Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Histoire du Maghreb تاريخ المغرب الكبير

ابتداء دولة العبيديين من كتاب العبر للمؤرخ إبن خلدون

وأولهم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفر الصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضر الذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعن في نسبهم، وشهد فيه أعلام الائمة. وقد مرّ ذكرهم فإن كتاب المعتضد إلى ابن الأغلب بالقيروان، وابن مدرار بسجلماسة، يغريهم بالقبض عليه لمّا سار إلى المغرب شاهد بصحّة نسبهم. وشعر الشريف الرضيّ مسجّل بذلك. والذين شهدوا في المحضر فشهادتهم على السماع، وهي ما علمت. وقد كان نسبهم ببغداد منكرا عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائة سنة، فتلّون الناس بمذهب أهل الدولة، وجاءت شهادة عليه مع أنها شهادة على النفي، ميم أنّ طبيعة الوجود في الانقياد إليهم، وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أدل شيء على صحة نسبهم

وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمون القدح وغيره فكفاه ذلك إثماً وسفسفة. وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وأفريقية. وكان أصل ظهورهم بأفريقية دخول الحلواني وأبي سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما جعفر الصادق، وقال لهما بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر فنزل أحدهما ببلد مراغة، والآخر ببلد سوف جمار وكلاهما من أرض كتامة ففشت هذه الدعوة في تلك النواحي، وكان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص، وكان شيعتهم يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين، فجاء محمد بن الفضل من عدن لاعة من اليمن لزيارة محمد الحبيب، فبعث معه رستم بن الحسن بن حوشب من أصحابه لإقامة دعوته باليمن، وأنّ المهدي خارج في هذا الوقت، فسار وأظهر الدعوة للمهدي من آل محمد بنعوته . المعروفة عندهم، واستولى على أكثر اليمن، وتّسمى بالمنصور، وابتنى حصناً بجبل لاعة وملك صنعاء من بني يعفر، وفرّق الدعاة في اليمن واليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب. وكان أبو عبد الله الحسين بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسب، وكان محتسباً بالبصرة، وقيل أنما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم وأبو عبد الله. هذا يعرف بالمعلم لأنه كان يعلم مذهب الإمامية، فاتصل أبو عبد الله بمحمد الحبيب، ورأى ما فيه من الاهليّة فأرسله إلى ابن حوشب باليمن ليأخذ عنه، ثم يذهب إلى المغرب، يقصد بلد كتامة فيظهر بينهم الدعوة. فجاء أبو عبد الله إلى ابن حوشب ولزمه، وشهد مجالسه، وأفاد علمه.

ثم خرج مع حاج اليمن إلى مكة فلقي بالموسم رجالات كتامة ورؤساءهم، وفيهم من القي الحلواني وابن بكّار واخذوا عنهما فقصدهم أبو عبد الله في رحالهم، وكان منهم موسى بن حريث كبير بني سكان من جملة أحد شعوبهم وأبو القاسم الورنجومي من أحلافهم

ومسعود بن عيسى بن ملال المساكتي، وموسى بن تكاد فجلس إليهم وسمعوا منه مذاهبهم، ورأوا ما هو عليه من العبادة والزهد فعلق ببقلوبهم، وصار يتعهدهم في رحالهم فاغتبطوا به واغتبط بهم. ولما أرادوا الرحلة إلى بلادهم سألوه الصحبة فوافقهم طاوياً وجه مذهبه عنهم، بعد أن سألهم عن قومهم وعصابتهم وبلادهم وملكة السلطان فيهم فكشفوا له علم ذلك وأنهم أنما يعطون السلطان طاعة معروفة فاستيقن تمام أمره فيهم، وخرج معهم إلى المغرب، وسلكوا طريق الصحراء، وعدلوا عن القيروان إلى أن وصلوا بلد سوماثة، وبها محمد بن حمدون بن سماك الاندلسيّ من بجاية الأندلس نزيلا عندهم، وكان قد أدرك الحلواني وأخذ عنه. فنزل أبو عبد الله الشيعي عليه فاكرمه، وفاوضه، وتفرس ابن حمدون فيه أنه صاحب الدولة

ثم ارتحلوا وصحبهم ابن حمدون، ودخلوا بلد كتامة منتصف ربيع سنة ثمان وثمانين ومائتين فنزل على موسى بن حريث ببلده انكجان في بلد بني سكتان من جبيلة، وعين له مكان منزله بفج الأخيار، وأن النص عنده من المهدي بذلك، وبهجرة المهدي، وأن أنصار الأخيار من أهل زمانه، وأن إسمهم مشتق من الكتمان. واجتمع إليه الكثير من أهل كتامة، ولقي علماءهم واشتمل عليه الكثير من أهوائهم فجاهر بمذهبه، وأعلن بإمامة أهل البيت، دعا للرضا من آل محمد، واتبعه أكثر كتامة، وكانوا يسمّونه بأبي عبد الله الشيعي والمشرقيّ. وبلغ خبره إلى أمير إفريقية إبراهيم بن أحمد بن الأغلب، فبعث إليه بالتهديد والوعيد، فأساء الرد عليه، وخاف رؤساء كتامة عادية ابن الأغلب، وأغراهم عمال بلادهم بالشيعي، مثل موسى بن عياش صاحب مسيلة، وعليّ بن حفص بن عسلوجة صاحب سريف. وجاء ابن تميم صاحب يلزمة فاجتمعوا وتفاوضوا في شأنه، وحضريحى المساكتي وكان يدعى الأمير، ومهديّ بن أبي كمارة رئيس لهيعة، وفرج بن حيران رئيس أجانة، وثمل بن بحل رئيس لطانة. وراسلوا بيان بن صفلان رئيس بني سكتان، وأبو عبد الله الشيعي عندهم بجبل ايكجان، في أن يسلمه إليهم أو يخرجه من بلدهم، وحذروه عاقبة أمره فردّ أمره إلى أهل العلم، فجاؤوا بالعلماء وهمّوا باغتياله فلم يتم لهم ذلك، وأطبقت بجيلة على مظاهرته فهزموا هؤلاء المثيرين عليه وردّوهم خائبين

