Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Histoire du Maghreb تاريخ المغرب الكبير

الموالي والمصطنعين في الدول من مقدمة عبد الرحمان إبن خلدون

في استظهار صاحب الدولة على قومه

و أهل عصبيته بالموالي و المصطنعين

إعلم أن صاحب الدولة إنما يتم أمره كما قلناه بقومه فهم عصابته و ظهراؤه على شأنه و بهم يقارع الخوارج على دولته و منهم يقلد أعمال مملكته و وزارة دولته و جباية أموله لأنهم أعوانه على الغلب و شركاؤه في الأمر و مساهموه في سائر مهماته هذا ما دام الطور الأول للدولة كما قلناه فإذا جاء الطور الثاني و ظهر الاستبداد عنهم و الانفراد بالمجد و دافعهم عنه بالمراح صاروا في حقيقة الأمر من بعض أعدائه و احتاج في مدافعتهم عن الأمر و صدهم عن المشاركة إلى أولياء آخرين من غير جلدتهم يستظهر بهم عليهم و يتولاهم دونهم فيكونون أقرب إليه من سائرهم و أخص به قرباً و اصطناعاً و أولى إيثاراً و جاهاً لما أنهم يستميتون دونه في مدافعة قومه عن الأمر الذي كان لهم و الرتبة التي ألفوها في مشاركتهم فيستخلصهم صاحب الدولة و يخصهم بمزيد التكرمة و الإيثار و يقسم لهم ما للكثير من قومه و يقلدهم جليل الأعمال و الولايات من الوزارة و القيادة و الجباية و ما يختص به لنفسه و تكون خالصة له دون قومه من ألقاب المملكة لأنهم حينئذ أولياؤه الأقربون و نصحاؤه المخلصون و ذلك حينئذ مؤذن باهتضام الدولة و علامة على المرض المزمن فيها لفساد العصبية التي كان بناء الغلب عليها.

و مرض قلوب أهل الدولة حينئذ من الامتهان و عداوة السلطان فيضطغنون عليه و يتربصون به الدوائر و يعود وبال ذلك على الدولة و لا يطمع في برئها من هذا الداء لأنه ما مضى يتأكد في الأعقاب إلى أن ذهب رسمها و اعتبر ذلك في دولة بني أمية كيف كانوا إنما يستظهرون في حروبهم و ولاية أعمالهم برجال العرب مثل عمرو بن سعد بن أبي و قاص و عبد الله بن زياد بن أبي سفيان والحجاج بن يوسف و المهلب بن أبي صفرة و خالد بن عبد الله القسري و ابن هبيرة و موسى بن نصير و بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري و نصر بن سيار و أمثالهم من رجالات العرب و كذا صدر من دولة بني العباس كان الاستظهار فيها أيضاً برجالات العرب فلما صارت الدولة للانفراد بالمجد و كبح العرب عن التطاول للولايات صارت الوزارة للعجم و الصنائع من البرامكة و بني سهل بن نوبخت و بني طاهر ثم بني بويه و موالي الترك مثل بغا و وصيف و أثلمش و باكناك و ابن طولون و أبنائهم و غير هؤلاء من موالي العجم فتكون الدولة لغير من مهدها و العز لغير من اجتلبه سنة الله في عباده و الله تعالى أعلم.

 

 

في أحوال الموالي و المصطنعين في الدول

إعلم أن المصطنعين في الدول يتفاوتون في الالتحام بصاحب الدولة بتفاوت قديمهم و حديثهم في الالتحام بصاحبها و السبب في ذلك أن المقصود في العصبية من المدافعة و المغالبة إنما يتم بالنسب لأجل التناصر في ذوي الأرحام و القربى و التخاذل في الأجانب و البعداء كما قدمناه و الولاية و المخالطة بالرق أو بالحلف تتنزل منزلة ذلك لأن أمر النسب و إن كان طبيعياً فإنما هو وهمي و المعنى الذي كان به الالتحام إنما هو العشرة و المدافعة و طول الممارسة و الصحبة بالمربى و الرضاع و سائر أحوال الموت و الحياة و إذا حصل الالتحام بذلك جاءت النعرة و التناصر و هذا مشاهد بين الناس و اعتبر مثله في الاصطناع فإنه يحدث بين المصطنع و من اصطنعه نسبة خاصة من الوصلة تتنزل هذه المنزلة و تؤكد اللحمة و إن لم يكن نسب فثمرات النسب موجودة فإذا كانت هذه الولاية بين القبيل و بين أوليائهم قبل حصول الملك لهم كانت عروقها أوشج و عقائدها أصح و نسبها أصرح لوجهين أحدهما أنهم قبل الملك أسوة في حالهم فلا يتميز النسب عن الولاية إلا عند الأقل منهم فينزلون منهم منزلة ذوي قرابتهم و أهل أرحامهم و إذا اصطنعوهم بعد الملك كانت مرتبة الملك مميزة للسيد عن المولى. و لأهل القرابة عن أهل الولاية و الاصطناع لما تقتضيه أحوال الرئاسة و الملك من تميز الرتب و تفاوتها فتتميز حالتهم و يتنزلون منزلة الأجانب و يكون الالتحام بينهم أضعف و التناصر لذلك أبعد و ذلك انقص من الاصطناع قبل الملك.

الوجه الثاني أن الاصطناع قبل الملك يبعد عهده عن أهل الدولة بطول الزمان و يخفي شأن تلك اللحمة و يظن بها في الأكثر النسب فيقوى حال العصبية و أما بعد الملك فيقرب العهد و يستوي في معرفته الأكثر فتتبين اللحمة و تتميز عن النسب فتضعف العصبية بالنسبة إلى الولاية التي كانت قبل الدولة و اعتبر ذلك في الدول و الرئاسات تجده فكل من كان اصطناعه قبل حصول الرئاسة و الملك لمصطنعه تجده أشد التحاماً به و أقرب قرابةً إليه و يتنزل منه منزلة أبنائه و إخوانه و ذوي رحمه و من كان اصطناعه بعد حصول الملك و الرئاسة لمصطنعه لا يكون له من القرابة و اللحمة ما للأولين و هذا مشاهد بالعيان حتى أن الدولة في آخر عمرها ترجع إلى الشمال الأجانب و اصطناعهم و لا يبنى لهم مجد كما بناه المصطنعون قبل الدولة لقرب العهد حينئذ بأوليتهم و مشارفة الدولة على الانقراض فيكونون منحطين في مهاوي الضعة.

و إنما يحمل صاحب الدولة على اصطناعهم و العدول إليهم عن أوليائها الأقدمين و صنائعها الأولين ما يعتريهم في أنفسهم من العزة على صاحب الدولة و قلة الخضوع له و نظره بما ينظره به قبيله و أهل نسبه لتأكد اللحمة منذ العصور المتطاولة بالمربى و الاتصال بآبائه و سلف قومه و الانتظام مع كبراء أهل بيته فيحصل لهم بذلك دالة عليه و اعتزاز فينافرهم بسببها صاحب الدولة و يعدل عنهم إلى استعمال سواهم و يكون عهد استخلاصهم و اصطناعهم قريباً فلا يبلغون رتب المجد و يبقون على حالهم من الخارجية و هكذا شأن الدول في أواخرها و أكثر ما يطلق اسم الصنائع و الأولياء على الأولين و أما هؤلاء المحدثون فخدم و أعوان والله ولي المؤمنين و هو على كل شيء وكيل.

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :