إقتصاد الإقطاعات في السياسة السلطانية من خلال المسند لإبن مرزوق
1 Novembre 2008
Rédigé par Abdelkader HADOUCH عبد القادر حادوش et publié depuis
Overblog
يقدم إبن مرزوق إشارات هامة حول الإقتصاد المريني، حيث استمرت السياسة الإقتصادية
المعتمدة على الاقطاعات في عهد أبي الحسن المريني، والتي كانت من أبرز معالم التنظيم في العهد المريني وأحد أسسها منذ نشوء الدولة، حيث اتخذها المرينيون كركيزة أساسية للتحكم في سائر أنحاء
البلاد، والعملية تتم عبر اقطاع الأرض مقابل الخدمة للدولة، أي أن المجال يربط الفرد والعائلة والقبيلة بالدولة عبر نظرية المصلحة والإنتفاع المجالي المتعاقد عليه كملكية إنتفاعية مرحلية، وقد أورد إبن
مرزوق أن السلطان أبو الحسن اقتطع الأرض على طول طريق المسافرين مقابل أن يتولى السكان المستفيدين من الاقطاعات، مساعدة المسافرين وحماية أمتعتهم ويتحملون مسؤولية أي ضياع يقع، ويكون بذلك لسياسة
الاقطاعات أهمية في حراسة المجال بالوكالة وتحمل مسؤولية الأمن والإستقرار، وهذا لا يعني أن المجال المتعاقد عليه ينغلق عن المجالات الأخرى أو ينفرد بسياسة محلية مستقلة وإنما فقط تنفيذ توجهات السلطان
وجهازه المركزي، وقد خلقت هذه السياسة نبلاء الأرض القادمين من صفوف المخزن لاستحواذ وجهاء القوم والعمال على الاقطاعات الجماعية وفوائدها، لقد كانت سياسة الاقطاعات في العهد المريني خدماتية تسخيرية
لمراقبة المجال وربط سكانه بالدولة، بالإضافة حظور جانبين هامين أولهما شدة الانفاق على المشاريع الاجتماعية والعسكرية، المسند يقدم صورة عن مدى تخصيص امكانيات مادية هامة للاراضي الأندلسية الواقعة تحت
نفوذ المرينيين وخاصة جبل طارق، الذي كان قاعدة في مواجهة حملات الجبهة المسيحية، ونقطة الاتصال مع الغرناطيين، فتطلب ذلك إقامة تحصينات عسكرية وتقديم رواتب الى الحشود المرينية بجبل طارق، وكذا امدادها
بالمواد الغذائية من الحبوب والزيت وغيرها
أما الجانب الثاني فهو الغاء الضرائب الغير الشرعية كالمكوس المفروض على المواشي:" أما ما احتظ له مما رفعة بمدينة فاس المحروسة فأولها ما كان يدفع من فوائد المروس، كان يؤخذ عن ذلك مال جيسم يصرف في
مرتبات النصارى الملازمين للخدمة، وهو مال طائل ينتهي عدد النصارى الى ثلاثة آلاف فارس وإن قلوا فإلى الفين، ورواتبهم كبيرة من الخمسين دينارا من الذهب الى خمسة دنانير ذهبا كل شهر...."، كما أسقط
المغارم التي كان يؤديها المزارعون ويسمى المغرم في النخل والزرع الجمون، وكانت تدفع ذهبا، والمغارم خاصة بالبوادي إذ يعبر عن ذلك إبن مرزوق بقوله:" ومما رفعه...عن أهل البوادي جملة ألقاب لا تحصى
كالخرص والبرنس والضيافة والانزال والقاعة والخطيئة، وهذه كلها ألقاب يعرفها أهل المغرب،.... وهذه حوالي أحدثها العمال قديما وهلك الخلائق بسببها، فلم يبقى لها في المغرب أثرا"، إلا أنه حينما استولى
على المغرب الأوسط وإفريقية أسقط الربع فقط من المكوس والمغارم، كما حارب الاحتكار، وتخلص من اليهود والنصارى في ميدان إدارة الجبايات، كما عبرعن ذلك إبن مرزوق بقوله:" ولم يبق لذمي ولاية على مسلم في
المجابي"، كما عمل على الحد من قطاع الطرق، إذ كانوا يتحايلون على القاطنين والغرباء ليأخذوا أموالهم بطرق غير شرعية
إن هذه السياسة الضرائبية يعتبرها المؤلف إقرار للشريعة على اعتبار أن فقهاء المالكية لا يؤمنون الا بالضرائب القرآنية كالزكاة العشر، ومن هذا المنطلق يعتبرها إبن مرزوق تنظيم يعيد الإستقرار والامن
الإجتماعي، وعملية ساهمت في تجسيد نفوذ السلطان لدى الفلاحين والتجار، وبهذه العملية أعاد السلطان تحالف السلطة المركزية مع أهل الحل والعقد، في نفس الوقت يشير المؤلف إلى فشل هذا التنظيم الضرائبي نظرا
للاحتياجات الكبرى للدولة المحاربة على الجبهة الشرقية من حدودها، وقد عبر عن ذلك بقوله:" والجبايات قد قصرت عن إقامة الاود، وقد أتى على الكثير من دخائره والاعلاق النفيسة من السقط الذي لم يجتمع مثله
في خزانة ملك قبله"، هذه الأزمة المالية كانت في مرحلة وجود السلطان بتونس، وهو ما يفسر إلى حد كبير محاولة القضاء على القبائل العربية البدوية في الجنوب التونسي، والتي كانت تستنزف قوة الدولة المالية
بجبايتها لمناطق عديدة من ضواحي المدن كل سنة، خاصة وأن الضواحي مجالات حيوية وغنية على المستوى الفلاحي بالنسبة للحواضر
خلاصة القول أن المسند الصحيح يقدم جانبا هاما من التنظيم الإقتصادي أكثر مما يقدم اقتصاديات المغرب، نظرا لأن هدف إبن مرزوق هو التأكيد على أهمية ما استحدثه تنظيميا أبو الحسن، وتصرفه في مناحي التشريع
القانوني المنظم للاقتصاد انطلاقا من حدود الشريعة وخاصة التزامه بعدم فرض الضرائب الغير الشرعية