Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Histoire du Maghreb تاريخ المغرب الكبير

أمير المؤمنين وشرعية الموحدين


لقد تناولت في مقال سابق الشرعية الخارجية المرابطية ولقب أمير المسلمين وناصر الدين، وباختصار شديد سأعطي تحليلا لشرعية أمير المؤمنين الموحدي . الملاحظ منذ البداية أن أهل التوحيد قد غيروا المسار الشرعي والمذهبي التقليدي المتعارف عليه، باتباع نهج سياسي في المغرب الإسلامي مبني على سلطة الخلافة وإمارة المؤمنين بتأسيسهاعلى إستراتيجية الشرعية الداخلية، مع ربطها بالمذهب التومرتي من جهة والإرث النبوي من جهة ثانية. لقد لخص ماكس فان برشم الشرعية الداخلية الموحدية بقوله: إبن تومرت نبي بربري ومؤسس لإسلام بربري1 يحمل هذا التلخيص في طياته عناصر مجحفة للتراث السياسي الإسلامي، إذا أخذنا في الحسبان أن أهل التوحيد وإن تميزوا على المستوى السياسي العملي بشرعية داخلية دون الرجوع الى المشرق فإن الخرجانية -النظرية السياسية- تبقى مشرقية الأصل. الشرعية الموحدية مرت بمرحلتين متميزتين على المستوى النظري والعملي، المرحلة الأولى كانت مرحلة المهدوية الموحدية، التي طبق فيها خلفاء المهدي المذهب التومرتي في جميع الميادين من خلال نظرتين أساسيتين: إمامة المهدوية وأمة التوحيد. المرحلة الثانية تتعلق بالرفض الرسمي لمهدوية إبن تومرت من طرف الخليفة إدريس المأمون وسنتناول المرحلة الثانية في مقال لاحق

إن مرحلة المهدوية الموحدية تميزت بتطبيق برنامج إصلاحي سياسي-ديني في كل المجالات إخلاصا لتعاليم مؤسس الحركة، ففي مرحل السلطة السياسية أصبح هذا البرنامج أساس إمارة المؤمنين بكل ما تحمله من معنى دنيوي وديني. إبن تومرت قسم المجتمع المغاربي إلى قسمين: القسم الأول هو مجتمع التوحيد، أي مجتمع الإيمان، وهذه الأمة الموحدية التي تعارض وتعادي وتحارب أمة الكفر يقودها إمام الأمة، فهو معصوم ومختار ومسير من الله، لذا لم يكن داعية ولا فقيها ولاخليفة، بل إماما معصوما، صاحب بركات وخوارق، وإنطلاقا من هذا التعريف يكون مؤسس الحركة الموحدية وعمله السياسي يتمتع باستقلالية عن موروث الدولة الوسيطية المغربية في مجال الشرعية واللقب الخليفي ، فيكفينا مثالا لفهم هذه القفزة النوعية حظور تجربة النبوة بمعانيها الدينية والعسكرية، فعبد المؤمن كان أول أصحاب المهدي، كما أن إنتصاراته العسكرية 2، وإخلاصه للإمام جعلت منه الوريث الشرعي للخلافة، خاصة وأن الإمام المهدي قد عينه مرارا إماما لصلاة الجماعة ولقب أمير المؤمنين 3، نلاحظ من خلال هذه العناصر التنظيمية الموحدية أن هناك رغبة الرجوع إلى تجربة النبوة بالتركيز على بناء مشروع إصلاحي ديني وسياسي لخلافة موحدية بعيدة عن الموروث السياسي المغربي السابق

السلطة السياسية الخليفية كانت موروثة عن المهدي إبن تومرت، حيث أن الخليفة الأول عبد المؤمن كان متشبعا بنظرية المهدوية التومرتية، فتعيينه خليفة من طرف أمة التوحيد وبإستقلالية عن المشرق الخليفي كان شبيها بتعيين أبي بكر. في نص مؤرخ الحركة الموحدية البيذق نجد وصفا لعملية التعيين تثبت إستقلالية القرار الداخلي الموحدي، فحسب البيذق إجتمعت القبائل الموحدية، فقام عبد المؤمن بالفصل بين الرجال والنساء، فألقى خطابا في الجمع ذكر فيه بنهج أمة التوحيد ، فطلب في الأخير من الجمع أن يجيبوا هل العهد الذي كان بينهم وبين المهدي لا زال قائما؟ وعند إجابتهم بنعم، أخبرهم بوفاة المهدي طالبا منهم عدم البكاء، فتدخل بعد ذالك أبو إبراهيم، عمر أزناغ، عبد المؤمن بن زغو، محمد بن محمد وهم من القيادة العليا للحركة -أهل العشرة- طالبين منه تمديد يده لمبايعته إتباعا لما سنه المهدي وإحتراما لما عاهدوا به المهدي قبل وفاته ، ويختم البيذق نصه بتوضيح أهمية البيعة وإستمرارها لمدة ثلاثة أيام متتالية، حتى تم الإجماع على خلافة عبد المؤمن 4. وخلافا لنص البيذق المؤرخ المنتمي إلى الحركة الموحدية، يقدم لنا إبن أ بي زرع نصين هامين: في الأول يخبرنا على أن المهدي قد حدد خليفته عبد المؤمن عن طريق الدعاية التي تقدمه كأحسن موحدي بعده واعتراف قيادة العشرة بإمامته. في النص الثاني يتضح أن عملية خلافة المهدي أعادت إلى السطح التكتلات االداخلية، حيث أن كل القيادات أرادت الفوز مستعينة بتحالفات على النمط القبلي التقليدي،5 لحسم هذه الخلافات الداخلية إجتمعت قيادة العشرة مع قيادة الخمسين فقدمت مشروع المصالحة المبني على تولية عبد المؤمن ثاني مؤسس للحركة وكونه غريبا وبعيدا عن التكتلات العشائرية والقبلية المصمودية

