3 Mars 2009
ذكر بعض من جمع م قال ات المنتمين إلى الإسلام أن فرقة من الأباضية رئيسهم رجل يدعى زيد بن أبي أبيسه وهو غير المحدث المشهور كان يقول أن في هذه الأمة شاهدين عليها هو أحدهما والآخر لا يدري من هو ولا متى هو ولا يدري لعله قد كان قبله وإن من كان من اليهود والنصارى يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى العرب لا إلينا كما تقول العيسوية من اليهود قال فإنهم مؤمنون أولياء الله تعالى وإن ماتوا على هذا العقد وعلى التزام شرائع اليهود والنصارى وإن دين الإسلام سيسنخ بنبي من العجم يأتي بدين الصابئين وبقرآن آخر ينزل عليه جملة واحدة.
قال أبو محمد إلا أن جميع الأباضية يكفرون من قال بشيء من هذه الم قال ات ويبرؤون منه ويستحلون دمه وماله و قال ت طائفة من أصحاب الحرث الأباضي أن من زنا أو سرق أو قذف فإنه يقام عليه الحد ثم يستتاب مما فعل فإن تاب ترك وإن أبى التوبة قتل على الردة.
قال أبو محمد: وشاهدنا الأباضية عندنا بالأندلس يحرمون طعام أهل الكتب ويحرمون أكل قضيب التيس والثور والكبش ويوجبون القضاء على من نام نهاراً في رمضان فاحتلم ويتيممون وهم على الآبار التي يشربون منها إلا قليلاً منهم و قال أبو إسماعيل البطيحي وأصحابه وهم من الخوارج أن لا صلاة واجبة إلا ركعة واحدة بالغداة وركعة أخرى بالعشي فقط ويرون الحج في جميع شهور السنة ويحرمون أكل السمك حتى يذبح ولا يرون أخذ الجزية من المجوس ويكفرون من خطب في الفطرة والأضحى ويقولون أن أهل النار في النار في لذة ونعيم وأهل الجنة كذلك.
قال أبو محمد: وأصل أبي إسماعيل هذا من الأزارقة إلا أنه علي عن سائر الأزارقة وزاد عليهم و قال ت سائر الأزارقة وهم أصحاب نافع بن الأزرق بإبطال رجم من زنى وهو محصن وقطعوا يد السارق من المنكب وأوجبوا على الحائض الصلاة والصيام في حيضها و قال بعضهم لا ولكن تقضي الصلاة إذا ظهرت كما تقتضي الصيام وأباحوا دم الأطفال ممن لم يكن في عسكرهم وقتل النساء أيضاً ممن ليس في عسكرهم وبرئت الأزارقة ممن قعد هن الخروج لضعف أو غيره وكفروا من خالف هذا القول بعد موت أول من قال به منهم ولم يكفروا من خالفه فيه في حياته و قال وا باستعراض كل من لقوه من غير أهل عسكرهم ويقتلونه إذا قال أنا مسلم ويحرمون قتل من انتمى إلى اليهود أو النصارى أو إلى المجوس وبهذا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمروق من الدين كما يمرق السهم من الرميه إذ قال عليه السلام أنهم يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ أنذر بذلك وهو من جزئيات الغيب فخرج نصاً كما قال.
