام. وبها البطيخ المنسوب إليها وهو طيب عجيب. والمسجد الجامع في نهاية من الإتقان والحسن. وفي وسطه بركة ماء عذب
رحلة ابن بطوطة المسماه تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار لعبد اللّه ابن محمّد اللاّواتي المعروف بان بطوطة