27 Février 2007
لا شك أن مشروعية الحكم المرابطي كانت تتبع مراحل تطور نظام السلطة السياسية: من الحركة الإصلاحية مرورا بالدولة الإقليمية إلى الدولة المالكة للعدوتين، خلال هذه التطورات التدريجية كان النظام السياسي يزداد ديناميكية ومشروعية، إلا أن المثير للإنتباه هو الحضور القوي للمشروعية الخارجية منذ الإنتصارات الأولى للحركة الإصلاحية الصحراوية شمال وادي درعة. إن الإعتراف الرسمي بالخليفة العباسي من طرف يوسف بن تاشفين المرابطي كممثل شرعي ووحيد للخلافة الإسلامية، وإقتصاره على مرتبة أمير المسلمين وناصر الدين 1 كانت مرتبطة تاريخيا بعملية تثبيت السلطة السياسية وإحتلال المجالات المغربية والأندلسية الحساسة من الناحية الإقتصادية والإجتماعية
تقدم لنا النقود المرابطية 2 دليلا تاريخيا ، حيث يعود الإعتراف ولو ضمنيا ومبهما بالخليفة العباسي إلى فترة الأمير أبو بكر بن عمر المرابطي، ففي الدنانير السجلماسية التي يعود تاريخها إلى سنة 440 و 480 للهجرة / 1058 – 1087 ميلادية، نجد إسم عبد الله أمير المؤمنين، ورغم أن غياب لقب العباسي يثير الشكوك حول الإسم خصوصا وأن مؤسس الحركة يدعى عبد الله، إلا أن المرجح هو بداية الإعتراف بالخليفة العباسي، خاصة وأن صاحب القرار السياسي والعسكري يوسف بن تاشفين لم يكن يحمل في هذه الفترة سوى لقب أمير المغرب الأقصى، ولم يلقب بأمير المسلمين إلا بعد أن أصبحت سلطته واضحة المعالم على المستوى الصنهاجي الداخلي والمغربي وحتى في الأوساط الأندلسية 3
تشير المصادر التاريخية إلى أن شيوخ القبائل الصنهاجية إقترحوا على يوسف بن تاشفين لقب أميرالمؤمنين، فكان جوابه أن هذا اللقب مخصص للشجرة النبوية التي ينحدر منها بنو العباس حاكمي مكة والمدينة، وما هو إلا قائم بدعوتهم في الغرب الإسلامي 4، ولتثبيت أمور الدولة وإدارتها قبل بلقب أمير المسلمين وناصر الدين، حتى يتمكن من التميز على سائر أمراء القبائل الصنهاجية والخروج من نمط السلطة القبلية إلى سلطة المملكة. إذن فنحن أمام إعتراف رسمي بالخلافة العباسية سيدوم طوال فترة المرابطين، حيث يجدد كل سلطان جديد الإعتراف ببني العباس في أولى أيام إعتلائه على الحكم. لا شك أن الرجوع المرابطي إلى الشرعية العباسية الخلافية كان مرتبطا بالمذهب السني المالكي، وبتعاليم مؤسس ومنظر الحركة الفقيه والسياسي عبد الله إبن ياسين الصنهاجي، غير أن اللقب إرتبط بتطور السلطة السياسية وإنفراد فرع بني ورتنطيق بالحكم، فكان محتما على يوسف بن تاشفين أن يتخذ تدريجيا ألقابا حسب كل مرحلة ، من أمير في مرحلة الحركة الإصلاحية مرورا بلقب أمير المغرب في مرحلة تأسيس بنية الدولة إلى أمير المسلمين وناصر الدين عند إسكمال بناء السلطة السياسية بالعاصمة. فالواضح مما سلف أن تأسيس سلطة مركزية ومراكش عاصمة لها، كانت من الأسباب الرئيسية الدافعة إلى تأسيس تراتبية سلطوية داخل الجهاز الإداري والسياسي، لذالك نعتبر أن قضية الإنتصارات العسكرية وإخضاع مجالات جغرافية إستراتيجية للسلطة المرابطية جانب تكميلي لقضية الألقاب السلطانية
إن أهم نص تاريخي حول لقب المرابطين هو ما أورده صاحب الحلل الموشية، والنص رسالة مؤرخة في 15 محرم سنة 446 للهجرة الموافق 20 سبتمبر 1073 ميلادية، والرسالة وجهت إلى عمال الأقاليم، وشيوخ القبائل، والأشراف والعامة. في أول الرسالة يحدد يوسف بن تاشفين مذهب الدولة وأخلاق القائمين عليها، ثم يوضح الموضوع طالبا من الجميع إستعمال لقب أمير المسلمين وناصر الدين، مع إلزامية إستعماله في كل الخطابات الرسمية وغيرها 1. من الملاحظ أن المؤرخين إبن الخطيب وإبن خلدون يرجعان إستعمال هذا اللقب بعد الإنتصار على الملك ألفونس السادس في معركة الزلاقة في 12 رجب 479 للهجرة الموافق 23 أكتوبر 1086 ميلادية، إذن الفرق بين المؤرخين ونص الحلل يناهز إثنى عشر سنة، وإلى جانب ذالك هناك رسالة ملك قشتالة ألفونس السادس في سنة 1086 مخاطبا يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين 5، إذا كان الإختلاف بين المصادر واضحا فانها تتفق في جوهرها على أن قضية اللقب السلطاني مسألة تخص الداخل قبل غيره، لذا يبقى السؤال المطروح يتعلق بالشرعية العباسية الخارجية وما دور علماء المالكية فيها