ثم راجعوا بيات بن صقلاب في أمره ولاطفوه حتى صفا إليهم، وشعر بذلك أبو عبد الله الشيعيّ وأصحابه، فبعثوا إلى الحسن بن هارون الغسّاني يسألونه الهجرة إليهم فأجابهم، ولحق ببلدة تازروت من بلادهم واجتمعت غسّان لنصرته مع بطون كتامة الذين بايعوه من قبل، فاعتز وامتنع وعظم أمره. ثم انتفض على الحسن بن هارون أخوه محمد منافسة له في الرياسة، وكان صديقاً لمهدي بن أبي كمارة فداخله في التثريب على أبي عبد الله، وعظمت الفتنة بين لهيعة وغسّان، وولّى أبو عبد الله الشيعي الحسن بن هارون على حروبه، وظهر بعد أن كان مختفياً

وكان لمهدي بن أبي كمارة شيخ لهيعة إخ اسمه أبو مديني، وكان من أحباب أبي عبد الله فقتل اخاه مهديا ورأس على لهيعة مكانه فصاروا جميعاً إلى ولاية أبي عبد الله وأبي مديني شيخهم.

ثم تجمعت كتامة لحرب الشيعي وأصحابه، ونازلوه بمكانه من تازروت، وبعث الشيعي سهل بن فوكاش إلى فحل بن نوح رئيس لطانة، وكان صهره، لينجد له عن حربهم في السلم فمشى إلى كتامة، وأبوا إلأ أن يناجزوهم الحرب، فغلبهم أبو عبد الله وأصحابه، وانهزمت كتامة وابلى عروبة بن يوسف الملوشي في ذلك اليوم بلاءً حسناً، واجتمعت إلى أبي عبد الله غسانّ كلها ويلزمة ولهيعة وعامّة بجاية ورئيسهم يومئذ ماكنون بن ضبارة وأبو زاكي تمام بن معارك. ولحق بجيلة من بجاية فرج بن خيران، ويوسف بن محمد من لطانة، وفحل بن نوح، واستقام أمر الباقي للشيعي وجمع فتح بن يحمى من أطاعه من قومه مسالمة لحرب الشيعي فسار إليهم وأوقع بهم، ولحق فلهم بسطيف.

ثم استأمنوا إليه فأمنهم ودخلوا في أمره، وولّى منهم هارون بن يونس على حروبه، ولحق رئيسهم فتح بن يحيى بعجيسة، وجمع ثانية لحربه الشيعي فسار إليه ومعه جموع كتامة، وتحصّن منه فتح ببعض قلاعهم فحاصره الشيعي وفتحها، واجتمعت إليه عجيسة وزواوة وجميع قبائل كتامة، ورجع إلى تازروت وبثّ دعاته في كل ناحية فدخل الناس في أمره طوعا وكرها. ولحق فتح بن يحى بالأمير إبراهيم بن احمد بتونس، واستحثه لحرب الشيعي. ثم فتح أبو عبد الله مساكتة بمداخلة بعض أهلها، وقتل صاحبها موسى بن عيّاش وولّى عليها ماكنون بن ضبارة الجاي وهو أبو يوسف ولحق إبراهيم بن موسى بن عيّاش بأبي العبّاس إبراهيم بن الاغلب بتونس، بعد خروج أبيه إلى صقلية. وكان فتح بن يحيى المساكتي قد نزع إليه من قبل ذلك، ووعده المظاهرة فجهز العساكر، وعقد عليها لابنه أبي خوال، وزحف من تونس سنة تسع وثمانين فدوّخ كتامة، ثم صمد إلى تازروت فلقيه أبو عبد الله الشيعي في جموعه ببلد ملوسة فهزمهم أبو خوال، وفرّ الشيعي من قصر تازروت إلى ايكجان

فامتنع بها، فهدم أبو خوال القصر، واتبعه. وتوغل أبو خوال في بلاد كتامة فاضطرب أمره، وتوقع البيات

وسار إبراهيم بن موسى بن عيّاش من عسكر أبي خوال إلى نواحي مسيلة يتجسّس الاخبار فتواقع مع طائفة من أصحاب الشيعي فهزموه، واتبعوه إلى المعسكر فاضطرب، وأجفل أبو خوال، وخرج من بلاد كتامة، واستوطن أبو عبد الله ايكجان، وبنى بها بلدا وسمّاها دار الهجرة. واستبصر الناس في امره، ودخلوا في دعوته. ثم هلك الحسن بن هارون، وجهز أبو العباس العساكر ثانية مع ابنه أبي خوال، ورده لحرب الشيعي وكتامة فسار في بلادهم، ورجع منهزماً، وأقام قريباً منهم يدافعهم، ويمنعهم من التقدم. وفي خلال ذلك هلك إبراهيم بن أحمد بن الاغلب، وقتل ابنه أبو العبّاس، وقام بالامر ابنه زيادة الله فاستدعى اخاه أبا خوال وقتله، وانتقل من تونس إلى وقادة، وانهمك في لذاته، وانتشرت جيوش الشيعي في البلاد، وعلا أمره وبشّرهم بأنّ المهدي قرب ظهوره فكان كما قال.