قال أبو محمد: وقد بادت الأزارقة إنما كانوا هل عسكر واحد أو لهم نافع بن الأزرق وآخرهم عبدة بن هلال العسكري واتصل أمرهم بضعاً وعشرين سنة إلا أني أشك في صبيح مولى سوار بن الأسعر المازني مازن تميم أخرج برأي الأزارقة أيام هشام بن عبد الملك أم برأي الصفرية لأن أمره لم يطل أسر أثر خروجه وقتل و قال ت النجدات وهم أصحاب نجدة بن عويم الحنفي ليس على الناس أن يتخذوا إماماً إنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم و قال وا من ضعف عن الهجرة إلى عسكرهم فهو منافق واستحلوا دم القعدة وأموالهم و قال وا من كذب كذبة صغيرة أو عمل عملاً صغيراً فأصر على ذلك فهو كافر مشرك وكذلك أيضاً في الكبائر وأن من عمل من الكبائر غير مصر عليها فهو مسلم و قال وا جائز أن يعذب الله المؤمنين بذنوبهم لكن في غير النار وأما النار فلا و قال وا أصحاب الكبائر منهم ليسوا كفاراً وأصحاب الكبائر من غيرهم كفار وقد بادت النجدات و قال ت طائفة من الصفرية بوجوب قتل كل من أمكن قتله من مؤمن عندهم أو كافر وكانوا يؤلون الحق بالباطل وقد بادت هذه الطائفة و قال ت الميمونية وهم فرقة من العجاردة فرقة من الصفرية بإجازة نكاح بنات البنات وبنات البنين وبنات بني الأخوة والأخوات وذكر ذلك عنهم الحسين بن علي الكراسي وهو أحد الأئمة في الدين والحديث ولم يبق اليوم من فرق الخوارج إلا الإباضية والصفرية فقط و قال ت طائفة من أصحاب البهيسية وهم أصحاب أبي بيهس وهم من فرق الصفرية إن كان صاحب كبيرة فيها حد فإنه لا يكفر حتى يرفع إلى الإمام فإذا أقام عليه الحد فحينئذ يكفر و قال ت الرشيدية وهم من فرق الثعالبة والثعالبة من فرق الصفرية أن الواجب في الزكاة نصف العشر مما سقي بالأنهار والعيون و قال ت العونية وهم طائفة من البيهسية التي ذكرنا آنفاً أن الإمام إذا قضي قضية جور وهو بخراسان أو بغيرها حيث كان من البلد ففي ذلك الحين نفسه يكفر هو وجميع رعيته حيث كانوا من شرق الأرض وغربها ولو بالأندلس واليمن فما بين ذلك من البلاد و قال وا أيضاً لو وقعت قطرة خمر ف يجب ماء بفلاة من الأرض فإن كل من خطر على ذلك الجب فشرب منه وهو لا دري ما وقع فيه كافر بالله تعالى قال وا إلا أن الله تعالى يوفق المؤمن لاجتنابه و قال ت الفضيلية من الصفرية من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله بلسانه ولم يعتقد ذلك بقلبه بل اعتقد الكفر أو الدهرية أو اليهودية أو النصرانية فهو مسلم عند الله مؤمن ولا يضره إذ قال الحق بلسانه ما اعتقد بقلبه و قال ت طائفة من الصفرية أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث ففي حين بعثه في ذلك الوقت من ذلك اليوم لزم جميع أهل المشرق والمغرب الإيمان به وإن لم يعرفو جميع ما جاء به من الشرائع فمن مات منهم قبل أن يبلغه شيء من ذلك مات كافراً و قال ت العجاردة أصحاب عبد الكريم بن عجرد من الصفرية أن من بلغ الحلم من أولادهم وبناتهم فهم براء منه ومن دينه حتى يقر بالإسلام فيتولوه حينئذ.
قال أبو محمد: فعلى هذا إن قتله قاتل قبل أن يلفظ بالإسلام فلا قود ولا دية وإن مات لم يرث ولم يورث و قال ت طائفة من العجاردة لا نتولى الأطفال قبل البلوغ ولا نبرأ منهم لكن نقف قال أبو محمد: والعجاردة هم الغالبون على خوارج خراسان كما أن النكار من الإباضية هم الغالبون على خوارج الأندلس و قال ت المكرمية وهم أصحاب أبي مكرم وهم من الثعالبة أصحاب ثعلبة وهو من الصفرية وإلى قول الثعالبة رجع عبد الله بن أباض فبرئ منه أصحابه فهم لا يعرفونه اليوم ولقد سألنا من هو مقدمهم في علمهم ومذهبهم عنهم فما عرفه أحد منهم وكان من قول المكرمية هولاء أن من أتى كبيرة فقد جهل الله تعالى فهو كافر ليس من أجل الكبيرة كفر كلن لأنه جهل الله عز وجل فهو كافر بجهله بالله تعالى و قال ت طائفة من الخوارج ما كان من المعاصي فيه حد كالزنا والسرقة والقذف فليس فاعله كافراً ولا مؤمناً ولا منافقاً وأما ما كان من المعاصي لأحد فيه فهو كفر وفاعله كافر و قال ت الحفصية وهم أصحاب حفص بن ابي المقدام من الأباضية من عرف الله تعالى وكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر وليس بمشرك وإن جهل الله تعالى أو جحده فهو حينئذ مشرك و قال بعض أصحاب الحرث الأباضي المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانوا موحدين لله تعالى أصحاب كبائر ومن حماقتهم قول بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد فإنه كان يقول كل ذنب صغير أو كبير ولو كان أخذ حبة خردل بغير حق أو كذبة خفيفة على سبيل المزاح فهي شرك بالله وفاعلها كافر مشرك مخلد في النار إلا أن يكون من أهل بدر فهو كافر مشرك من أهل الجنة وهذا حكم طلحة والزبير رضي الله عنهما عندهم ومن حماقاتهم قول عبد الله بن عيسى تلميذ بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد المذكور فإنه كان يقول أن المجانين والبهايم والأطفال ما لم يبلغوا الحلم فإنهم يألمون البتة لشيء مما ينزل بهم من العلل وحجته في ذلك أن الله تعالى لا يظلم أحداً.
