5 Avril 2007
الرجوع إلى الشرعية الخارجية منذ الإنتصارات العسكرية المرينية الأولى، تفسر مشاكل ثورة القبائل المرينية في إيجاد شرعية داخلية، نظرا لغياب الدعوة الدينية التي تنبني عليها الشرعية الداخلية المؤسسة للحكم. إن الإعتراف بالشرعية الخليفية الحفصية كانت تجربة البحث عن الشرعية من طرف بني مرين، وكان ذلك في ظل حرب الخروج من المواقع التقليدية، بدون دعوة سياسية وإقتصادية، اللهم ما نعرف تاريخيا عن الحصار الذي كانت تحته القبائل المرينية أيام حكم الخلافة الموحدية. قبائل بني مرين في الصحراء الشرقية يوصفون بقطاع الطرق وسهولة إستعمال السلاح في بعض المصادر. كان الخروج من مواقعها لا يرتبط بدعوة قائمة كما كان الحال في تجربة أهل الرباط وأهل التوحيد، لذا لم يكن زعمائها يمتلكون ما يقدمونه للشرائح الإجتماعية القروية والحضرية في المناطق التي إكتسحوها، خاصة وأن التدهور السريع للحكم الموحدي وما ترتب عنه من أحداث، دفعت بكل القوى القبلية ذات التقاليد العسكرية، والمالكة للرجال والأسلحة، إلى الخروج من مواطنها الأصلية في إطار تسابق نحو المجالات الإقتصادية الحيوية، دون التفكير في شعار الخروج كما كان معروفا لدى الحركات الإصلاحية
رغم العودة إلى تبني المهدوية وفكرها التومرتي في الغرب الإسلامي من قبل الخليفة الرشيد، فإن التقسيم والعداء كان كبيرا بين جناح الأشياخ المعروفين بإتجاههم المحافظ وخلفاء مراكش الممثلين للإتجاه الإصلاحي 1.لقد كان من عادة الخلفاء تعيين الأشياخ كعمال لتسيير المناطق البعيدة عن السلطة المركزية، فعين في سنة 1207الخليفة الناصر على حكم إفريقية أبو محمد عبد الواحد إبن عمر أبو حفص زعيم هنتاتة . وفي سنة 1226 الخليفة العادل أقر بتعيين الحفصيين على ولاية تونس، رغم حدث البيعة الذي يفسر عقلية بني حفص الإنفصالية عن مركز القرار مراكش. كان لبني حفص ركائز وقوة، حيث أن المؤسس للجناح كان صديق المهدي وأحد العشرة الأوائل المنظمين لأهل التوحيد في قيادة الحركة بتينمل، كما حقق بنو حفص إنتصارات عسكرية حاسمة على بني غانية، بالإضافة إلى هذا كله كان الجناح الحفصي ينتمي ويتشبث بالإرث السياسي لمؤسس الدولة عبد المؤمن الموحدي. بمجرد أن أعلن الخليفة المأمون عن تغيير الأسس السياسية والتقاليد المهدوية لأمة التوحيد، أعلن حاكم إفريقية أبو زكرياء يحيى إسقاط الدعاء بإسم الخليفة المأمون في خطب الصلاة 2. لقد كان هذا الأخير في نظر أشياخ تونس لا يمثل إمامة المهدوية، ولا إمامة خلفاء عبد المؤمن، لأن شرعية السلطة السياسية وإمارة المؤمنين، أي الخلافة، لا تستقيم إلا بالإنتماء إلى المهدوية التومرتية. عمليا إستمر بنو حفص في إستعمال إسم المهدي وخلفائه في خطبة الجمعة، كما عززوا تعليم الفكر التومرتي في مدرسة القصبة بتونس. وفي سنة 1237كانت خطبة الجمعة تقام بإسم الأمير الحفصي وبإسم المهدي وخلفائه كمرجعية مذهبية وسياسية، مع تكثيف العمل العسكري في المجال المحيط بولاية إفريقية
خلافا لتجربة أهل الرباط وأهل التوحيد الحركة المرينية إعتمدت على عنصرين: المجتمع القبلي ونخبة القبائل، لذا نلاحظ غياب القوة التغييرية الثالثة، وبالتالي غياب عنصر التنظير للمشروع السياسي الديني والإجتماعي. إن تبني المرينيين لمشروع الإستفادة إقتصاديا من المجال الموحدي قد يكون إجابة لمصالح القبائل، ولكن لم يتمكن من خلق شرعية قانونية تمكن النخبة من تقديم عملها العسكري لمختلف مكونات مجتمع المغرب الأقصى، وقد رافق هذا الضعف المريني وجود حالة معقدة في الغرب الإسلامي على المستوى السياسي، حيث إنفلت الأمن في العديد من المناطق، وظهرت ملامح تشكيل قوى جديدة على المسرح السياسي من عناصر قبلية، بنو مرين بالصحراء الشرقية، وبنو عبد الواد في تلمسان ونواحيها، وإنفصال بنو الأحمر بغرناطة. هذه القوى كانت في مواجهة قوتين خليفيتين: السلطة الموحدية بمراكش، التي كانت لا تزال تحتفظ بنوع من الشهرة والإحترام رغم هزائمها العسكرية، والسلطة الحفصية بتونس التي عملت على تنظيم مؤسساتها السياسية والإقتصادية، فأصبحت قوة عسكرية مهمة في الغرب الإسلامي. وإنطلاقا من هذا المشهد السياسي، كانت عصبيات زناتة المغرب الأقصى والأوسط أقل إستعدادا لمواجهة الشرعية الحفصية التي أثبتت فعاليتها من خلال توجه مبني على سياسة قديمة وجديدة. إمارة المؤمنين الحفصية أعد لها بطريقة تدريجية، فأبو زكرياء الحفصي مثل قوة الرجوع إلى فترة عبد المؤمن الموحدي، إذ أعلن تمثيله للخلفاء المذهبيين قبل رفظ المهدوية سنة 1238. إبنه العادل 1249-1277، أكمل هذا التوجه بإتخاذه لقب أمير المؤمنين سنة 1253، وزاد عليه قصد الخطاب الحضرة العلية السنية الطاهرة القدسية . لقد تم بناء الشرعية الخليفية في تونس إعتمادا على المؤسسات السياسية الموحدية السابقة، مع إحداث نظام إداري مركزي يتكون من مجلس شورى يمثل القبائل الموحدية، وينقسم حسب المهام إلى مجلس عسكري ومجلس سياسي، أما صاحب الشرطة فقد كان مستشارا للخليفة في كل أمور الحكم. على المستوى الخارجي كل المعارضين لتحريف الفكر التومرتي أعلنوا تشبثهم به، كما حصل في العديد من المدن الأندلسية كغرناطة وطريفة وإشبيلية وغيرها، وفي المغرب الأقصى تشبت طنجة وسبتة والقصر الكبير بفكرة المهدوية.إن إنهيار الخلافة العباسية المشرقية تحت ضربات الماغول، وإعتراف شريف مكة في سنة 1257 بالخلافة الحفصية، متبوعا بإعتراف مماليك مصر سنة 1262، جعل من الخلافة الحفصية الوارث الشرعي للخلافة الموحدية، مما سمح لها بالظهور بمظهر المطالب بالحق، خصوصا وأن إنتماء الخليفة إلى قبيلة هنتاتة المصمودية يدعم ذالك
القبائل المرينية وفي إطار إندفاعها نحو المجالات الإقتصادية مستغلة غياب سلطة مركزية
كانت لا تتوفر على داعي ودعوة تفسر عملها العسكري، كان هذا سببا في دخولها طاعة الحفصيين، فما أن أعلن التحالف بين الخليفة الحفصي والعبد الواديين حاكمي تلمسان ضد السلطة الموحدية بمراكش، حتى أسرع
المرينيون إلى تبليغ الخليفة الحفصي بأن كل الأراضي التي تقع في قبضتهم تعترف بالخليفة الحفصي وتبايعه. عندما إحتل أبو بكر مدينة فاس سارع أهلها إلى مبايعة الخليفة الحفصي. أبو يعقوب المريني طلب موافقة
أبو زكرياء الحفصي على مهاجمة العاصمة مراكش. لقد عمل المرينيون على إرضاء الخليفة الحفصي منذ الفترة الأولى من حكمهم، إذ إتخذوا لقب أمير المسلمين كما فعل أهل الرباط، مع حالة إستثنائية وهي فترة أبو
عنان التي إستعمل فيها لقب أمير المؤمنين، رغم ذالك فإن السلطان المريني كان يبحث عن شرعية مشرقية قادمة من شريف مكة. لقد كانت التجربة المرينية بخصوص إمارة المسلمين محاولة لإحياء الإرث السياسي السني
للتجارب السابقة، كما كان في نفس الوقت محاولة لتدارك العجز النظري والشرعي الناتج عن غياب مشروع الدعوة. لقد كانت هذه التجربة آخر التجارب المبنية على قاعدة العصبية والدعوة، إذا ما أخذنا في الحسبان
التدارك المريني للمشروع خلال فترة السلطة السياسية
(1) إن القرارت التي إتخذها الخليفة المأمون الموحدي، تبدو غريبة إذ أنهت النظام السياسي الموحدي وقوضته من أسسه، وهذه القرارات هي كالتالي:
إنهاء سلطة الأشياخ: إستهدف الخليفة المأمون أشياخ أهل التوحيد، وخاصة شيوخ تينمل وهنتاتة، بان عمل على تصفيتهم جسديا، إبن عذاري البيان....، ص.، 285 .
المصادر التاريخية تخبرنا على قتل حوالي مئة شيخ بالعاصمة مراكش حسب ما أورده إبن خلدون في العبر...، الجزء السادس، ص.، 530 وإبن عذاري في البيان....، ص.، 285، في نفس الموضوع أورد صاحب الحلل
الموشية...، ص.، 165، أن العدد يصل إلى5000 شيخ، رغم صعوبة ترجيح هذا العدد أو ذاك، فالمصادر تخبرنا عن عملية تصفية فصيل الأشياخ بناءا على فتوى القاضي الماكدي حول مسألة البيعة
إسقاط المهدوية من المنظومة السياسية الموحدية: قام المأمون بإسقاط وتحريم إسم المهدي من التسليط (التسليط هو الدعوة إلى الصلاة باللغة البربرية)، ومن
النقود. راجع إبن خلدون العبر....، الجزء السادس، ص.، 530وإبن عذاري البيان المغرب....، ص ص.، 286-287
تنفيذ بنود الإتفاقية المبرمة بين المأمون والملك فردناد: سمح المأمون بتأسيس كنيسة مسيحية بمراكش العاصمة، كما تم بناء
منازل للفرقة العسكرية المسيحية، وقد عمل المأمون على ضمان حرية التنقل والتجمع للجالية المسيحية المقيمة في المجال الموحدي. راجع بخصوص هذا الموضوع إبن خلدون،
العبر....، ص.، 531 وإبن عذاري، البيان...، ص ص.، 288 و189، وإبن أبي زرع، الأنيس المطرب...، ص.، 253
(2)- كان إنهيار السلطة الموحدية ما بين سنة 610 – 627 هجرية، بعد الخليفة الناصر ظهرت مشاكل تولية الحكم خاصة بعد هزيمة العقاب وتدخل أجنحة الأشياخ في
الموضوع. في سنة 610 هجرية تولى الحكم بعد الناصر إبنه يوسف عن عمر يناهز16 سنة حسب رواية عبد الوحد المراكشي في
المعجب....، ص.، 459. و10 سنوات حسب صاحب الحلل الموشية...،
ص.،162 وإبن عذاري في البيان...، ص.، 265. في سنة 620هجرية الموافق لسنة 1227 ميلادية حدث فراغ سياسي في قمة السلطة، مما فتح الباب أمام العديد من المرشحين فظهرت شخصيتين من عائلة عبد المؤمن، أبو محمد عبد
الواحد بمراكش وعبد الله يعقوب المنصور العادل بالأندلس. في ظل هذه الظروف الصعبة من الناحية السياسية، كما وصفها لنا إبن خلدون وإبن أبي زرع وعبد الواحد المراكشي وإبن عذاري
وعبد المالك المراكشي وغيرهم، فإن صراع عائلة عبد المؤمن سمحت للأشياخ الوزراء من وضع يدهم على الحكم، كجناح الشيخ أبو سعيد عثمان عبد الله بن جامع، إذ إستولى عقبه على الوزارة لمدة 25 عاما ما ورد في الذيل والتكملة لعبد المالك المراكشي . وزاحم هذا الجناح جناح الشيخ أبو زيد عبد الرحمان بن موسى بن يوجين إبن يحيى الهنتاتي، حسب إبن عذاري
في البيان المغرب....، ص ص.، 225-232-238-253، وعبد الواحد المراكشي في المغرب...، ص
ص.، 442-443. لقد ظهر صراع غريب في قمة السلطة السياسية بين الأشياخ والمؤسسة الخليفية، فالأشياخ مؤسسة تتمتع بالشرعية التاريخية كانت في مواجهة
مفتوحة منذ سنة 627 للهجرة مع مؤسسة الخلافة المنفردة بالحكم، ومن هنا نفهم ما سمي في المصادر بمحنة الأشياخ