Rédigé par Abdelkader HADOUCH et publié depuis
Overblog
بماذا تصح قال أبو محمد: ذهب قوم إلى أن الإمامة لا تصح إلا بإجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد وذهب آخرون إلى أن
الإمامة إنما تصح بعقد أهل حضرة الإمام والموضع الذي فيه قرار الأئمة وذهب أبو علي بن عبد الوهاب الجبائي إلى أن الإمامة لا تصح بأقل من عقد خمس رجال ولم يختلفوا في أن عقد الإمامة تصح بعهد من الإمام
الميت إذا قصد فيه حسن الاختيار للأمة عند موته ولم يقصد بذلك هوي وقد ذكر في فساد قول الروافض وقول الكيسانية ومن ادعى إمامة رجل بعينه وأنبأ أن كل ذلك دعاو لا يعجز عنها ذو لسان إذا لم يتق الله ولا
استحياء من قال أبو محمد: أما من قال أن الإمامة لا تصح إلا بعقد فضلاء الأمة في أقطار البلاد فباطل لأنه تكليف ما لا يطاق وما ليس في الوسع وما هو أعظم الحرج والله تعالى لا يكلف نفساً و قال تعالى
" وما جعل عليكم في الدين من حرج ".
قال أبو محمد: ولا حرج ولا تعجيز أكثر من تعرف إجماع فضلاء من في المولتان والمنصورة إلى بلاد مهرة إلى عدن إلى أقاصي المصامدة إلى طنجة إلى الأشبونة إلى جزائر البحر إلى سواحل الشام إلى أرمينية وجبل
القبج إلى اسبنجاب وفرغانة واسروسنه إلى أقاصي خراسان إلى الجوزجان إلى كابل المولتان فما بين ذلك من المدن والقرى ولا بد من ضياع أمور المسلمين قبل أن يجمع جزء من مائة جزء من فضلاء أهل هذه البلاد
فبطل هذا القول الفاسد مع أنه لو كان ممكناً لما لزم لأنه دعوى بلا برهان وإنما قال تعالى " تعاونوا على البر والتقوى وكونوا قوامين بالقسط " فهذان الأمران متوجهان أحدهما إلى كل إنسان في ذاته ولا
يسقط عنه وجوب القيام بالقسط انتظار غيره في ذلك وأما التعاون على البر والتقوى فمتوجه إلى كل اثنين فصاعداً لأن التعاون فعل من فاعلين وليس فعل واحد ولا يسقط عن الاثنين فرض تعاونهما على البر والتقوى
انتظار ثالث إذ لو كان ذلك لما لزم أحداً قيا بقسط ولا تعاون على بر وتقوى إذ لا سبيل إلى اجتماع أهل الأرض على ذلك أبداً لتباعد أقطارهم ولتخلف من تخلف عن ذلك لعذر أو على وجه المعصية ولو كان هذا لكان
أمر الله تعالى بالقيام بالقسط وبالتعاون على البر والتقوى باطلاً فارغاً وهذا خروج عن الإسلام فسقط القول المذكور وبالله تعالى التوفيق وأما قول من قال أن عقد الإمامة لا يصح إلا بعقد أهل حضرة الإمام
وأهل الموضع الذي فيه قرار الأئمة فإن أهل الشام كانوا قد ادعوا ذلك لأنفسهم حتى حملهم ذلك على بيعة مروان وابنه عبد الملك واستحلوا بذلك دماء أهل الإسلام.
قال أو محمد: وهو قول فاسد لا حجة لأهله وكل قول في الدين عرى عن ذلك من القرآن أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من إجماع الأمة المتيقن فهو باطل بيقين قال الله تعالى " قل هاتوا برهانكم
إن كنتم صادقين " فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فليس صادقاً فيه فسقط هذا القول أيضاً وأما قول الجبائي فإنه تعلق فيه بفعل عمر رضي الله عنه في الشورى إذ قلدها ستة رجال وأمرهم أن يختاروا
واحداً منهم فصار الاختيار منهم بخمسة فقط.
قال أبو محمد: وهذا ليس شيء لوجوه أولها أن عمر لم يقل أن تقليد الاختيار أقل من خمسة لا يجوز بل قد جاء عنه أنه قال إن مال ثلاثة منهم إلى واحد وثلاثة إلى واحد فاتبعوا الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن
ابن عوف فقد أجاز عقد ثلاثة ووجه ثان وهو أن فعل عمر رضي الله عنه لا يلزم الأمة حتى يوافق نص قرآن أو سنة وعمر كسائر الصحابة رضي الله عنهم لا يجوز أن يخصه بوجوب اتباعه دون غيره من الصحابة رضي الله
عنهم والثالث أن أولئك الخمسة رضي الله عنهم قد تبرؤا من الاختيار وجعلوه إلى واحد منهم يختار لهم وللمسلمين من رآه أهلاً للإمامة وهو عبد الرحمن بن عوف وما أنكر ذلك أحد من الصحابة الحاضرين ولا
الغائبين إذ بلغهم ذلك فقد صح إجماعهم على أن الإمامة تنعقد بواحد فإن قال قائل إنما جاز ذلك لأن خمسة من فضلاء المسلمين قلدوه قيل له إن كل هذا عندك اعتراضاً فالتزم مثله سواء سواء ممن قال لك إنما صح
عقد أولئك الخمسة لأن الإمام الميت قلدهم ذلك ولولا ذلك لم يجز عقدهم وبرهان ذلك أنه إنما عقد لهم الاختيار منهم لا من غيرهم فلو اختاروا من غيرهم لما لزم الانقياد لهم فلا يجوز عقد خمسة أو أكثر إلا
إذا قلدهم الإمام ذلك أو ممن قال لك إنما صح عقد أولئك الخمسة لإجماع فضلاء أهل ذلك العصر على الرضا بمن اختاروه ولو لم يجمعوا على الرضا به لما جاز عقدهم وهذا مما لا مخلص منه أصلاً فبطل هذا القول
بيقين لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فالواجب النظر في ذلك على ما أوجبه الله تعالى في القرآن والسنة وإجماع المسلمين كما افترض علينا عز وجل إذ يقول " يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " فوجدنا عقد الإمامة يصح بوجوه أولها وأفضلها وأصحها أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إماماً بعد موته وسواء فعل ذلك في صحته
أو في مرضه وعند موته إذ لا نص ولا إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وكما فعل أبو بكر بعمر وكما فعل سليمان بن عبد الملك بعمر بن عبد العزيز وهذا هو
الوجه الذي نختاره ونكره غيره لما في هذا الوجه من اتصال الإمامة وانتظام أمر الإسلام وأهله ورفع ما يتخوف من الاختلاف والشغب مما يتوقع في غيره من بقاء الأمة فوضى ومن انتشار الأمر وارتفاع النفوس
وحدوث الأطماع.
قال أبو محمد: إنما أنكر من أنكر من الصحابة رضي الله عنهم ومن التابعين بيعة يزيد بن معاوية والوليد وسليمان لأنهم كانوا غير مرضيين لا لأن الإمام عهد إليهم في حياته والوجه الثاني إن مات الإمام ولم
يعهد إلى أحد أن يبادر رجل مستحق للإمامة فيدعوا لي نفسه ولا منازع له ففرض أتباعه والانقياد لبيعته والتزام إمامته وطاعته كما فعل علي إذ قتل عثمان رضي الله عنهما وكما فعل ابن الزبير رضي الله عنهما
وقد فعل ذلك خالد بن الوليد إذ قتل الأمراء زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة فأخذ خالد الراية عن غير أمره وصوب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بلغه فعله وساعد خالداً جميع
المسلمين رضي الله عنهم أو أن يقوم كذلك عند ظهور منكر يراه فتلزم معاونته على البر والتقوى ولا يجوز التأخر عنه لأن لك معاونة على الإثم والعدوان وقد قال عز وجل " وتعاونوا على البر والتقوى ولا
تعاونوا على الإثم والعدوان " كما فعل زيد بن الوليد ومحمد بن هارون المهدي رحمهم الله والوجه الثالث أن يصير الإمام عند وفاته اختيار خليفة المسلمين إلى رجل ثقة أو إلى أكثر من واحد كما فعل عمر رضي
الله عنه عند موته وليس عندنا في هذا الوجه إلا التسليم لما أجمع عليه المسلمون حينئذ ولا يجوز التردد في الاختيار أكثر من ثلاث ليال للثبات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله من بات ليلة ليس في
عنقه بيعة ولأن المسلمين لم يجتمعوا على ذلك أكثر من ذلك والزيادة على ذلك باطل لا يحل على أن المسلمين يومئذ من حين موت عمر رضي الله عنه قد اعتقدوا بيعة لازمة في أعناقهم لازمة لأحد أولئك الستة بلا
شك فهم وإن لم يعرفوه بعينه فهو بلا شك واحد من أولئك الستة فبأحد هذه الوجوه تصح الإمامة ولا تصح بغير هذه الوجوه البتة.
قال أبو محمد: فإن مات الإمام ولم يعهد إلى إنسان بعينه فوثب رجل يصلح للإمامة فبايعه واحد فأكثر ثم قام آخر ينازعه ولو بطرفة عين بعده فالحق حق الأول وسواء كان الثاني أفضل منه أو مثله أو دونه لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم فوابيعة الأول فالأول من جاء ينازعه فاضربوا عنقه كائناً من كان فلو قام اثنان فصاعداً معاً في وقت واحد ويئس من معرفة أيهما سبقت بيعته نظر أفضلهما وأسوسهما فالحق له ووجب
نزع الآخر لقول الله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " ومن البر تقليد الاسوس وليس هذا بيعة متقدمة يجب الوفاء بها ومحاربة من نازع صاحبها فإن استويا في الفضل قدم
الأسوس نعم وإن كان أقل فضلاً إذا كان مؤدياً للفرائض والسنن مجتنباً للكبائر مستتراً بالصغائر لأن الغرض من الإمامة حسن السياسة والقوة على القيام بالأمور فإن استويا في الفضل والسياسة اقرع بينهما أو
نظر في غيرهما والله عز وجل لا يضيق على عباده هذا الضيق ولا يوقفهم على هذا الحرج لقوله تعالى " وما جعل عليكم في الدين من حرج " وهذا أعظم الحرج وبالله تعالى التوفيق.