قال أبو محمد: لعمري لقد طرد أصل المعتزلة وأن من خالفه في هذه المتلوث في الحماقة متكسع في التناقض.
قال أبو محمد: ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل و قال وا من بلغ الغاية القصوى من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك وحلت له المحرمات كلها من الزنا والخمر وغير ذلك واستباحوا بهذا نساء غيرهم و قال وا أننا نرى الله ونكلمه وكلما قذف في نفوسنا فهو حق ورأيت لرجل منهم يعرف بابن شمعون كلماً نصه أن الله تعالى ماية اسم وأن الموفي ماية هو ستة وثلاثون حرفاً ليس منها في حروف الهجاء شيء إلا واحد فقط وبذلك الواحد يصل أهل المقامات إلى الحق و قال أيضاً أخبرني بعض من رسم لمجالسة الحق أنه مد رجله يوماً فنودي ما هكذا مجالس الملوك فلم يمد رجله بعدها يعني أنه كان مديماً لمجالسة الله تعالى و قال أبو حاضر النصيبي من أهل نصيبين وأبو الصياح السمرقندي وأصحابهما أن الخلق لم يزالوا مع الله تعالى و قال أبو الصياح لا تحل ذبائح أهل الكتاب وخطأ فعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قتال أهل الردة وصوب قول الصحابة الذين رجعوا عنه في حربهم و قال أبو شعيب القلال أنه ربه جسم في صورة إنسان لحم ودم ويفرح ويحزن ويمرض ويفيق و قال بعض الصوفية أن ربه يمشي في الأزقة حتى أنه يمشي في صورة مجنون يتبعه الصبيان بالحجارة حتى تدموا عقبيه فاعلموا رحمكم الله أن هذه كلها كفرات صلع وأقوال قوم يكيدون الإسلام وصدق القائل: شهدت بأن ابن المعلم هازل بأصحابه والباقلاني أهزل وما الجعل الملعون في ذاك دونه وكلهم في الأفك والكفر منزل وساع مع السلطان يسعى عليهم ومحترس من مثله وهو حارس واعلموا رحمكم الله أن جميع فرق الضلالة لم يجر الله على أيديهم خيراً ولا فتح بهم من بلاد الكفر قرية ولا رفع للإسلام راية وما زالوا يسعون في قلب نظام المسلمين ويفرقون كلمة المؤمنين ويسلون السيف على أهل الدين ويسعون في الأرض مفسدين أما الخوارج والشيعة فأمرهم في هذا أشهر من أن يتكلف ذكره ما توصلت الباطنية إلى كيد الإسلام وإخراج الضعفاء منه إلى الكفر الأعلى السنة الشيعة وأما المرجئية فكذلك إلا أن الحارث بن سريح خرج بزعمه منكراً للجور ثم لحق بالترك فقادهم إلى أرض الإسلام فأنهب الديار وهتك الأستار والمعتزلة في سبيل ذلك إلا أنه ابتلى بتقليد بعضهم المعتصم والواثق جهلاً وظناً أنهم على شيء وكانت للمعتصم فتوحات محمودة كبابل والمازيار وغيرهم فالله الله أيها المسلمون تحفظوا بدينكم ونحن نجمع لكم بعون الله الكلام في ذلك الزموا القرآن وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما مضى عليه الصحابة رضي الله عنهم والتابعون وأصحاب الحديث عصراً عصراً الذين طلبوا الأثر فلزموا الإثر ودعوا كل محدثة فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وبالله تعالى التوفيق .
محمد علي بن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل