3 Mars 2009
وهي الجزيرة الخضراء، ويقال لها جزيرة أم حكيم، وهي جارية طارق بن زياد مولى موسى
بن نصير كان حملها معه فخلفها هذه الجزيرة فنسبت إليها، وعلى مرسى أم حكيم مدينة الجزيرة الخضراء، وبينها وبين مدينة قلشانة أربعة وستون ميلاً، وهي على ربوةٍ مشرفةٍ على البحر وسورها متصل به، وبشرقيها
خندق وبغربيها أشجار تينٍ وأنهار عذبة؛ وقصبة المدينة موفية على الخندق وهي منيعة حصينة سورها حجارة وهي في شرقي المدينة ومتصلة بها؛ وبالمدينة جامع حسن البناء فيه خمس بلاطات وصحن واسع وسقائف من جهة
الجوف وهو في وسط المدينة في أعلى الربوة، وأسواقها متصلة من الجامع إلى شاطئ البحر؛ وعلى البحر بين القبلة والشرق من مدينة الجزيرة مسجد سوى يعرف بمسجد الرايات، ركزت فيه المجوس راياتها، فنسب إليها،
وله باب من خشب سفن المجوس، وبها كانت دار صناعةٍ بناها عبد الرحمن بن محمد أمير المؤمنين للأساطيل، وأتقن بناءها، وعلى أسوارها، ثم اتخذها المنتزون بها في الفتنة قصراً، وبقرب المدينة مدخل الوادي في
البحر، عليه بساتين كثيرة، ومهبطه من حيث تدخله السفن، ومنه شرب أهل الجزيرة، ويسمونه وادي العسل، ويمده البحر إلى قدر شطر المدينة، وهو نحو نصف ميل، وتجاهه أثر مدينة الجلندي الملك صاحب قرطاجنة
إفريقية بقبلى مدينة الجزيرة، وهو اليوم خربة تزدرع، وبها حائط عريض مبنى بالحجارة داخل البحر، ومن هذا الحائط كانت تشحن المراكب، وبنى عليه محمد بن بلال برجاً
ومدينة الجزيرة طيبة رفيقة بأهلها جامعة لفائدة البر والبحر قريبة المنافع من كل وجهٍ لأنها وسطى مدن الساحل وأقرب مدن الأندلس مجازاً إلى العدوة. ومنها تغلب ملوك الأندلس على ما تغلبوا عليه من بلاد
إفريقية؛ وبها ثلاث حمامات، ولها كور كثيرة، وكانت جبايتها ثماني عشر ألفاً وتسعمائة
وأهل الجزيرة هذه هم الذين أبوا أن يضيفوا موسى والخضر عليهما السلام، وبها أقام الخضر الجدار وخرق السفينة، والجلندى هو الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، حكى ذلك عن وكيع بن الجراح
بحر الزقاق وهو الداخل من البحر المحيط، والذي عليه سبتة، والذي يضيق من المشرق إلى المغرب حتى يكون عرضه ثمانية عشر ميلاً، وهو بساحل الأندلس الغربي بمكان يقال له الخضراء، ما بين طنجة من أرض المغرب
وبين الأندلس، ثم يتسع الزقاق كلما امتد حتى يصير إلى ما الا ذرع له ولا نهاية، وهو مخرج بحر الروم المتصاعد إلى الشأم، وسنذكر ذلك إن شاء الله عند ذكر سبتة
وفي بعض الأخبار أنه قبل افتتاح المسلمين البلاد المصرية بمائة سنة، طغى ماء البحر وزاد، فأغرق القنطرة التي كانت بين بلاد الأندلس وبين ساحل طنجة من أرض المغرب، وكانت قنطرة عظيمة لا يعلم لها في
المعمور نظير؛ يقال إنها من بناء ذي القرنين مبنية بالحجارة، يمر عليها الإبل والدواب من ساحل المغرب إلى الأندلس، وكان طولها أثنى عشر ميلاً، في عرضٍ واسعٍ وسموٍ كبير؛ وربما بدت هذه القنطرة لأهل
المراكب تحت الماء فعرفوها، والناس يقولون: لا بد من ظهورها قبل فناء الدنيا