إن تعيين عبد المؤمن في 14 رمضان سنة 524 للهجرة طبقا لوصايا المهدي القانونية والسياسية، تفسر إلى حد كبير إنتقال سلطة الإمامة في ظروف سياسية طبيعية ركزت على ثلاثة عناصر أساسية

إختيار المهدي لعبد المؤمن كوارث لسر الحركة الموحدية وتقديمه في كل المناسبات كالرجل الثاني بعده أعطى لعبد المؤمن مكانة سياسية بين القبائل المصمودية الأطلسية رغم اعتباره من الغرباء من الناحية العصبية

التنظيم المحكم على مستوى القيادات العليا في الحركة وخاصة إختيار قيادة أهل العشرة ، التي عمل المهدي على تكوينها وتوحيدها سياسيا ومذهبا وأخلاقيا لتسهيل قراراتها الجماعية

أحقية عبد المؤمن بالخلافة لما عرف عنه من حنكة سياسية، فهو من المؤسسين للحركة وأبرز المنظمين لها على المستوى العسكري والمالي

بقي لقب المهدي إبن تومرت طوال حياته إمام أهل التوحيد، فلم يتخذ لنفسه لقب أمير المؤمنين، بل خص به من يخلف مهدويته، لذالك مثل عبد المؤمن وزارة المهدوية فيكون بذالك مستقلا سياسيا عن المشرق السياسي، بالإضافة إلى إستقلالية عن الإرث الخلافي باستثناء مرحلة الراشدين، إذ يعد عبد المؤمن خليفة للمهدي كما كان أبو بكر خليفة الرسول وفي نفس الوقت هو أمير للمؤمنين كما كان الخليفة عمر بن الخطاب، وللإتمام لقب أمير المؤمنين تجند الموحدون وأقلامهم لخلق شجرة المهدي وعبد المؤمن لربطهم بالنسب النبوي. المهدي هم محمد بن عبد الله بن عبد الرحمان بن هود بن تمام بن عدنان بن صفوان بن جابر بن يحيى بن رباح بن عطاء بن ياسر بن العباس بن محمد بن الحسن بن فاطمة بنت الرسول. عبد المؤمن بدوره نسب الى النسب النبوي فهو عبد المؤمن بن علي بن علوي بن يعلى بن حسن بن كنونة بنت إدريس بن عبد الله بن القاسم بن محمد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب 6. بهذه الطريقة ربط الموحدون أنفسهم بالنسب النبوي وأدخلوا عنصر الشرف في إمارة المؤمنين، ليثبتوا من هذا الجانب أحقية الخلافة. لقد إنتبه الدارسون منهم أكنوش عبد اللطيف وليفي بروفنصال إلى وجود الإنتماء إلى الفاطمية الشيعية عن طريق فاطمة بنت الرسول، وكذا الإنتماء إلى الأدارسة عن طريق كنونة بنت إدريس الثاني، لكن رغم هذا الإنتماء تبقى إمارة المؤمنين الموحدية مستقلة ومرتبطة بالمهدوية أكثر من غيرها إلى أن جاء الرفض العنيف لمهدوية إبن تومرت من قبل الخليفة إدريس المأمون

 

(1)-VAN BERCHEM Max, Titres califiens d'Occident...,, 276 et BRUNSCHVIG Robert, Sur la doctrine du Mahdî Ibn Tûmart..., pp., 113 sq.
-
حول الشرعية وتطورها في المجال المغاربي راجع بالخصوص:
KABLY Mohamed, Les soubassements historiques de l'islamisme contemporain, dans Variations islamistes et identité du Maroc médiéval..., op.cit., pp., 16 à 17 et MAHMÛD Ismâcîl, al-Aghâliba, siyâsatuhum al-hârijiya, édit., Maktabat Warâqat al-Jâmica, 2e édit., Fès, 1978, chapitre sur les relations des Aghlabides avec le Moyen-Orient pp., 45 à 96.
-GOLDZIHER I., Le dogme et la loi de l'Islâm. Histoire du développement dogmatique et juridique de la religion musulmane, trad., ARIN Félix, édit., Paul Geuthner, Paris.

 

(2)-عن السنوات السبعة وعملياتها العسكرية راجع
-
إبن عذاري المراكشي، البيان المغرب، قسم الموحدين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1985، ص ص، 15-27. Les mêmes récits éd., et trad., par Lévi-Provençal E., sous le titre: Notes d'histoire almohade. Un nouveau fragment de chronique Anonyme, dans H., T., X, fasc., I, 1930, pp., 49 à 90.
(3)-
المراكشي عبد الواحد، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، مطبعة الإستقامة، القاهرة، 1949، ص، 106
(4)-
البيذق أبو بكر، أخبار المهدي إبن تومرت وبداية الموحدين، ترجمة لفي بروفنصال، طبعة بول كوتنر، باريس، ص، 137
(5)-
إبن أبي زرع،الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار المغرب وتاريخ مدينة فاس، باريس، ص، 261
(6)-
البيذق، المصدر السابق، ص، 21.

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :