الإدارة في السياسة السلطانية من خلال المسند الصحيح لإبن مرزوق
1 Novembre 2008
Rédigé par Abdelkader HADOUCH عبد القادر حادوش et publié depuis
Overblog
يقدم المسند صورة عن التنظيم الإداري المريني في عهد أبي الحسن، ويمكن منذ البداية
تقسيم هذا الجهاز إلى قسمين: القسم الأول متمثل في المسؤولين المباشرين الذين يتولون المناصب الإدارية، والقسم الثاني يتكون من المجلس السلطاني العلمي الذي يظم الفقهاء وشيوخ القبائل المرينية، ويعتبر
هذا القسم قسم إستشاري ومدعم لمختلف الإدارات المرينية أي الخدمة على مستوى الدواوين
ففي ما يخص الوزراء فقد تولى أبو ثابت عامر بن فتح الله الذي اشتهرت أسرته بخدمة المرينيين، وبعد وفاته في موقعة طريف تولى أبو مجاهد غازي بن الكاس، وتوفي هو كذلك في موقعة طريف، وكذا حركات بن طلحة بن
تحضريت الذي ظهر كشخصية بارزة في البلاط المريني، وقد نكبه أبو الحسن بعد أن حاول الاستبداد بالسلطة السياسية، وتولى كذلك أبو سرحان مسعود بن عمر الفودودي الذي توفي بتونس، وأبو زيد عبد الرحمان المدعو
برحو من بني فودود، وغيرهم من الوزراء، ولقد ترجم إبن مرزوق لهؤلاء الوزراء وأكد على تحملهم للمسؤولية مبرزا خصالهم في مجال التسيير الاداري، ولد اقتصرنا على ذكر هؤلاء الوزراء، لأن أبنائهم من بعدهم
يتولون نفس المناصب ويلعبون أدوارا كبرى في الصراعات الداخلية خاصة في مرحلة السيطرة الداخلية للوزراء، التي ستتضح معالمها مع أبي سالم المريني كعائلة الفودودي وأبناء الكاس، هذه الإستمرارية توضح نوع
من الوراثة لهذا المنصب
يشير المسند الى سيطرة بعض الوزراء وتصرفاتهم اتجاه الرعية وخاصة معرف محمد بن يحياتن العسري بقوله:" فلما ظهرت عاديته وبان منه الجور والظلم" وكذا قوله:" توفي في ايالة المولى عنان على حال فاقة وشدة
عادت عليه ظلاماته، فأورثته الذلة والفقر" وكذا قوله:" وخلف من عمل العظائم وارتكب الجرائم، واستحل المحارم ولده عمر عمر الله به زوايا الجحيم" ولعل منبع هذا الهجوم هو أن عمر بن عبد الله هو الذي نكبه
أيام السلطان أبي سالم، ورغم ما يمكن قوله في حساسية المؤلف، فإن المصادر التاريخية تشير الى دور الوزراء في صنع القرار المريني وخاصة في مجال الإنقلابات ضد السلاطين
أما كتابة الرسائل والبطائق فقد تولى أبو محمد المهيمن رئاسة ديوان الكتابة، وكذلك كاتب العزفيين سابقا أبو محمد عبد الله المرسي السبتي، وأبو عبد الله بن يوسف بن رضوان، وأبو زيد عبد الرحمان بن
الأشقر، وقد أثنى المؤلف على أهليتهم العلمية، ولقد كانت مناصب الكتابة تتطلب معرفة علمية لعل أبرز مثال على ذلك اشارته الى ابراهيم بن عبد الله بن الحاج النميري صاحب كتاب فيض العباب
وفي ديوان الخراج تولى أبو الحسن القبائلي، وأبو علي بن محمد بن سعود، وكذا أبو الفضل بن عبد الله بن أبي مدين العثماني،واذا كان ديوان الخراج وغيره من الدواوين لا تعتبر ظواهر مستحدثة في التنظيم
المريني فإن الأهمية تكمن حسب تفسير إبن مرزوق في أنه:" لم يستعمل أحدا من أهل الذمة في هذه الخطة، كما استعمله غيره، وهذا معروف بالمشرق الان، وقديما عهد بالمغرب والأندلس، ولم يتخذهم أطباء، كما فعل
غيره، ولا خزنة أموال كما تقدم لغيره" ويشير إبن مرزوق إلى تأثر أبي الحسن بالقصيدة التي نظمها الإمام أبي اسحاق ابراهيم بن مسعود الألبيري في تحريض أهل صنهاجة على اليهود، ولقد أوكل الى القضاة والعمال
بمختلف الأقاليم مهمة رعاية المواطنين والنظر في أمورهم وحاجياتهم، ويشكل الفقهاء الوجه البارز في مجال القضاء والنظر في أمور الرعية، إذ يقدم لنا المؤلف أن السلطان أبا الحسن بنى قبة العدل في منصورة
تلمسان وكذلك بمدينة سبتة، وشكل مجلسا قضائيا يظم خيرة فقهاء مجلسه، كالفقيه أبو عبد الله الرندي والفقيه أبو عبد الله السطي والفقيه أبو العباس بن يربوع وغيرهم، وقد جمع مجلس أبي الحسن المريني العديد
من الفقهاء الذين تولوا منصب الكتابة أو الوزارة الى جانب مهامهم في المجلس القضائي
أما القسم الثاني الذي يعتبر مسؤولا في الإدارة المرينية بطريقة غير مباشرة وهم الجلساء الخاصين للسلطان والمكونين للمجلس العلمي، ويظم هذا المجلس أشياخ بني مرين والعلماء من مختلف أقطار الغرب
الإسلامي، مما جعل المجلس السلطاني لا يمكن حصر رجالاته بدقة، لكثرتهم وتفضيلهم العيش في كنف الدولة نظرا لطبيعة هذه النخبة الإجتماعية
لقد قدم إبن مرزوق إدارة الدولة في عهد أبي الحسن المريني كإدارة ديناميكية في خدمتها لمشاريع السلطان وإصلاحاته، إلا أن هذه الإدارة في تركيبتها الإجتماعية وممارستها الإدارية والسياسية بقيت على
المنهاج الكلاسيكي المتعارف عليه في التاريخ المغربي