وصول المهدي إلى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته:

ولما توفي محمد الحبيب بن جعفر بن محمد بن إسمعيل الإمام، عهد إى ابنه عبيد الله وقال له: أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرة بغيدة، وتلقى محنا شديدة. واتصل خبره بسائر دعاته في إفريقية واليمن، وبعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم، وانهم في انتظاره. وشاع خبره، واتصل بّالعباسيّين ،فطلبه المكتفي ففر، من أرض الشام إلى العراق. ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاما حدثا وخاصته ومواليه، بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها عليّ بن الفضل من بعد ابن حوشب، وانه أساء السيرة فانثنى عن ذلك، واعتزم على اللحاق بابي عبد الله الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى الإسكندرية، ثم خرج من الإسكندرية في زي التجّار. وجاء كتاب المكتفي إلى عامل مصر، وهو يومئذ عيسى النوشري بخبرهم، والقعود لهم بالمراصد، وكتب نعته وحليته فسرح في طلبهم حتى وقف عليهم، وامتحن أحوالهم فلم بقف على اليقين في شيء منها فخلى سبيلهم

وجدّ المهدي في السير، وكان له كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في طريقه، فيقال إن ابنه أبا القاسم استردّها من برقة حين زحف إلى مصر، ولما انتهى إلى طرابلس وفارقه التجّار أهل الرفقة بعث معهم أبا العباس أخا أبي عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة، ومرّ بالقيروان، وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله، وهو يسأل عنهم فقبض على أبي العباس، وساءله فانكر فحبسه. وكتب إلى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته، وسار إلى قسنطينة. ثم عدل عنها خشية على ابم العبّاس، أخي الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إلى سجلماسة، وبها اليسع بن مدرار فأكرمه ثم جاء كتاب زيادة الله، ويقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيته في كتامة فحبسه اليسع، ثم إن أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبي خوال الذي كان مضايقاً لهم اجتمعت إليه سائركتامة، وزحف إلى سطيف فحاصرها مدة، وكان بها علي بن جعفر بن عسكوجة صاحبها، وأخوه أبو حبيب فملكها وكان بها ايضا داود بن جاثة من كبار لهيعة، لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد علي وأخيه، واستأمن أهل سطيف فأمّنهم أبو عبد الله ودخلها فهدمها، وجهز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حشيش، وكانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة، فأقام بها وهم متحصنون بجبلهم. ثم زحف إليهم وواقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية، ولحق بالقيروان. وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدي مع رجال من كتامة، اخفوا أنفسهم حتى وصلوا إليه وعرّفوه بالخبر. ثم زحف الشيعي إلى طبنة فحاصرها وقتل فتح بن يحيى المساكتي، ثم افتتحها على الأمان. ثم زحف إلى يلزمة فملكها عنوة.

وجهّز زيادة الله العساكر مع هارون الطبني عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة أزمول، وكانوا في طاعة الشيعي فهدمها هارون وقتل أهلها، وزحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه وقتله. ثم فتح الشيعي مدينة ينجبت كلّها على يد يوسّف الغساني، ولحق عسكرها بالقيروان. وشاع عن الشيعي وفاؤه بالأمان فافنه الناس، وكثر الارجاف بزيادة الله فجهز العساكر وأزاح العلل، وأنفق ما في خزائنه وذخائره، وخرج بنفسه سنة خمس وتسعين، ونزل الأريس

ثم حاد عن اللقاء، وأشار عليه أصحابه بالرجوع إلى القيروان، ليكون ردءاً للعساكر فرجع، وقدم على العساكر إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته، وأمره بالمقام هنالك. ثم زحف الشيعي إلى باغاية فهرب عاملها وملكها صلحاً، وبعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة، وقتل عاملها، وسرح عساكره في إفريقية فردّدوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة وغيرهم. ثم استأمن إليه أهل

تيفاش فأمّنهم، واستعمل عليهم صواب بن أبي القاسم السكتاني فجاء إبراهيم بن الأغلب واقتحمها عليه. ثم نهض الشيعي في احتفال من العساكر إلى باغاية، ثم إلى سكتانة، ثم إلى تبسة ففتحها كفها على الأمان. ثم إلى القصرين من قمودة فأمّن أهلها وأطاعوه، وسار يريد رقادة فخشي إبراهيم بن أبي الأغلب على زيادة الله لقلة عسكره، فنهض إلى الشيعي واعترضه في عساكره واقتتلوا، ثم تحاجزوا، ورجع الشيعي إلى ايكجان، وإبراهيم إلى الأريس

ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها، واقتحمها على الأمان، ثم إلى قفصة كذلك، ثم رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكراً مع أبي مكدولة الجيلي. ثم سار إلى إيكجان، وخالفه إبراهيم إلى باغاية، وبلغ الخبر إلى الشيعي فسرح لقتاله أبا مديني بن فروخ اللهيمي، ومعه عروبة بن يوسف الملوشي، ورجاء بن أبي قنة في اثني عشر ألفاً فقاتلوا ابن أبي الاغلب، ومنعوه من باغاية فرحل عنها، واتبعوه إلى فجّ العرعر ورجعوا عنه. ثم زحف أبو عبد الله الشيعي سنة ست وتسعين في مائتي الف من العساكر إلى إبراهيم بن أبي الاغلب بالاريس. ثم اقتتلوا أياما، ثم انهزم إبراهيم، واستبيح عسكره، وفرّ إلى القيروان، ودخل الشيعي الأريس فاستباحها، ثم سار فنزل قمودة، واتصل الخبر بزيادة الله وهو برقادة ففرّ إلى المشرق، ونهبت قصوره. وافترق أهل رقادة إلى القيروان وسوسة. ولما وصل إبراهيم بن أبي الاغلب إلى القيروان نزل قصر الإمارة، وجمع الناس، وأرادهم على البيعة له على أن يعينوه بالاموال فاعتدوا، وتصايحت به العامّة ففر عنها، ولحق بصاحبه. وبلغ أبا عبد الله الشيعي خبر فرارهم بسبيبة فقدّم إلى رقادة، وقدم بين يديه عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير فساروا، وأمّنوا الناس، وجاء على أثرهم

وخرج أهل رقادة والقيروان للقائه فأفمّهم وأكرمهم، ودخل رقادرة في رجب سنة ست وتسعين، ونزل قصرها، وأطلق أخاه أبا العبّاس من الاعتقال ونادى بالأمان فتراجع الناس، وفر العمّال في النواحي. وطلب أهل القيروان فهربوا، وقسّم دور البلد، على

كتامة فسكنوها، وجمع أموال زيادة الله وسلاحه فأمر بحفظها وحفظ جواريه، واستأذنه الخطباء لمن يخطبون فلم يعين أحداً. ونقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله، ومن الآخرّ تفرق أعداء الله، وعلى لسلاح عدة في سبيل الله، وفي وسم الخيل، الملك لله. ثم ارتحل إلى سجلماسة في طلب المهدي، واستخلف على إفريقية أخاه أبا العبّاس، وترك معه أبا زاكي تمام بن معارك الألجائي، واهتزّ المغرب لخروجه، وفرت زناتة من طريقه. ثم بعثوا إليه بالطاعة فقبلهم، وأرسل إلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة يتلطفه فقتل الرسل، وخرج للقائه. فلمّا تراءى الجمعان انفض معسكره، وهرب هو وأصحابه وخرج أهل البلد من الغد للشيعي، وجاؤوا معه إلى محبس المهدي وابنه فأخرجهما وبايع للمهدي، ومشى للمهدي، ومشى مع رؤساء القبائل بين أيديهما وهو يبكي من الفرح ويقول: هذا مولاكم، حتى أنزله بالمخّيم، وبعث في طلب اليسع فأدرك ،وجيء به فقتل، وأقاموا بسجلماسة اربعين يوماً، ثم ارتحلوا إلى إفريقية، ومروا بأيكجان، فسلم الشيعي ما كان بها من الاموال للمهدي.

ثم نزلوا رقادة في ربيع سبع وتسعين، وحضر أهل القيروان، وبويع للمهدي البيعة العامة، واستقام أمره، وبث دعاته في الناس فأجابوا إلا قليلا عرض عليهم السيف، وقسم الأموال والجواري في رجال كتامة، واقطعهم الأعمال، ودوّن الدواوين وجبى الأموال، وبعث العفال على البلاد فبعث على طرابلس ماكنون بن ضبارة الألجائي، وعلى صقلية الحسن بن احمد بن أبي خنزير، فسار إليها ونزل البحر، ونزل مازر في عيد الأضحى من سنة سبع وتسعين، فاستقضى إسحاق بن المنهال، وولّى اخاه على كريت. ثم أجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلي العدوة الشمالية، ونزل بسيط قلورية من بلاد الافرنج فاثخن فيها، ورجع إلى صقلّية فاساء السيرة في أهلها فثاروا به وحبسوه، وكتبوا إلى المهدي فقبل عذرهم، وولّى عليهم مكانه علي بن عمر البلويّ فوصل خاتم تسع وتسعين.

مقتل أبي عبل الله الشيعي وأخيه

لما استقام سلطان عبيد الله المهدي بإفريقية استبدّ بأمره، وكفح أبا عبد الله الشيعي واخاه أبا العبّاس عن الاستبداد عليه، والتحكم في أمره فعظم ذلك عليهما، وصرّح أبو العبّاس بما في نفسه فنهاه أخوه أبو عبد الله عن ذلك فلم يصر إليه. ثم استماله أبو العباس لمثل رأيه فأجابه، وبلغ ذلك إلى المهدّي فلم يصدقه. ثم نهى أبا عبد الله عن مباشرة الناس، وقال إنه مفسد للهيبة فتلطّف في ردّه ولم يجبه إليه ففسدت النية بينهما، واستفسدوا كتامة وأغروهم به وذكروهم بما اخذه من أموال أيكجان، واستأثر به دونهم وألقوا اليهم ان هذا ليس هو الإمام المعصوم الذي دعونا إليه، حتى بعث إلى المهدي رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ، وقال له :جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك، فقتله المهدي، ثم عظمت استرابتهم واتفقوا على قتل المهدي، وداخلهم في ذلك أبو زاكي تمام بن معارك، وغيره من قبائل كتامة.