المؤرخ المشرقي إبن الأثير يوضح من جهته أن العلماء المرتبطين مذهبيا وسياسا بيوسف بن تاشفين، فسروا له أن شرعية لقب أمير المسلمين وناصر الدين لن يكون تاما إلا بموافقة الخليفة العباسي، وإنطلاقا من هذا التوضيح أرسل يوسف بن تاشفين سفارة إلى الخليفة طالبا منه إمارة الغرب الإسلامي، وقد مثل علماء المغرب شخصيتين بارزتين 6 . الشخصية الرسمية كانت في شخص أبي بكر محمد بن العربي، الذي بدأ رحلته في بداية سنة 485 للهجرة الموافق 1092 ميلادية حاملا معه إنتصارات يوسف بن تاشفين الأندلسية، وخلال سفارته زار مكة وسوريا ومرتين مدينة بغداد ، وفي طريق العودة مر بمصر وتوفي بها 7. والشخصية الثانية تتعلق بالقاضي المغربي إبن القاسم الذي إنتقل من مكة لينظم في بغداد إلى السفارة المرابطية، وحتى نتعرف عن أهمية علماء المالكية في الفترة المرابطية وخاصة في هذه القضية، لا بد أن نهتم بالسياق العام للعالم الإسلامي. في الأندلس كانت الخلافة الأموية قد إنتهت سياسيا وعسكريا منذ سنة 422 للهجرة الموافق لسنة 1031 ميلادية، يعني قبل ظهور المرابطين، وبقي على الساحة الإسلامية خلافتين، من جهة الخلافة الفاطمية الشيعية في الغرب ومصر 909-1141 للهجرة، ومن جهة أخرى الخلافة العباسية ببغداد 750-1260 للهجرة . لقد كان الصراع بين الجانبين محتدما لزعامة العالم الإسلامي وقيادته، لذا وجد المرابطون أنفسهم في حسابات المتصارعين على الخلافة خاصة وأن أصحاب السلطة يعلمون التوجهات الإفريقية للفاطميين منذ قرون عدة 8
لقد كان إعتراف الدولة المرابطية بالخليفة العباسي موقفا تحالفيا من الوجهة
السياسية والمذهبية، للحفاظ على الإستقلال السياسي والمذهبي، فالواضح أن الحساب المرابطي كان ذكيا ومدروسا، فالخلافة الفاطمية عدو سياسي قريب من الحدود، وله تجربة تاريخية بالغرب الإسلامي وتأثير على
السكان الشيعة بالمغرب، من هذا المنطلق إعتبره المرابطون خطرا حقيقيا على سيادتهم.
الخلافة الفاطمية ليست فقط تهديدا مجاليا فهي كذالك خصما ومنافسا لمذهب الدولة وأسسها
الإصلاحية. فالمالكية أساس الشرعية المرابطية، فهي التي قدمت أسس التأسيس السياسي من خلال إطار الإصلاح الديني والإقتصادي، والمالكية قدمت إطارا وحدويا للمجال المغربي من خلال إعلان أحقية
الجهاد ضد البورغواطيين والشيعة البجلية في مدينة تارودانت 9 . إن الرسائل التي تبادلها أركان السلطتين كانت تحالفا مهما يرتكز على الإعتراف بالخلافة العباسية مقابل تقليد يوسف بن تاشفين
إمارة المغرب. ففي رسالة إبن العربي نلاحظ شروط اللقب على الشكل التالي
الإعتراف بالخلافة العباسية: في الرسالة ورد ناصر الدين أي القائم بدعوة العباسيين بين رعيته وفي الثغور الأندلسية
إمتياز الأمير بحنكة عسكرية: حيث طبق أسس الجهاد، أعد قوة تقدر بستين ألف فارس موزعة من الأندلس إلى غانة
تطبيق سياسة الخليفة في مجال القانون: فهو أمير عادل يحافظ على حدود الشرع في سياسة الإقتصاد والعملة
لقد كان جواب الخليفة برسالة مختومة بعلامة القاهر بالله تأكيدا على ضرورة
المحافظة على االعهد المحمول إلى الخليفة في إطار السفارة المرابطية، فالخليفة العباسي أشار إلى أسس إستمرار التقليد الخليفي وشروط إمارة الغرب الإسلامي
لا بد أن تبقى السلطة السياسية في يد أسرة بني ورتنطيق الصنهاجية التي ينحدر منها يوسف بن تاشفين الصنهاجي
على أمير المسلمين وناصر الدين يوسف أن يستمر في سياسة حماية الثغور الغربية لدار الإسلام بكل قوة وحنكة
الإعتناء بالمذهب المالكي وإتباع قواعده ونهجه في جميع المجالات الحياتية والعمل بنصائح العلماء من أهل المذهب
(1)-VAN BERCHEM Max, Titre califiens d'Occident, dans J.A., T., IX, mars-avril 1907, pp., 245 sq.
(2)-Pour les données fournies par la numismatique, voir le corpus des monnaies Nord-africaines médiévales de: HAZARD H. W., The numismatic history of late médiéval North Africa, New York,
1952, pp., 50 sq.
-إبن عذاري المراكشي، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب،
دار الثقافة، بيروت، ص ص، 22
-Un exemple des données fournies par la numismatique sur un dinâr almoravide de 450 de l'hégire.
A-Avers-champ: L'Imâm cAbd Allâh, Emîr des Croyants.
*Marge: Au nom de Dieu, ce Dinâr a été frappé à Sijilmâsa l'année 450 de l'hégire.
B-Revers-champ: Il n'y a de Dieu qu'Allâh Muhammad est son envoyé, l'Emîr Abû Bakr b. cUmar.
*Marge: Quiconque désire un autre culte que la résignation à la volonté de Dieu, ce culte ne sera point reçu de lui et il sera, dans l'autre monde, du nombre des malheureux.
-LAUNOIS Ainé, Influence des docteurs malikites sur le monnayage Zîrîde de type sunnite et sur celui des Almoravides, dans Arabica,
T., XI, fasc., 2, mai 1964, planche, I, II.
(3)-LEVI-PROVENçAl Evariste, Titres souverains des Almoravides et sa légitimation par le califat cAbbâside, dans Arabica, T., II, fasc., 3, septembre 1955.
-Ibn Abî Zar, Rawd al-qirtâs..., tx., fr., op.cit., p., 187
-مجهول، الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، دار الرشاد الحديثة،
الرباط، 1979، ص 29
(4)-نفس الصدر ص 29
-رسالة من الخليفة العباسي إلى علي بن تاشفين تحقيق مؤنس حسين، مجاة المعهد المصري، مدريد،
عدد 1-2 المجلد الثاني، 1954
(5)-الحلل الموشية....، المصدر السابق، ص، 30
-الوثائق الجزء الثاني، 1976، ص، 178
-الحلل الموشية....، المصدر السابق، ص ص، 26-27
-إبن الخطيب أعمال الأعلام في من بويع قبل الإحتلام، دار
الكتاب، الدار البيضاء، 1967 ص ص 239-240
(6-IBN AL-ATÎR, al-Kâmil fî
al-târîh, Annales du Maghreb et de l'Espagne, Alger, 1901, pp., 513 à 514.
-الذهبي أبو عبد الله، دول الإسلام، منشورات الأعلام،
بيروت، 1985، ص، 257
(7)-حول تكوين إبن العربي الثقافي والعلمي وكذا مؤلفاته الرجوع الى دراسة: LAGARDERE Vincent, Abû Bakr b. al-cArabî, Grand Qâdî de Séville, dans R.O.M.M., N° sur
al-Andalus, culture et société, N° 40, 2e trimestre, 1985, pp., 91 à 102.
-حول المجال الإداري والقانوني والسياسي للعاماء وخاصة
الأندلسيين وتأثيرهم في الفترة المرابطية راجع:
-TERRASSE H., Histoire du Maroc..., 250-251.
-CHALMETA P., Le poids des intellectuels hispano-arabes dans l'évolution politique d'al-Andalus, dans C. M., N° 37, décembre 1988, pp., 107 à 129. -La lettre publiée par LEVI PROVENçAL E.,
(Titre souverain des Almoravides..., op.cit., pp., 271 à 276)
(8)-حول أهمية الإقتصاد في السياسة الفاطمية وإحتياجها إلى ذهب غرب
أفريقيا راجع
-DEVISSE Jean Routes de commerce et échange en Afrique occidental..., pp., 49 sq.
-CANARD Marius, L'impérialisme des Fâtimides et leur propagande, dans A.I.E.O., Alger, V., VI, 1942-1947.
(9)-N: المصادر التاريخية تشير إلى الحظور الشيعي في المغرب الأقصى
فمثلا إبن حزم، في كتابه الفصل في الملل والأهواء والنحل، القاهرة، الجزء الخامس، 1965، ص، 23، يتحدث عن وجود الشيعة البجلية في بلاد مصمودة. الجغرافي إبن حوقل تحدث عن ساكنة شيعية في جهة سوس ودرعة، أما
ياقوت الحموي فتحدث عن الشيعة الموسوية في مدينة أغمات