ونمي الخبر إلى المهدي فتلطفّ في أمرهم وولّى من داخلهم من قّواد كتامة على البلاد، فبعث تمام بن معارك على طرابلس، وبعث إلى عاملها ماكنون بقتله، فقتله عند وصوله. ثم اتهم المهدي ابن الغريم بمداخلتهم، وكان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله واستصفاء أمواله، وكان أكثرها لزيادة الله. ثم إنّ المهدي استدعى عروبة بن يوسف، وأخاه حباسة، وأمرهما بقتل الشيعي وأخيه فوقفا لهما عند القصر، وحمل عروبة على أبي عبد الله فقال له: لا تفعل! فقال :الذي أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك! ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان وتسعين. ويقال إن المهدي صلىّ على أبي عبد الله وترحم عليه، وعلم أن الذي حمله على ذلك اغراء أبي العبّاس أخيه، وثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدي وسكنها. ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة وأهل القيروان، وفشا القتل فيهم فركب المهدي وسكّنها، وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة، وقتل جماعة من بني الأغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله.

بقية أخبار المهدي بعد الشيعي

ولما استقام أمر المهدي بعد الشيعي، جعل ولاية عهده لابنه أبي القسم نزار، وولى على برقة وما إليها حباسة بن يوسف. وعلى المغرب أخاه عروبة، وأنزله باغاية فسار إلى تاهرت فاقتحمها، وولّى عليها دواس بن صولات اللهيص. ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعي، ونصبوا طفلاً لقبوه المهدي، وزعموا أنه نبيّ، وأن أبا عبد الله الشيعي لم يمت فجهز ابنهّ أبا القاسم لحربهم فقاتلهم وهزمهم، وقتل الطفل الذي نصبوه، وأثخن فيهم ورجع ثم انتقض أهل طرابلس سنة ثلاثمائة وأخرجوا عاملهم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسم فحاصرها طويلاً، ثم فتحها وأثخن فيهم وأغرمهم ثلاثمائة ألف دينار. ثم أغزى ابنه أبا القاسم وجموعه كتامة سنة إحدى وثلاثمائة إلى الإسكندرية ومصر، وبعث أسطوله في البحر في مائتين من المراكب، وشحنها بالإمداد، وعقد عليها لحباسة بن يوسف، وسارت العساكر فملكوا برقة ثم الإسكندرية والفيوم.

وبعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين ومؤنس الخادم فتواقعوا مّرات، وأجلاهم عن مصر فرجعوا إلى المغرب. ثم عاد حباسة في العساكر في البحر سنة اثنتين إلى الإسكندرية فملكها، وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مّرات، وكان الظهور آخراً لمؤنس، وقتل من أصحابه نحو من سبعة آلاف. وانصرف إلى المغرب فقتله المهدي وانتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب، واجتمع إليه خلق كثير من كتامة والبربر. وسرح إليهم المهدي مولاه غالبا في العساكر فهزمهم، وقتل عروبة وبني عمه في أمم لا تحصى. ثم انتقض أهل صقلية وتقبضوا على عاملهم عليّ بن عمرو، وولوا عليهم أحمد بن قهرب فدعا للمقتدار العبّاسي، وذلك سنة أربع وثلاثمائة، وخلع طاعة المهديّ وجهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول بن قهرب فغلبه، وقتل ابن أبي خنزير

ثم راجع أهل صقلية أمرهم وكاتبوا المهدي وثاروا بابن قهرب فخلعوه، وبعثوا به إلى المهدي فقتله على قبر ابن أبي خنزير، وولّى على صقلية علي بن موسى بن أحمد، وبعث معه عساكركتامة، ثم اعتزم المهدي على بناء مدينة على ساحل البحر يتخّذها معصماً لاهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج. ويحكى عنه أنه قال: بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار، وأراهم موقف صاحب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعاً لبنّائها، ومربتونس وقرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلت بزند، فاختطّ المهدية بها، وجعلها دار ملكه، وأدار بها سوراً محكماً، وجعل لها أبواباً من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار، وابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث. ولما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب، ونظر إلى منتهاه وقال: إلى هذا الموضع يصل صاحب الحمار يعني أبا يزيد. ثم أمر أن يبحث في الجبل لإنشاء السفن تسعمائة سفين، وبحث في أرضها

أهراء للطعام ومصانع للماء، وبنى فيها القصور والدور فكملت سنة ست، ولما فرغ منها قال :اليوم أمنت على الفواطم.

ثم جهز إبنه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرّة ثانية سنة سبع وثلاثمائة فملك الإسكندرية، ثم سار فملك الجيزة والاشمونين وكثيراً من الصعيد. وكتب إلى أهل مكة بطلب الطاعة فلم يجيبوا إليها، وبعث المقتدر مؤنساً الخادم في العساكر وكانت بينه وبين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس، وأصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء والوباء فرجع إلى إفريقية، وكانت مراكبهم قد وصلت من المهدّية إلى الإسكندرية في ثمانين اسطولاً مدداً لأبي القاسم، وعليها سليمان الخادم ويعقوب الكتامي، وكانا شجاعين، وسار الأسطول من طرسوس للقائهم في خمسة وعشرين مركباً والتقوا على رشيد وظفرت مراكب طرسوس، واحرقوا وأسروا سليمان ويعقوب فمات سليمان في حبس مصر، وهرب يعقوب من حبس بغداد إلى إفريقية.

ثم اغزى المهدي سنة ثمان مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب، فأوقع بملك فاس من الأدارسة، وهو يحيى بن إدريس بن إدريس بن عمرو، واستنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته، وعقد لموسى بن أبي العافية المكناسى من رجالات قومه على أعمال المغرب ورجع. ثم عاود غزو المغرب سنة تسع فدوخّه ومهد جوانبه، وأغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس، فتقبّض عليه، وضم فاس إلى أعمال موسى، ومحا دعوة الإدريسيّة من المغرب، وأجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف وغمارة واستجدّوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة

ومنهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث وأربعمائة، كما نذكر هنالك ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة، وعقد لابنّ عمه كما نذكر في أخبارهم. وسار في أتباعه زناتة في نواحي المغرب فكانت بينه وبينهم حروب، هلك مضالة في بعضها على يد محمد بن خرز. واضطرب المغرب فبعث المهدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكره كتامة وأولياء الشيعة سنة خمس عشرة وثلاثمائة ففرّ

محمد بن خزر، وأصحابه إلى الرمال

وفتح أبو القاسم بلد مزاتة ومطماطة وهوّارة

وسائر الإباضيّة والصفريّة ونواحي تاهرت قاعدة المغرب الأوسط إلى ما وراءها ثم عاج إلى الريف فافتتح بلد لكور من ساحل المغرب الأوسط. ونازل صاحب جراوة من آل إدريس وهو الحسن بن أبي العيش، وضيّق عليه ودوخ أقطار المغرب، ورجع ولم يلق كيداً. ومر بمكان بلد المسيلة وبها بنو كملان من هوّارة، وكان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فجّ القيروان، وقضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه. ولما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم وسمّاها المحمّديّة، ودفع علي بن حمدون الاندلسي من صنائع دولتهم إلى بنائها، وعقد له عليها وعلى الزاب بعد اختطاطها فبناها وحصّنها وشحنها بالأقوات ،فكانت مددا للمنصور في حصار صاحب الحمار كما يذكر

ثم انتقض موسى بن أبي العافية عامل فاس والمغرب، وخلع طاعة الشيعة، وانحرف إلى الأمويّة من وراء البحر، وبثّ دعوتهم في أقطار المغرب فنهض إليه أحمد ابن بصلين المكناسيّ قائد المهدي، وسار في العساكر فلقيه ميسور وهزمه، وأوقع به وبقومه بمكناسة، وأزعجه عن الغرب إلى الصحارى وأطراف البلاد، ودوّخ المغرب، وثقف أطرافه ورجع ظافراً.

وفاة عبيد الله المهدي وولاية ابنه أبي القاسم

ثم توفي عبيد الله في ربيع سنة اثنتين وعشرين، لاربع وعشرين سنة من خلافته، وولّي ابنه أبو القاسم محمد، ويقال نزار بعده، ولقب القائم بأمر الله فعظم حزنه على أبيه حتى يقال أنه لم يركب سائر أيامه إلاًمرتين، وكثر عليه الثوّار. وثار بجهات طرابلس ابن طالوت القرشي، وزعم أنه ابن المهدي، وحاصر طرابلس. ثم ظهر للبربر كذبه فقتلوه. ثم أغزى المغرب وملكه، وولّى على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذابي، وحاصرا الأدارسة ملوك الريف وغوارة فنهض ميسور الخصيّ من القيروان في العساكر، ودخل المغرب، وحاصر فاس، واستنزل عاملها أحمد بن بكر. ثم نهض في اتباع موسى فكانت بينهما حروب، وأخذ الثوري بن موسى في بعضها أسيراً، وأجلاه ميسور عن المغرب، وظاهره عليه الأدارسة الذين بالريف، وانقلب ميسورا إلى القيروان سنة أربع وعشرين، وعقد للقاسم بن محمد كبير أدارسة الريف من ولد محمد بن إدريس على أعمال بن أبي العافية، وما يفتحه من البلاد فملك المغرب كلها ما عدا فاس، واقام دعوة الشيعة بسائر أعماله. ثم جهّز أبو القاسم اسطولًا ضخماً لغزو ساحل الإفرنجة، وعقد عليه ليقرب بن إسحاق فأثخن في بلاد الإفرنجة، وسبى ونازل بلد جنوة وافتتحها، وعظم صنع الله في شأنها، ومروا بسردانية من جزر الفرنج فأثخنوا فيها. ثم مروا بقرقيسا من سواحل الشام فاحرقوا مراكبها. ثم بعث عسكراً إلى مصر مع خادمه زيران فملكوا الإسكندرية، وجاءت عساكر الأخشيد من مصر فأزعجوهم عنها ورجعوا إلى المغرب. أخبار أبي يزيد الخارجي:

وهو أبو يزيد مخلد بن كيراد، وكان أبوه كيراد من أهل قسطيلة من مدائن بلد توزر، وكان يختلف إلى بلاد السودان بالتجارة وبها ولد ولده أبو يزيد ونشأ بتوزر. وتعلم القرآن وخالط النكاريّة من الخوارج، وهم الصفريّة فمال إلى مذهبهم، واخذ به ثم سافر إلى تاهرت، وأقام بها يعلّم الصبيان. ولما صار الشيعي إلى سجلماسة في طلب المهدي انتقل هو إلى تقيوس، واقام يعلم. فيها. وكان يذهب إلى تكبير أهل ملّته، واستباحة الاموال والدماء والخروج على السلطان. ثم اخذ نفسة بالحسبة على الناس، وتغيير المنكر بسنة ست عشرة وثلاثمائة فكثر أتباعه. ولمّا مات المهدي خرج بناحية جبل أوراس، وركب الحمار، وتلقّب بشيخ المؤمنين، ودعا للناصر صاحب الأندلس من بني أمّية فاتبعه أمم من البربر. وزحف إليه عامل باغاية فلقيه في جموع البربر وهزمه، وزحف إلى باغاية فحاصرها ثم انهزم عنها، وكتب إلى بني واسى من قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلاثين. ثم فتح تبسة صلحاً، ومجانة كذلك، وأهدى له رجل من أهل مرماجنة حمارا اشهبّ فكان يركبه وبه لقب. وكان يلبس جبة صوف قصيرة ضيّقة الكميّن

وكان عسكر الكتاميين على الأريس فانفضوا، وملكها أبو يزيد واحرقها ونهبها، وتتل في الجامع من لجأ إليه، وبعث عسكراً إلى سبيبة ففتحها وقتل عاملها. وبلغ الخبر إلى القاسم فقال لا بدّ أن

يبلغ المصلى من المهدية. ثم جهز العساكر وبعثها إلى رقادة والقيروان، وبعث خادمه ميسوراً الخصيّ لحربه0 وبعث عسكرا مع خادمه بشرى إلى باجة فنهض إليه أبو يزيد وهزمه إلى تونس، ودخل أبو يزيد باجة فنهبها وأحرقها، وقتل الأطفال وسبى النساء، واجتمع إليه قبائل البربر، واتخذ الأبنية والبيوت وآلات الحرب، وبعث إليه بشرى عسكراً من تونس. وبعث أبو يزيد للقائهم عسكراً آخر فانهزم أصحاب أبي يزيد وظفر أصحاب بشرى.

ثم ثار أهل تونس ببشرى فهرب فاستأمنوا لأبي يزيد فأمنّهم وولّى عليهم، وسار إلى القيروان، وبعث القائم خديمه بشرى للقائه وأمره أن يبعث من يتجسس عن أخباره فبعث طائفة، وبعث أبو يزيد طائفة أخرى فانهزم عسكر أبي يزيد، وقتل منهم أربعة آلاف، وجيء بأسراهم إلى المهديّة فقتلوا فسار أبو يزيد إلى قتال الكتاميّين فهزم طلائعهم، واتبعهم إلى القيروان، ونزل على رقادة في مائتي ألف مقاتل، وعاملها يومئذ خليل بن إسحاق، وهو ينتظر وصول ميسور بالعساكر، ثم ضايقه أبو يزيد وأغراه الناس بالخروج فخرج، وهزمه أبو يزيد فمضى إلى القيروان. ودخل أبو يزيد رقادة فعاث فيها وبعث أيوب الزويلي في عسكر إلى القيروان فملكها في صفر سنة ثلاث وثلاثين، ونهبها وأمن خليلاً فقتله أبو يزيد، وخرج إليه شيوخ أهل القيروان فأمنهم ورفع النهب عنهم وزحف ميسور إلى أبي يزيد، وكان معه أبو كملان فكاتبوا أبا يزيد، وداخلوه في الغدر بميسور، وكتب إليه القائم بذلك فحذّرهم فطردهم عنه. ولحقوا بأبي يزيد، وسار معه إلى ميسور فانهزم ميسور، وقتله بنو كملان وجاؤوا برأسه فاطافه بالقيروان، وبعث بالبشرى إلى البلاد.

وبلغت هزيمة ميسور إلى القائم بالمهدية فاستعد للحصار، وأمر بحفر الخنادق، وأقام أبو يزيد سبعين عاماً في مخيم ميسور، وبث السرايا في كل ناحية يغنمون ويعودون، وارسل سرية إلى سوسة ففتحوها عنوة واستباحوها، وخّرب عمران افريقية من سائر الضواحي، ولحق فلهم بالقيروان حفاة عراة. ومات أكثرهم جوعاً وعطشاً.

ثم بعث القائم إلى رؤساء كتامة والقبائل، وإلى زيري بن مناد ملك صنهاجة بالمسير إلى المهدية فتأهّبوا لذلك، وسمع أبو يزيد بخبرهم فنزل على خمسة فراسخ من المهدية، وبثّ السرايا في جهاتها، وسمع كتامة بافتراق عسكره في الغارة فخرجوا لبياته آخر جمادى الاول. وكان ابنه فضل قد جاء بالمدد من القيروان فبعثه للقاء كتامة، وركب في أثرهم، ولقي أصحابه منهزمين. ولما رآه الكتاميون انهزموا بغير قتال

وأتبعهم أبو يزيد إلى باب المهدية ورجع. ثم جاء أيام لقتالهم فوقف على الخندق المحدث، وعليه جماعة من العبيد فقاتلهم ساعة، وهزمهم وجاوز السور إلى البحر، ووصل المصلى على رمية سهم من البلد، والبربر يقاتلون من الجانب الاخر. ثم حمل الكتاميون عليهم فهزموهم، وبلغ ذلك أبا يزيد، وسمع بوصول زيري بن مناد فاعتزم ان يمر بباب المهدية، ويأتي زيري وكتامة من ورائهم فقاتلوا أهل الأرباض، ومالوا عليه لما عرفوه ليقتلوه، وتخلّص بعد الجهد، ووصل إلى منزله فوجدهم يقاتلون العبيد كما تركهم فقوي أصحابه وانهزم العبيد.

ثم رحل وتأخّر قليلا وحفر على معسكره خندقاً، واجتمع عليه خلق عظيم من البربر ونفوسة والزاب واقاصي المغرب، وضيق على أهل المرية، ثم زحف إليها آخرّ جمادى فقاتلها وتورط في قتالها يومه ذلك. ثم خلص، وكتب إلي عامل القيروان أن يبعث إليه مقاتلتها فجاؤوا، وزحف بهم آخر رجب فانهزم، وقتل من أصحابه. ثم زحف الزحف الرابع آخر شوال ولم يظفرّ، ورجع إلى معسكره، واشتد الحصار على أهل المهدية حتى أكلوا الميتات والدواب وافترق اهلها في النواحي، ولم يبق بها إلا الجند. وفتح القائم أهراء الزرع التي أعدهّا المهدي وفرقها فيهم. ثم اجتمعت كتامة وعسكروا بقسنطينة فبعث إليهم أبو يزيد بعثاً من ورجومة وغيرهم فهزموا كتامة ووافت أبا يزيد حشود البربر من كل ناحية واحاط بسوسة وضيّق عليها.

ثم انتقض البربر عليه بما كان منه من المجاهرة بالمحرّمات والمنافسة بينهم فانفضوا عنه، ورجع إلى القيروان سنة أربع وثلاثين. وغنم أهل المهديّة معسكره، وكثر عبث البربر في امصار إفريقية وضواحيها، وثار أهل القيروان بهم، وراجعوا طاعة القائم. وجاء علي بن حمدون من المسيلة بالعساكر فبيته أيوب بن أبي يزيد وهزمه، وسار إلى نونس وجاءت عساكر القائم فواقعوه مرّات، وانهزم إلى القيروان في ربيع سنة أربع وثلاثين. فبعث ايوب ثانية لقتال عليّ بن حمدون ببلطة. وكانت حروبه معه سجالاً إلى ان اقتحم عليه البلد بمداخلة بعض أهلها. ولحق ابن حمدون ببلاد كتامة، واجتمعت قبائل كتامة ونفزة ومزاتة وعسكروا بقسطنطينة. وبعث ابن حمدون العساكر إلى هوارة فأوقعوا بهم، وجاءهم مدد أبي يزيد فلم يغن عنهم. وملك ابن حمدون مدينة يتجست وباغاية

ثم زحف أبو يزيد

إلى سوسة في جمادى الاخر من سنته وبها عسكر القائم، وتوفي القائم وهو بمكانه من حصارها

وفاة القائم وولاية ابنه المنصور:

ثم توفي القائم أبو القاسم محمد بن عبيد الله المهدي صاحب أفريقية، بعد أن عهد إلى ولده إسمعيل بعده، وتلقّب بالمنصور، وكتم موت أبيه حذراً أن يطلع عليه أبو يزيد وهو بمكانه من حصار سوسة، فلم يسمّ بالخليفة، ولا غّير السكة ولا الخطبة ولا البنود إلى أن فرغ من أمر أبي يزيد كما يذكر

بقية أخبار أبي يزيد ومقتله

ولمّا مات القائم كان أبو يزيد محاصراً لسوسة كما تقدّم، وقد جهد أهلها الحصار، فلمّا وليّ إسمعيل المنصور، وكان أول عمله أن بعث الأساطيل من المهديّة إلى سوسة مشحونة بالمدد من المقاتلة والأمتعة والميرة مع رشيق الكاتب، ويعقوب بن إسحق، وخرج بنفسه في أثرهم وأشار أصحابه بالرجوع فرجع ووصل الاسطول إلى سوسة، وخرجوا لقتال أبي يزيد، وعساكر سوسة معهم فانهزم أبو يزيد، واستُبيح معسكره نهبا وإحراقاً، ولحق بالقيروان فمنعه أهلها من الدخول، وثاروا بعامله فخرج إليه، ورحل إلى سبيبة وذلك أواخر شّوال سنة أربع. وجاء المنصور إلى القيروان وأمّن أهلها، وأبقى على حرم أبي يزيد وأولاده، وأجرى عليهم الرزق، وخرجت سرية من عسكر المنصور لاستكشاف خبر أبي يزيد. وجاءت أخرى من عسكر أبي يزيد لمثل ذلك، فالتقوا وانهزمت سرية المنصور، فقوي أبو يزيد بذلك، وكثر جمعه، وعاد فقاتل القيروان وخندق المنصور على عساكره، وقاتلهم أبو يزيد فكان الظفر أول يوم للمنصور ثم قاتلهم ثانياً فانهزموا وثبت المنصور وراجع أصحابه من طريق المهديّة وسوسة.ولما رأى أبو يزيد امتناعهم عليه رحل آواخر ذي القعدة، ثم رجع فقاتلهم، وكانت الحرب سجالا، وبعث السرايا إلى طريق المهديّة وسوسة نكاية فيهم، وبعث إلى المنصور في حرمه وأولاده فبعثهم إليه بعد أن وصلهم

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :