24 Février 2009
قال الفقيه الإمام الأوحد أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشا النجدات من الخوارج فإنهم قال وا لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم وهذه فرقة ما نرى بقي منهم أحد وهم المنسوبون إلى نجدة بن عمير الحنفي القائم باليمامة.
قال أبو محمد: وقول هذه الفرقة ساقط يكفي من الرد عليه وإبطاله إجماع كل من ذكرنا على بطلانه والقرآن والسنة قد ورد بإيجاب الإمام من ذلك قول الله تعالى "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأئمة وإيجاب الإمامة وأيضاً فإن الله عز وجل يقول "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" فوجب اليقين بأن الله تعالى لا يكلف الناس ما ليس في بنيتهم واحتمالهم وقد علمنا بضرورة العقل وبديهته أن قيام الناس بما أوجبه الله تعالى من الأحكام عليهم في الأموال والجنايات والدماء والنكاح والطلاق وسائر الأحكام كلها ومنع الظالم وإنصاف المظلوم وأخذ القصاص على تباعد أقطارهم وشواغلهم واختلاف آرائهم وامتناع من تحرى في كل ذلك ممتنع غير ممكن إذ قد يريد واحد أو جماعة أن يحكم عليهم إنسان ويريد آخر أو جماعة أخرى أن لا يحكم عليهم إما لأنها ترد في اجتهادها خلاف ما رأى هؤلاء وإما خلافاً مجرداً عليهم وهذا الذي لا بد منه ضرورة وهذا مشاهد في البلاد التي لا رئيس لها فإنه لا يقام هناك حكم حق ولا حد حتى قد ذهب الدين في أكثرها فلا تصح إقامة الدين إلا بالإسناد إلى واحد أو إلى أكثر من واحد فإذ لا بد من أحد هذين الوجهين فإن الاثنين فصاعداً بينهما أو بينهم ما ذكرنا فلا يتم أمر البتة فلم يبق وجه تتم به الأمور إلا الإسناد إلى واحد فاضل عالم حسن السياسة قوي على الإنفاذ إلا أنه وإن كان بخلاف ما ذكرنا فالظلم والإهمال معه أقل منه مع الاثنين فصاعدا وإذ ذلك كذلك ففرض لازم لكل الناس أن يكفوا من الظلم ما أمكنهم إن قدروا على كف كله لزمهم ذلك وإلا فكف ما قدروا على كفه منه ولو قضية واحدة لا يجوز غير ذلك ثم اتفق من ذكرنا ممن يرى فرض الإمامة على أنه لا يجوز كون إمامين في وقت واحد في العالم ولا يجوز إلا إمام واحد إلا محمد بن كرام السجستاني وأبا الصباح السمرقندي وأصحابهما فإنهم أجازوا كون إمامين في وقت وأكثر في وقت واحد واحتج هؤلاء بقول الأنصار أو من قال منهم يوم السقيفة للمهاجرين منا أمير ومنكم أمير واحتجوا أيضاً بأمر علي والحسن مع معاوية رضي الله عنهم.
قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه لأن قول الأنصار رضي الله عنهم ما ذكرنا لم يكن صواباً بل كان خطأ إذا أداهم إليه الاجتهاد وخالفهم فيه المهاجرون ولا بد إذا اختلف القائلان على قولين متنافين من أن يكون أحدهما حقاً والآخر خطأ وإذ ذلك كذلك فواجب رد ما تنازعوا فيه إلى ما افترض الله عز وجل الرد إليه عند التنازع إذ يقول تعالى "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر" فنظرنا في ذلك فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إذا بويع لإمامين فاقتلوا الآخر منهما و قال تعالى "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا" و قال تعالى "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" فحرم الله عز وجل التفرق والتنازع وإذا كان إمامان فقد حصل التفرق المحرم فوجد التنازع ووقعت المعصية لله تعالى وقلنا ما لا يحل لنا وأما من طريق النظر والمصلحة فلو جاز أن يكون في العالم إمامان لجاز أن يكون فيه ثلاثة وأربعة وأكثر فإن منع من ذلك مانع كان متحكماً بلا برهان ومدعياً بلا دليل وهذا الباطل الذي لا يعجز عنه أحد وإن جاز ذلك زاد الأمر حتى يكون في كل عالم إمام أو في كل مدينة إمام أو في كل قرية إمام أو يكون كل أحد إماماً وخليفة في منزله وهذا هو الفساد المحض وهلاك الدين والدنيا فصح أن قول الأنصار رضي الله عنهم وهلة وخطأ رجعوا عنه إلى الحق وعصمهم الله تعالى من التمادي عليه وأما أمر علي والحسن ومعاوية فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنذر بخارحة تخرج من طائفتين من أمة يقتلها أولي الطائفتين بالحق فكان قاتل تلك الطائفة علي رضي الله عنه فهو صاحب الحق بلا شك وكذلك أنذر عليه السلام بأن عماراً تقتله الفئة الباغية فصح أن علياً هو صاحب الحق وكان علي السابق إلى الإمامة فصح بعد أنه صاحبها وأن من نازعه فيها فمخطئ فمعاوية رحمه الله مخطئ مأجور مرة لأنه مجتهد ولا حجة في خطأ المخطئ فبطل قول هذه الطائفة وأيضاً فإن قول الأنصار رضي الله عنهم منا أمير يخرج على أنهم إنما أرادوا أن يلي وال منهم فإذا مات ولي من المهاجرين آخر وهكذا أبداً لا على أن يكون إمامان في وقت وهذا هو الأظهر من كلامهم وأما علي ومعاوية رضي الله عنهما فما سلم قط أحدهما للآخر بل كل واحد منهما يزعم أنه المحق وكذلك كان الحسن رضي الله عنه إلى أن أسلم الأمر إلى معاوية فإذ هذا كذلك فقد صح الإجماع على بطلان قول ابن كرام وأبي الصباح وبطل أن يكون لهم تعلق في شيء أصلاً وبالله تعالى التوفيق ثم اختلف القائلون بوجوب الإمامة على قريش فذهب أهل السنة وجميع الشيعة وبعض المعتزلة وجمهور المرجئة إلى أن الإمامة لا تجوز إلا في قريش خاصة من كان من ولد فهر بن مالك وأنها لا تجوز فيمن كان أبوه من غير بني فهر بن مالك وإن كانت أمه من قريش ولا في حليف ولا في مولى وذهبت الخوارج كلها وجمهور المعتزلة وبعض المرجئة إلى أنها جايزة في كل من قام بالكتاب والسنة قرشياً كان أو عربياً أو ابن عبد و قال ضرار بن عمرو الغطفاني إذا اجتمع حبشي وقرشي كلاهما قائم بالكتاب والسنة فالواجب أن يقدم الحبشي لأنه قال أبو محمد: وبوجوب الإمامة في ولد فهر بن مالك خاصة نقول بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الأئمة من قريش وعلى أن الإمامة في قريش وهذه رواية جاءت مجيء التواتر ورواها أنس بن مالك وعبد الله بن عمر بن الخطاب ومعاوية وروي جابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وعبادة بن الصامت معناها ومما يدل على صحة ذلك إذعان الأنصار رضي الله عنهم يوم السقيفة وهم أهل الدار والمنعة والعدة والعدد والسابقة في الإسلام رضي الله عنهم ومن المحال أن يتركوا اجتهادهم لاجتهاد غيرهم لولا قيام الحجة عليهم بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الحق لغيرهم في ذلك فإن قال قائل أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأئمة من قريش يدخل في ذلك الحليف والمولى وابن الأخت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مولي القوم منهم ومن أنفسهم وابن أخت القوم منهم فالجواب وبالله تعالى التوفيق أن الإجماع قد تيقن وصح على أن حكم الحليف والمولى وابن الأخت كحكم من ليس له حليف ولا مولى ولا ابن أخت فمن أجاز الإمامة في غير هؤلاء جوزها في هؤلاء ومن منعها من غير قريش منعها من الحليف والمولى وابن الأخت فإذا صح البرهان بأن لا يكون إلا في قريش لا فيمن ليس قرشياً صح بالإجماع أن حليف قريش ومولاهم وابن أختهم كحكم من ليس قرشياً وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: و قال قوم أن اسم الإمامة قد يقع على الفقيه العالم وعلى متولي الصلاة بأهل مسجد ما قلنا نعم لا يقع على هؤلاء إلا بالإضافة لا بالإطلاق في قال فلان إمام في الدين وإمام بني فلان فلا يطلق لأحدهم اسم الإمامة بلا خلاف من أحد من الأمة إلا على المتولي لأمور أهل الإسلام فإن قال قائل بأن اسم الإمارة واقع بلا خلاف على من ولي جهة من جهات المسلمين وقد سمي بالأمارة كل من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جهة من الجهات أو سرية أو جيشاً وهؤلاء مؤمنون فما المانع من أن يوقع على كل واحد اسم أمير المؤمنين فجوابنا وبالله التوفيق أن الكذب محرم بلا خلاف وكل ما ذكرنا فإنما هو أمير لبعض المؤمنين لا لكلهم فلو سمي أمير المؤمنين لكان مسميه بذلك كاذباً لأن هذه اللفظة تقتضي عموم جميع المؤمنين وهو ليس كذلك وإنما هو أمير بعض المؤمنين فصح أنه ليس يجوز البتة أن يوقع اسم الإمامة مطلقاً ولا اسم أمير المؤمنين إلا على القرشي المتولي لجميع أمور المؤمنين كلهم أو الواجب له ذلك وإن عصاه كثير من المؤمنين وخرجوا عن الواجب عليهم من طاعته والمفترض عليهم من بيعته فكانوا بذلك فئة باغية حلالاً قتالهم وحربهم وكذلك اسم الخلافة بإطلاق لا يجوز أيضاً إلا لمن هذه صفته وبالله التوفيق واختلف القائلون بأن الإمامة لا تجوز إلا في صلبة قريش فقالت طائفة هي جائزة في جميع ولد فهر بن مالك فقط وهذا قول أهل السنة وجمهور المرجئة وبعض المعتزلة و قالت طائفة لا تجوز الخلافة إلى في ولد العباس بن عبد المطلب وهو قول الراوندية و قالت طائفة لا تجوز الخلافة إلا في ولد علي ابن أبي طالب ثم قصروها على عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وبلغنا عن بعض بني الحارث بن عبد المطلب أنه كان يقول لا تجوز الخلافة إلا في بني عبد المطلب خاصة ويراها في جميع ولد عبد المطلب وهم أبو طالب وأبو لهب والحارث والعباس وبلغنا عن رجل كان بالأردن يقول لا تجوز الخلافة إلا في بني أمية بن عبد شمس وكان له في ذلك تأليف مجموع وروينا كتاباً مؤلفاً لرجل من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحتج فيه بأن الخلافة لا تجوز إلا لولد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
قال أبو محمد: فأما هذه الفرق الأربع فما وجدنا لهم شبهة يستحق أن يشتغل بها إلا دعاوي كاذبة لا وجه لها وإنما الكلام مع الذين يرون الأمر لولد العباس أو لولد علي فقط لكثرة عددهم.
قال أبو محمد: احتج من ذهب إلى أن الخلافة لا تجوز إلى في ولد العباس فقط على أن الخلفاء من ولده وكل من له حظ من علم من غير الخلفاء منهم لا يرضون بهذا ولا يقولون به لكن تلك الطائفة قالت كان العباس عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووارثه فإذا كان ذلك قال أبو محمد: وهذا ليس بشيء لأن ميراث العباس رضي الله عنه لو وجب له لكان ذلك في المال خاصة وأما المرتبة فما جاء قط في الديانات أنها تورث فبطل هذا التمويه جملة ولله الحمد ولو جاز أن تورث المراتب لكان من ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكاناً ما إذا مات وجب أن يرث تلك الولاية عاصبه ووارثه وهذا ما لا يقولونه فكيف وقد صح بإجماع جميع أهل القبلة حاشا الروافض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقة فإن اعترض معترض بقول الله عز وجل " وورث سليمان داود " وبقوله تعالى حاكياً عن زكريا عليه السلام أنه قال " فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً ".
قال أبو محمد: وهذا لا حجة فيه لأن الرواة حملة الأخبار وجميع التواريخ القديمة كلها وكواف بني إسرائيل ينقلون بلا خلاف نقلاً يوجب العلم أن داود عليه السلام كان له بنون غير سليمان عليه السلام فصح أنه ورث النبوة وبرهان ذلك أنهم كلهم مجمعون على أنه عليه السلام ولي مكان أبيه عليهما السلام وليس له إلا اثنتي عشرة سنة ولداود أربعة وعشرون ابناً كباراً وصغاراً وهكذا القول في ميراث يحيى بن زكريا عليهما السلام وبرهان ذلك من نص الآية نفسها قوله عليه السلام " يرثني ويرث من آل يعقوب " وهم مئوا ألوف يرث عنه النبوة فقط وأيضاً فمن المحال أن يرغب زكريا عليه السلام في ولد يحجب عصبته عن ميراث فإنما يرغب في هذه الخطة ذو الحرص على الدنيا وحطامها وقد نزه الله عز وجل مريم عليها السلام التي كانت في كفالته من المعجزات قال تعالى " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " إلى قوله " إنك سميع الدعاء " وعلى هذا المعنى دعا ف قال " هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضياً " وأما من اغتر بقوله تعالى حاكياً عنه عليه السلام أنه قال " وإني خفت الموالي من ورائي " قيل له بطلان هذا الظن أن الله تعالى لم يعطه ولداً يكون له عقب فيتصل الميراث لهم بل أعطاه ولداً محصوراً لا يقرب النساء قال تعالى " وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين " فصح ضرورة أنه عليه السلام إنما طلب ولداً نبياً لا ولداً يرث المال وأيضاً فلم يكن العباس محيطاً بميراث النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان يكون له ثلاثة أثمانه فقط وأما ميراث المكانة فقد كان العباس رضي الله عنه حياً قائماً إذ مات النبي صلى الله عليه وسلم فما ادعي العباس لنفسه قط في ذلك حقاً لا حينئذ ولا بعد ذلك وجاءت الشورى فما ذكر فيها ولا أنكر هو ولا غيره ترك ذكره فيها فصح أنه رأى محدث فاسد لا وجه للاشتغال به والخلفاء من ولده والأفاضل منهم من غير الخلفاء لا يرون لأنفسهم بهذه الدعوى ترفعاً عن سقوطها ووهيها وبالله تعالى التوفيق " وأما القائلون بأن الإمامة لا تكون إلا في ولد علي بن أبي طالب أنه الخليفة بعده وأن الصحابة بعده عليه السلام اتفقوا على ظلمه وعلى كتمان نص النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء المسمون الروافض وطائفة قالت لم ينص النبي صلى الله عليه وسلم على علي لكنه كان أفصل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالأمر وهؤلاء هم الزيدية نسبوا إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ثم اختلفت الزيدية فرقاً ف قالت طائفة أن الصحابة ظلموه وكفروا من خالفه من الصحابة وهم الجارودية و قالت أخرى أن الصحابة رضي الله عنهم لم يظلموه لكنه طابت نفسه بتسليم حقه إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأنهما إماما هدى ووقف بعضهم في عثمان رضي الله عنه وتولاه بعضهم وذكرت طائفة أن هذا كان مذهب الفقيه الحسن بن صالح بن حي الهمداني.
قال أبو محمد: وهذا خطأ وقد رأيت لهشام بن الحكم الرافضي الكوفي في كتابه المعروف بالميزان وقد ذكر الحسن بن حي وأن مذهبه كان أن الإمامة في جميع ولد فهر بن مالك.
قال أبو محمد: وهذا الذي لا يليق بالحسن بن حي غيره فإنه كان أحد أئمة الدين وهشام ابن الحكم أعلم به ممن نسب إليه غير ذلك لأن هشاماً كان جاره بالكوفة وأعرف الناس به وأدركه وشاهده والحسن بن حي رحمه الله يحتج بمعاوية رضي الله عنه وبابن الزبير رضي الله عنهما وهذا مشهور عنه في كتبه ورواياته من روي عنه وجميع الزيدية لا يختلفون في أن الإمامة في جميع ولد علي بن أبي طالب من خرج منهم يدعو إلى الكتاب والسنة وجب سل السيف معه و قالت الروافض الإمامة في علي وحده بالنص عليه ثم في الحسن ثم في الحسين وادعوا نصاً آخر من النبي صلى الله عليه وسلم عليهما بعد أبيهما ثم علي بن الحسين لقول الله عز وجل " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " قال وا فولد الحسين أحق من أخيه ثم محمد بن علي بن الحسين ثم جعفر بن محمد بن علي بن الحسين وهذا مذهب جميع متكلميهم كهشام بن الحكم وهشام الجواليقي وداود المواري وداود الرقي وعلي بن منصور وعلي بن هيثم وأبي علي السكاك تلميذ هشام بن الحكم ومحمد بن جعفر بن النعمان شيطان الطاق وأبي ملك الحضرمي وغيرهم ثم افترقت الرافضة بعد موت هؤلاء المذكورين وموت جعفر بن محمد فقالت طائفة بإمامة ابنه إسماعيل بن جعفر و قالت طائفة بإمامة ابنه محمد بن جعفر وهم قليل و قالت طائفة جعفر حي لم يمت و قال جمهور الرافضة بإمامة ابنه موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي بن موسى ثم علي بن محمد بن علي بن موسى ثم الحسن بن علي ثم مات الحسن عن غير عقب فافترقوا فرقاً وثبت جمهورهم على أنه ولد للحسن بن علي ولد فأخفاه وقيل بل ولد له بعد موته من جارية له اسمها صقيل وهو الأشهر و قال بعضهم بل من جارية اسمها نرجس و قال بعضهم بل من جارية له اسمها سوسن والأظهر أن اسمها صقيل لأن صقيل هذه ادعت الحمل بعد الحسن بن علي سيدها فوقف ميراثه لذلك سبع سنين ونازعها في ذلك أخوه جعفر بن علي وتعصب لها جماعة من أرباب الدولة وتعصب لجعفر آخرون ثم انفش ذلك الحمل وبطل وأخذ الميراث جعفر أخوه وكان موت الحسن هذا سنة ستين ومائتين وزادت فتنة الروافض بصقيل هذه ودعواها إلى أن حبسها المعتضد بعد نيف وعشرين سنة من موت سيدها وقد عير بها أنها في منزل الحسن بن جعفر النوبختي الكاتب فوجدت فيه وحملت إلى قصر المعتضد فبقيت هنالك إلى أن ماتت في القصر في أيام المقتدر فهم إلى اليوم ينتظرون ضالة منذ مائة عام وثمانين عاماً وكانت طائفة قديمة قد بادت كان رئيسهم المختار بن أبي عبيد وكيسان أبا عمرة وغيرهما يذهبون إلى أن الإمام بعد الحسين محمد أخوه المعروف بابن الحنيفة ومن هذه الطائفة كان السيد الحميري وكثير عزة الشاعران وكانوا يقولون أن محمد ابن الحنيفة حي بجبل رضوي ولهم من التخليط ما تضيق عنه الصحف.
قال أبو محمد: وعمدة هذه الطوائف كلها في الاحتجاج أحاديث موضوعة مكذوبة لا يعجز عن توليد مثلها من لا دين له ولا حياء.
قال أبو محمد: لا معنى لاحتجاجنا عليهم برواياتنا فهم لا يصدقونا ولا معنى لاحتجاجهم علينا برواياتهم فنحن لا نصدقها وإنما يجب أن يحتج الخصوم بعضهم على بعض بما يصدقه الذي تقام عليه الحجة به سواء صدقه المحتج أو لم يصدقه لأن من صدق بشيء لزمه القول به أو بما يوجبه العلم الضروري فيصير الخصم يومئذ مكابراً منقطعاً أن ثبت على ما كان عليه إلا أن بعض ما يشغبون به أحاديث صحاح نوافقهم على صحتها منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.
قال أبو محمد: وهذا لا يوجب له فضلاً على من سواه ولا استحقاق الإمامة بعده عليه السلام لأن هارون لم يل أمر بني إسرائيل بعد موسى عليهما السلام وإنما ولي الأمر بعد موسى عليه السلام يوشع بن نون فتى موسى وصاحبه الذي سافر معه في طلب الخضر عليهما السلام كما ولي الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة وإذا لم يكن علي نبياً كما كان هارون نبياً ولا كان خليفة بعد موت موسى على بني إسرائيل فقد صح أن كونه رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة هارون من موسى إنما هو في القرابة فقط وأيضاً فإنما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول إذ استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ف قال المنافقون استقله فخلفه فلحق علي برسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى ذلك إليه ف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ أنت مني بمنزلة هارون من موسى يريد عليه السلام أنه استخلفه على المدينة مختاراً استخلافه كما استخلف موسى عليه السلام هارون عليه السلام أيضاً مختاراً لاستخلافه ثم قد استخلف عليه السلام قبل تبوك وبعد تبوك على المدينة في أسفاره رجالاً سوى علي رضي الله عنه فصح أن هذا الاستخلاف لا يوجب لعلي فضلاً على غيره ولا ولاية الأمر بعده كما لم يوجب ذلك لغيره من المستخلفين.
قال أبو محمد: وعمدة ما احتجت به الإمامية أن قال وا لا بد من أن يكون إمام معصوم عنده جميع الشريعة ترجع الناس إليه في أحكام الدين ليكونوا مما تعبدوا به على يقين.
قال أبو محمد: هذا لا شك فيه وذلك معروف ببراهينه الواضحة واعلامه المعجزة وآياته الباهرة وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا تبيان دينه الذي ألزمنا إياه صلى الله عليه وسلم فكان كلامه وعهوده وما بلغ من كلام الله تعالى حجة نافذة معصومة من كل آفة إلى من بحضرته وإلى من كان في حياته غائباً عن حضرته وإلى كل من يأتي بعد موته صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة من جن وإنس قال عز وجل " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء " فهذا نص ما قلنا وإبطال اتباع أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الحاجة إلى فرض الإمامة لتنفيذ الإمام عهود الله تعالى الواردة إلينا على من عند فقط لا لأن يأتي الناس ما لا يشاؤنه في معرفته من الدين الذي أتاهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدنا علي رضي الله عنه إذ دعي إلى التحاكم إلى القرآن أجاب وأخبر أن التحاكم إلى القرآن حق فإن كان علي أصاب في ذلك فهو قولنا وإن كان أجاب إلى الباطل فهذه غير صفته رضي الله عنه ولو كان التحاكم إلى القرآن لا يجوز بحضرة الإمام ل قال علي حينئذ كيف تطلبون تحكيم القرآن وأنا الإمام المبلغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال وا إذ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا بد من إمام يبلغ الدين قلنا هذا باطل ودعوى بلا برهان وقول لا دليل على صحته وإنما الذي يحتاج إليه أهل الأرض من رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانه وتبليغه فقط سواء في ذلك من كان بحضرته ومن غاب عنه ومن جاء بعده إذ ليس في شخصه صلى الله عليه وسلم إذا لم يتكلم بيان عن شيء من الدين فالمراد منه عليه السلام كلام باق أبداً مبلغ إلى كل من في الأرض وأيضاً فلو كان ما قال وا من الحاجة إلى إمام موجود أبداً لا ننقض ذلك عليهم بمن كان غائباً عن حضرة الإمام في أقطار الأرض إذ لا سبيل إلى أن يشاهد الإمام جميع أهل الأرض الذين في المشرق والمغرب من فقير وضعيف وامرأة ومريض ومشغول بمعاشه الذي يضيع إن أغفله فلا بد من التبليغ عن الإمام فالتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع من التبليغ عمن هو دونه وهذا ما لا انفكاك لهم منه.
قال أبو محمد: لا سيما وجميع أئمتهم الذين يدعون بعد علي والحسن والحسين رضي الله عنهم ما أمروا قط في غير منازل سكناهم وما حكموا على قرية فما فوقها بحكم فما الحاجة إليهم لا سيما مذ مائة عام وثمانين عاماً فإنهم يدعون إماماً ضالاً لم يخلق كعنقاء مغرب وهم أولو فحش وقحة وبهتان ودعوى كاذبة لم يعجز عن مثلها أحد وأيضاً فإن الإمام المعصوم لا يعرف أنه معصوم إلا بمعجزة ظاهرة عليه أو بنص تنقله العلماء عن النبي صلى الله عليه وسلم على كل إمام بعينه واسمه ونسبه وإلا فهي دعوى لا يعجز عن مثلها أحد لنفسه أو لمن شاء ولقد يلزم كل ذي عقل سليم أن يرغب بنفسه عن اعتقاد هذا الجهل الغث البارد السخيف الذي ترتفع عقول الصبيان عنه وما توفيقنا إلا بالله عز وجل وبرهان آخر ضروري وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وجمهور الصحابة رضي الله عنهم حاشا من كان منهم في النواحي يعلم الناس الدين فما منهم أحد أشار إلى علي بكلمة يذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص عليه ولا ادعى ذلك قط لا في ذلك الوقت ولا بعده ولا ادعاه له أحد في ذلك الوقت ولا بعده ومن المحال الممتنع الذي لا يمكن البتة ولا يجوز اتفاق أكثر من عشرين ألف إنسان متنابذي الهمم والنيات والأنساب أكثرهم موتون في صاحبه في الدماء من الجاهلية على طي عهد عاهده رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وما وجدنا قط رواية عن أحد بهذا النص المدعى إلا رواية واحدة واهية عن مجهولين إلى مجهول يكنى بالحمراء لا يعرف من هو في الخلق ووجدنا علياً رضي الله عنه تأخر عن البيعة ستة أشهر فما أكرهه أبو بكر على البيعة حتى بايع طائعاً مراجعاً غير مكره فكيف حل لعلي رضي الله عنه عند هؤلاء النوكى أن يبائع طايعاً رجلاً إما كافراً وإما فاسقاً جاحداً لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعينه على أمره ويجالسه في مجالسه ويواليه إلى أن مات ثم يبايع بعده عمر بن الخطاب مبادراً غير متردد ساعة فما فوقها غير مكره بل طائعاً وصحبه وأعانه على أمره وانكحه من ابنته فاطمة رضي الله عنها ثم أقبل ادخاله في الشورى أحد ستة رجال فكيف حل لعلي عند هؤلاء الجهال أن يشارك بنفسه في شورى ضالة وكفر ويغر الأمة هذا الغرور وهذا الأمر أدى أبا كامل إلى تكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأنه في زعمه أعان الكفار على كفرهم وأيدهم على كتمان الديانة وعلى ما لا يتم الدين إلا به.قال أبو محمد: ولا يجوز أن يظن بعلي رضي الله عنه انه أمسك عن ذكر النص عليه خوف الموت وهو الأسد الشجاع قد عرض نفسه للموت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات يوم الجمل وصفين فما الذي جبنه بين هاتين الحالتين وما الذي ألف بين بصار الناس على كتمان حق علي ومنعه ما هو أحق به مذ مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قتل عثمان رضي الله عنه ثم ما الذي جلى بصائرهم في عونه إذ دعا إلى نفسه فقامت معه طوائف من المسلمين عظيمة وبذلوا دماءهم دونه ورأوه حينئذ صاحب الأمر والأولى بالحق ممن نازعه فما الذي منعه ومنعهم من الكلام وإظهار النص الذي يدعيه الكذابون إذ مات عمر رضي الله عنه وبقي الناس بلا رأس ثلاثة أيام أو يوم السقيفة وأظرف من هذا كله بقاؤه ممسكاً عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ستة أشهر فما سئلها ولا أجبر عليها ولا كلفها وهو متصرف بينهم في أموره فلولا أنه رأى الحق فيها واستدرك أمره فبايع طالباً حظ نفسه في دينه راجعاً إلى الحق لما بايع فإن قالت الروافض أنه بعد ستة أشهر رأى الرجوع إلى الباطل فهذا هو الباطل حقاً لا ما فعل علي رضي الله عنه ثم ولى علي رضي الله عنه فما غير حكماً من أحكام أبي بكر وعمر وعثمان ولا أبطل عهداً من عهودهم ولو كان ذلك عنده باطلاً لما كان في سعة من أن يمضي الباطل وينفذه وقد ارتفعت التقية عنه وأيضاً فقد نازع الأنصار رضي الله عنهم أبا بكر رضي الله عنه ودعوا إلى بيعة سعد بن عبادة رضي الله عنه ودعا المهاجرون إلى بيعة أبي بكر رضي الله عن جميعهم وقعد علي رضي الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ليس معه أحد غير الزبير بن العوام ثم استبان الحق للزبير رضي الله عنه فبايع سريعاً وبقي علي وحده لا يرقب عليه ولا يمنع من لقاء الناس ولا يمنع أحد من لقائه فلا يخلو رجوع الأنصار كلهم إلى بيعة أبي بكر من أن يكون عن غلبة أو عن ظهور حقه إليهم فأوجب ذلك الانقياد لبيعته أو فعلوا ذلك مطارفة لغير معنى ولا سبيل إلى قسم رابع بوجه من الوجوه فإن قال وا بايعوه بغلبة كذبوا لأنه لم يكن هنالك قتال ولا تضارب ولا سباب ولا تهديد ولا وقت طويل ينفسح للوعيد ولا سلاح مأخوذ ومحال أن يترك أزيد من ألفي فارس أنجاد أبطال كلهم عشيرة واحدة قد ظهر من شجاعتهم ما لا مرمى وراءه وهو أنهم بقوا ثمانية أعوام متصلة محاربين لجميع العرب في أقطار بلادهم موطنين على الموت متعرضين مع ذلك للحرب مع قيصر الروم بمؤنة وغيرها ولكسرى والفرس ببصرى من يخاطبهم يدعوه إلى اتباعه وأن يكون كأحد من بين يديه هذه صفة الأنصار التي لا ينكرها إلا رقيع مجاهر بالكذب فمن المحال الممتنع أن يرهبوا أبا بكر ورجلين أتيا معه فقط لا يرجع إلى عشيرة كثيرة ولا إلى موال ولا إلى عصبة ولا مال فرجعوا إليه وهو عندهم مبطل وبايعوه بلا تردد ولا تطويل وكذلك يبطل أن يرجعوا عن قولهم وما كانوا قد رأوه من أن الحق حقهم وعن بيعة ابن عمهم مطارفة بلا خوف ولا ظهور الحق إليهم فمن المحال اتفاق أهواء هذا العدد العظيم على ما يعرفون أنه باطل دون خوف يضطرهم إلى ذلك دون طمع يتعجلونه من مال أو جاه بل فيما ترك العز والدنيا والرياسة وتسليم كل ذلك إلى رجل لا عشيرة له ولا منعة ولا حاجب ولا حرس على بابه ولا قصر ممتنع فيه ولا موالي ولا مال فأين كان علي وهو الذي لا نظير له في الشجاعة ومعه جماعة من بني هاشم وبني المطلب من قتل هذا الشيخ الذي لا دافع دونه لو كان عنده ظالماً وعن منعه وزجره بل فد علم والله علي رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه على الحق وإن من خالفه على الباطل فأذعن للحق بعد أن عرضت له فيه كبوة كذلك الأنصار رضي الله عنهم وإذ قد بطل كل هذا فلم يبق إلا أن علياً والأنصار رضي الله عنهم إنما رجعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه لبرهان حق صح عندهم عن النبي صلى الله عليه لا لاجتهاد كاجتهادهم ولا لظن كظنونهم فإذ قد بطل أن يكون الأمر في الأنصار وزالت الرياسة عنهم فما الذي حملهم كلهم أولهم عن آخرهم على أن يتفقوا على جحد نص النبي صلى الله عليه وسلم على إمامة علي ومن المحال أن تتفق آراؤهم كلهم على معونة من ظلمهم وغصبهم حقهم إلا أن تدعي الروافض أنهم كلهم اتفق لهم نسيان ذلك العهد فهذه أعجوبة من المحال غير ممكنة ثم لو أمكنت لجاز لكل أحد أن يدعي فيما شاء من المحال أنه قد كان وإن الناس كلهم نسوه وفي هذا إبطال الحقائق كلها وأيضاً فإن كان جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفقوا على جحد ذلك النص وكتمانه واتفقت طبائعهم كلهم على نسيانه فمن أين وقع إلى الروافض أمره ومن بلغه إليهم وكل هذا عو هوس ومحال فبطل أمر النص على علي رضي الله عنه بيقين لا إشكال فيه والحمد لله رب العالمين فإن قال قائل أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قد قتل الأقارب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتولد له بذلك حقد في قلوب جماعة من الصحابة ولذلك انحرفوا عنه قيل له هذا تمويه ضعيف كاذب لأنه إن ساغ لكم ذلك في بني عبد شمس وبني مخزوم وبني عبد الدار وبني عامر لأنه قتل من كل قبيلة من هذه القبائل رجلاً أو رجالاً فقتل من بني عامر بن لؤي رجلاً واحداً وهو عمرو بن ود وقتل من بني مخزوم وبني عبد الدار رجالاً وقتل من بني عبد شمس الوليد بن عقبة والعاص بن سهل بن العاص بلا شك وشارك في قتل عتبة بن ربيعة وقيل قتل عقبة بن أبي معيط وقيل قتله غيره وهو عاصم بن ثابت الأنصاري ولا مزيد فقد علم كل من له أقل علم بالأخبار أنه لم يكن لهذه القبائل ولا لأحد منهم يوم السقيفة حل ولا عقد ولا رأي ولا أمر اللهم إلا أن أبا سفيان بن حرب بن أمية كان مائلاً إلى علي في ذلك الوقت عصبية للقرابة لا تديناً وكان ابنه يزيد وخالد بن سعيد بن العاص والحارث بن هشام ابن المغيرة والمخزومي مائلين إلى الأنصار تديناً والأنصار قتلوا أبا جهل بن هشام أخاه وقد كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة شديد الميل إلى علي حين قصة عثمان وبعدها حتى قتله معاوية على ذلك فعرفونا من قتل علي من بني تيم بن مرة أو من بني عدي بن كعب حتى يظن أهل القحة أنهما حقدا عليه ثم أخبرونا من قتل من الأنصار أو من جرح منهم أو من أذى منهم ألم يكونوا معه في تلك المشاهد كلها بعضهم متقدم وبعضهم مساو له وبعضهم متأخر عنه فأي حقد كان له في قلوب الأنصار حتى يتفقوا كلهم على جحد النص عليه وعلى إبطال حقه وعلى ترك ذكر اسمه جملة وإيثار سعد بن عبادة عليه ثم على إيثار أبي بكر عليه وعمر عليه والمسارعة إلى بيعته بالخلافة دونه وهو معهم وبين أظهرهم يرونه غدواً وعشياً لا يحول بينهم وبينه أحد ثم أخبرونا من قتل علي من أقارب أولاد المهاجرين من العرب من مضر وربيعة واليمن وقضاعة حتى يصفقوا كلهم على كراهية ولايته ويتفقوا كلهم على جحد النص عليه إن هذه لعجائب لا يمكن اتفاق مثلها في العالم أصلاً ولقد كان لطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص من القتل في المشركين كالذي كان لعلي فما الذي خصه باعتقاد الأحقاد له دونهم لو كان للروافض حياء أو عقل ولقد كان لأبي بكر رحمه الله ورضي الله عنه في مضادة قريش في الدعاء إلى الإسلام ما لم يكن لعلي فما منعهم ذلك من بيعته وهو أسوأ الناس أثراً عند كفارهم ولقد كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في مغالبة كفار قريش وإعلانه الإسلام على زعمهم ما لم يكن لعلي رضي الله عنه فليت شعري ما الذي أوجب أن ينسى آثار هؤلاء كلهم ويعادوا علياً من بينهم كلهم لولا قلة حياء الروافض وصفاقة وجوههم حتى بلغ الأمر بهم إلى أن عدوا على سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورافع بن خديج الأنصاري ومحمد بن مسلمة الأنصاري وزيد بن ثابت الأنصاري وأبي هريرة وأبي الدراء وجماعة غير هؤلاء من المهاجرين أنهم لم يبايعوا علياً إذ ولي الخلافة ثم بايعوا معاوية ويزيد ابنه من أدركه وادعوا أن تلك الأحقاد حملتهم على ذلك.
قال أبو محمد: حمق الرافضة وشدة ظلمة جهلهم وقلة حيائهم هورهم في الدمار والبوار والعار والنار وقلة المبالاة بالفضائح وليت شعري أي حماسة وأي كلمة حسنة كانت بين علي وبين هؤلاء أو أحد منهم وإنما كان هؤلاء ومن جرى مجراهم لا يرون بيعة في فرقة فلما أصفق المسلمون على ما أصفقوا عليه كائناً من كان دخلوا في الجماعة وهكذا فعل من أدرك من هؤلاء ابن الزبير رضي الله عنه ومروان فإنهم قعدوا عنهما فلما انفرد عبد الملك بن مروان بايعه من أدركه منهم لا رضا عنه ولا عداوة لابن الزبير ولا تفضيلاً لعبد الملك علي ابن الزبير لكن لما ذكرنا وهكذا كان أمرهم في علي ومعاوية فلاحت نوكة هؤلاء المجانين والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد: وهذا زيد بن حارثة قتل يوم بدر حنظلة بن أبي سفيان وهذا الزبير بن العوام قتل يوم بدر أيضاً عبيدة بن سعيد بن العاص وهذا عمر بن الخطاب قتل يومئذ العاص بن هشام بن المغيرة فهلا عاداهم أهل هؤلاء المقتولين وما الذي خص علياً أولياء من قتل دون سائر من قلنا لولا جنون الرافضة وعدم الحياء من وجوههم ثم لو كان ما ذكروه حقاً فما الذي كان دعا عمر إلى إدخاله في الشورى مع من أدخله فيها ولو أخرجه منها كما أخرج سعيد بن زيد أو قصد إلى رجل غيره فولاه ما اعترض عليه أحد في ذلك بكلمة فصح ضرورة بكل ما ذكرنا أن القوم أنزلوه منزلته غير عالين ولا مقصرين رضي الله عنهم أجمعين وأنهم قدموا الأحق فالأحق والأفضل فالأفضل وساووه بنظرائه منهم ثم أوضح برهان وأبين بيان في بطلان أكاذيب الرافضة أن علياً رضي الله عنه لما ادعي إلى نفسه بعد قتل عثمان رضي الله عنه سارعت طوائف المهاجرين والأنصار إلى بيعته فهل ذلك أحد من الناس أن أحداً منهم اعتذر إليه مما سلف من بيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان أو هل تاب أحد منهم من جحده للنص على إماماته أو قال أحد منهم لقد ذكرت هذا النص الذي كنت أنسيته في أمر هذا الرجل أن عقولاً خفي عليها هذا الظاهر اللائح لعقول مخذولة لم يرد الله أن يهديها ثم مات عمر رضي الله عنه وترك الأمر شورى بين ستة من الصحابة علي أحدهم ولم يكن في تلك الأيام الثلاثة سلطان يخاف ولا رئيس يتوقى ولا مخافة من أحد ولا جند معد للتغلب أفترى لو كان لعلي رضي الله عنه حق ظاهر يختص به من نص عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من فضل بائن على من معه ينفرد به عنهم أما كان الواجب على علي أن يقول أيها الناس كم هذا الظلم لي وكم هذا الكتمان بحقي وكم هذا الجحد لنص رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم هذا الإعراض عن فضلي البائن على هؤلاء المقرونين لي فإذ لم يفعل لا يدري لماذا أما كان في بني هاشم أحد له دين يقول هذا الكلام أما العباس عمه وجميع العالمين على توقيره وتعظيمه حتى أن عمر توسل به إلى الله تعالى بحضرة الناس في الاستسقاء وأما أحد بنيه وأما عقيل أخوه وأما أحد بني جعفر أخيه أو غيرهم فإذ لم يكن في بني هاشم أحد يتقي الله عز وجل ولا يأخذه في قول الحق مادهنة أما كان في جميع أهل الإسلام من المهاجرين والأ صار وغيرهم واحد يقول يا معشر المسلمين قد زالت الرقبة وهذا علي له حق واجب بالنص وله فضل بائن ظاهر لا يمترى فيه فبايعوه فأمره بين أن أصفاق جميع الأمة أولها عن آخرها من برقة إلى أول خراسان ومن الجزيرة إلى أقصى اليمن إذ بلغهم الخبر على السكوت عن حق هذا الرجل واتفاقهم على ظلمه ومنعه من حقه وليس هناك شيء يخافونه لإحدى عجائب المحال الممتنع وفيهم الذين بايعوه بعد ذلك إذ صار الحق حقه وقتلوا أنفسهم دونه فأين كانوا عن إظهار ما تنبهت له الروافض الأنذال ثم العجب إذ كان غيظهم عليه هذا الغيظ واتفاقهم على جحده حقه هذا الاتفاق كيف تورعوا عن قتله ليستريحوا منه أم كيف أكرموه وبروه وأدخلوه في الشورى و قال هشام بن الحكم كيف يحسن الظن بالصحابة أن لا يكتموا النص على علي وهم قد اقتتلوا وقتل بعضهم بعضاً فهل يحسن بهم الظن في هذا.
قال أبو محمد: لو علم الفاسق أن هذا القول أعظم حجة عليه لم ينطق بهذا السخف لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من قاتل حين افترق الناس فكل ما لحق المقتتلين منهم من حسن الظن بهم أو من سوء الظن بهم فهو لاحق لعلي في قتاله ولا فرق بينه وبين سائر الصحابة في ذلك كله وبالله تعالى التوفيق فإن خصه متحكم كان كمن خص غيره منهم متحكماً ولا فرق وأيضاً فإن اقتتالهم رضي الله عنهم أوكد برهان على أنهم لم يغاروا على ما رأوه باطلاً بل قاتل كل فريق منهم على ما رأوه حقاً ورضي بالموت دون الصبر على خلاف ما عنده وطائفة منهم قعدت إذ لم تر الحق في القتال فدل على أنه لو كان عندهم نص على علي أو عند واحد منهم لأظهروه أو لأظهره كما أظهروا ما رأوا أن يبذلوا أنفسهم للقتال والموت دونه فإن قال وا قد أقررتم أنه لا بد من إمام فبأي شيء يعرف الإمام لا سيما وأنتم خاصة معشر أهل الظاهر لا بنص قرآن أو خبر صحيح وهذا أيضاً مما سألنا عنه أصحاب القياس والرأي.
قال أبو محمد: فجوابنا وبالله التوفيق أن رسول صلى الله عليه وسلم نص على وجوب الإمامة وأنه لا يحل بقاء ليلة دون بيعة وافترض علينا بنص قوله الطاعة للقرشي إماماً واحداً لا ينازع إذا قادنا بكتاب الله عز وجل فصح من هذه النصوص النص على صفة الإمام الواجب طاعته كما صح النص على صفة الشهود في الأحكام وصفة المساكين والفقراء الواجب لهم الزكاة وصفة من يؤم في الصلاة وصفة من يجوز نكاحها من النساء وكذلك سائر الشريعة كلها ولا يحتاج إلى ذكر الأسماء إذ لم يكلفنا الله عز وجل ذلك فكل قرشي بالغ عاقل بادر إثر موت الإمام الذي لم يعهد إلى أحد فبايعه واحد فصاعداً فهو الإمام الواجب طاعته ما قادنا بكتاب الله تعالى وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمر الكتاب باتباعها فإن زاغ عن شيء منهما منع من ذلك أو أقيم عليه الحد والحق فإن لم يؤمن أذاه إلا بخلعه خلع وولي غيره منهم فإن قال وا قد اختلف الناس في تأويل القرآن والسنة ومنع من تأويلهما بغير نص آخر قلنا أن التأويل الذي لم يقم عليه برهان تحريف الكلم عن مواضعه وقد جاء النص بالمنع من ذلك وليس الاختلاف حجة وإنما الحجة في نص القرآن والسنن وما اقتضاء لفظهما العربي الذي خوطبنا به وبه ألزمتنا الشريعة.
قال أبو محمد: ثم نسألهم فنقول لهم أن عمدة احتجاجكم في إيجاب إمامتكم التي تدعيها جميع فرقكم إنما هي وجهان فقط أحدهما النص عليه باسمه والثاني شدة الفاقة إليه في بيان الشريعة إذ علمها عنده لا عند غيره ولا مزيد فأخبروني بأي شيء صار محمد بن علي بن الحسين أولى بالإمامة من أخوته زيد وعمر وعبد الله وعلي والحسين فإن ادعوا نصاً من أبيه عليه أو من النبي صلى الله عليه وسلم أنه الباقر لم يكن ذلك ببدع من كذبهم ولم يكونوا أولى بتلك الدعوى من الكيسانية في دعواهم النص على ابن الحنفية وإن ادعوا أنه كان من فضل من اخوته كانت أيضاً دعوى بلا برهان والفضل لا يقطع على ما عند الله عز وجل فيه بما يبدو من الإنسان فقد يكون باطنه خلاف ظاهره وكذلك يسألون أيضاً ما الذي جعل موسى بن جعفر أولى بالإمامة من أخيه محمد أو إسحاق أو علي فلا يجدون إلى غير الدعوى سبيلاً وكذلك أيضاً يسألون ما الذي خص علي بن موسى بالإمامة دون اخوته وهم سبعة عشر ذكراً فلا يجدون شيئاً غير الدعوى وكذلك يسألون ما الذي جعل محمد بن علي بن موسى أولى بالإمامة من أخيه علي بن علي وما الذي جعل علي بن محمد أولى بالإمامة من أخيه موسى بن محمد وما الذي جعل الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى أحق بالإمامة من أخيه جعفر بن علي فهل هاهنا شيء غير الدعوى الكاذبة الذي لا حياء لصاحبها والتي لو ادعى مثلها مدع للحسن بن الحسن أو لعبد الله بن الحسن أو لأخيه الحسن بن الحسن أو لابن أخيه علي بن الحسن أو لمحمد بن عبد الله القائم بالمدينة أو لأخيه إبراهيم أو لرجل من ولد العباس أو من بني أمية أو من أي قوم من الناس كان لساواهم في الحماقة ومثل هذا لا يشتغل به من له مسكة من عقل أو منحة من دين ولو قلت أو رقعة من الحياء فبطل وجه النص وأما وجه الحاجة إليه في بيان الشريعة فما ظهر قط من أكثر أئمتهم بيان لشيء مما اختلف فيه الناس وما بأيديهم من ذلك شيء إلا دعاوي مفتعلة قد اختلفوا أيضاً فيها كما اختلف غيرهم من الفرق سواء سواء إلا أنهم أسوأ حالاً من غيرهم لأن كل من قلد إنساناً كأصحاب أبي حنيفة لأبي حنيفة وأصحاب مالك لمالك وأصحاب الشافعي للشافعي وأصحاب أحمد لأحمد فإن لهؤلاء المذكورين أصحاباً مشاهير نقلت عنهم أقوال صاحبهم ونقلوها هم عنه ولا سبيل إلى اتصال خبر عندهم ظاهر مكشوف يضطر الخصم إلى أن هذا قول موسى بن جعفر ولا أنه قول علي بن موسى ولا أنه قول محمد بن علي بن موسى ولا أنه قول علي بن محمد ولا أنه قول الحسن بن علي وأما من بعد الحسن بن علي فعدم بالكلية وحماقة ظاهرة وأما من قبل موسى بن جعفر فلو جمع كل ما روى في الفقه عن الحسن والحسين رضي الله عنهما لما بلغ عشر أوراق فما ترى المصلحة التي يدعونها في إمامهم ظهرت ولا نفع الله تعالى بها قط في علم ولا عمل لا عندهم ولا عند غيرهم ولا ظهر منهم بعد الحسين رضي الله عنه من هؤلاء الذين سموا أحداً ولا أمر منهم أحد قط بمعروف معلن وقد قرأنا صفة هؤلاء المخاذلين المنتمين إلى الإمامية القائلين بأن الدين عند أئمتهم فما رأينا إلا دعاوي باردة وارأ فاسدة كأسخف ما يكون من الأقوال ولا يخلو هؤلاء الأئمة الذين يذكرون من أن يكونوا مأمورين بالسكوت أو مفسوحاً لهم فيه فإن يكونوا مأمورين بالسكوت فقد أبيح للناس البقاء في الضلال وسقطت الحجة في الديانة عن جميع الناس وبطل الدين ولم يلزم فرض الإسلام وهذا فكر مجرد وهم لا يقولون بهذا أو يكونوا مأمورين بالكلام والبيان فقد عصوا الله إذ سكتوا وبطلت إمامتهم وقد لجأ بعضهم إذ سئلوا عن صحة دعواهم في الأئمة إلى أن ادعوا الإلهام في ذلك فإذ قد صاروا إلى هذا الشغب فإن لا يضيق عن أحد من الناس ولا يعجز خصومهم عن أن يدعوا أنهم ألهموا بطلان دعواهم قال هشام بن الحكم لا بد أن يكون في أخوة الإمام آفات يبين بها أنهم لا يستحقون الإمامة.
قال أبو محمد: وهذه دعوى مردودة تزيد في الحماقة ولا ندري في زيد وعمرو وعبد الله والحسن وعلي بن علي بن الحسين آفات تمنع إلا أن الحسن أخا زيد ومحمد كان أعرج وما علمنا أن العرج عيب يمنع من الإمامة إنما هو عيب في العبيد المتخذين للمشي وما يعجز خصومهم أن يدعوا في محمد بن علي وفي جعفر بن محمد وفي سائر أئمتهم تلك الآفات التي ادعاها هشام لأخوتهم ثم أن بعض أئمتهم المذكورين مات أبوه وهو ابن ثلاث سنين فنسألهم من أي علم هذا الصغير جميع علم الشريعة وقد عدم توقيف أبيه له عليها لصغره فلم يبق إلا أن يدعوا له الوحي فهذه نبوة وكفر صريح وهم لا يبلغون إلى أن يدعوا له النبوة وأن يدعوا له معجزة تصحح قوله فهذه دعوى باطلة ما ظهر منها قط شيء أو يدعوا له الإلهام فما يعجز أحد عن هذه الدعوى.
قال أبو محمد: ولو لم يكن من الحجة على أن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ويزين لكل أمة عملها إلا وجود من يعتقد هذه الأقوال السخيفة لكان أقوى حجة وأوضح برهان وإلا فما خلق الله عقلاً يسع فيه مثل هذه الحماقات والحمد لله على عظيم منته علينا وهو المسؤول منه دوامها بمنه آمنين.
قال أبو محمد: وأيضاً فلو كان الأمر في الإمامة على ما يقول هؤلاء السخفاء لما كان الحسن رضي الله عنه في سعة من أن يسلمها لمعاوية رضي الله عنه فيعينه على الضلال وعلى إبطال الحق وهدم الدين فيكون شريكه في كل مظلمة ويبطل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوافقه على ذلك الحسين أخوه رضي الله عنهما فما نقض قط بيعة معاوية إلى أن مات فكيف استحل الحسن والحسين رضي الله عنهما إبطال عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما طائعين غير مكرهين فلما مات معاوية قام الحسين يطلب حقه إذ رأى أنها بيعة ضلالة فلولا أنه رأى بيعة معاوية حقاً لما سلمها له ولفعل كما فعل بيزيد إذ ولي يزيد هذا مالا يمتري فيه ذو إنصاف هذا ومع الحسن أزيد من مائة ألف عنان يموتون دونه فتالله لولا أن الحسن رضي الله عنه علم أنه في سعة من إسلامها إلى معاوية وفي سعة من أن لا يسلمها لما جمع بين الأمرين فأمسكها ستة أشهر لنفسه وهي حقه وسلمها بعد ذلك لغير ضرورة وذلك له مباح بل هو الأفضل بلا شك لأن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خطب بذلك على المنبر بحضرة المسلمين وأراهم الحسن معه على المنبر و قال أن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين رويناه من طريق البخاري حدثنا صدقة أنبأنا ابن عيينة أنا موسى أنا الحسن سمع أبا بكرة يقول أنه سمع ذلك وشهده من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من أعلامه صلى الله عليه وسلم وإنذاره بالغيوب التي لا تعلم البتة إلا بالوحي ولقد امتنع زيادة وهو فقعة القاع لا عشيرة ولا نسب ولا سابقة ولا قدم فما أطاقه معاوية إلا بالمداراة وحتى أرضاه وولاه فإن ادعوا أنه قد كان في ذلك عند الحسن عهد فقد كفروا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر أحداً بالعون على إطفاء نور الإسلام بالكفر وعلى نقض عهود الله تعالى بالباطل عن غير ضرورة ولا إكراه وهذه صفة الحسن والحسين رضي الله عنهما عند الروافض واحتج بعض الإمامية وجميع الزيدية بأن علياً كان أحق الناس بالإمامة لبينونة فضله على جميعهم ولكثرة فضائله دونهم.
قال أبو محمد: وهذا يقع الكلام فيه إن شاء الله تعالى في الكلام في المفاضلة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الكلام هاهنا في الإمامة فقط فنقول وبالله تعالى التوفيق عبكم أنكم وجدتم لعلي رضي الله عنه فضائل معلومة كالسبق إلى الإسلام والجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعة العلم والزهد فهل وجدتم مثل ذلك للحسن والحسين رضي الله عنهما حتى أوجبتم لهما بذلك فضلاً في شيء مما ذكرنا على سعد بن أبي وقاس وسعيد بن زيد وعبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس هذا ما لا يقدر أحد على أن يدعي لهما فيه كلمة فما فوقها يعني مما يكونان به فوق من قد ذكرنا في شيء من هذه الفضائل فلم يبق إلا دعوى النص عليهما وهذا ما لا يعجز عن مثله أحد ولو استجازت الخوارج التوقح بالكذب في دعوى النص على عبد الله بن وهب الراسي لما كان إلا مثل الرافضة في ذلك سواء بسواء ولو استحلت الأموية أن تجاهر بالكذب في دعوى النص على معاوية لكان أمرهم في ذلك أقوى من أمر الرافضة لقوله تعالى " ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل أنه كان منصوراً " ولكن كل أمة ما عدا الرافضة والنصارى فإنها تستحي وتصون أنفسها عما لا تصون النصارى والروافض أنفسهم عنه من الكذب الفاضح البارد وقلة الحياء فيما يأتون به ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد: وكذلك لا يجدون لعلي بن الحسين بسوقا في علم ولا في عمل على سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير ولا على أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ولا على ابن عمه الحسن بن الحسن وكذلك لا يجدون لمحمد بن علي بن الحسين بسوقا في علم ولا في عمل ولا ورع على عبد الرحمن بن القاسم بن محمد ولا على محمد بن عمر وبن أبي بكر المنكدر ولا على أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ولا على أخيه زيد بن علي ولا على عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ولا على عمر بن عبد العزيز وكذلك لا يجدون لجعفر بن محمد بسوقا في علم ولا في دين ولا في عمل على محمد بن مسلم الزهري ولا على ابن أبي ذؤيب ولا على عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر ولا على بيد الله بن عمرو بن حفص بن عاصم بن عمر ولا على ابني عمه محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن وعلى بن الحسن بن الحسن بن الحسن بل كل من ذكرنا فوقه في العلم والزهد وكلهم أرفع محلاً في الفتيا والحديث لا يمنع أحد منهم من شيء من ذلك وهذا ابن عباس رضي الله عنه قد جمع فقه في عشرين كتاباً ويبلغ حديثه نحو ذلك إذا تقصى ولا تبلغ فتيا الحسن والحسين ورقتين ويبلغ حديثهما ورقة أو ورقتين وكذلك على بن الحسين إلا أن محمد بن علي يبلغ حديثه وفتياه جزأ صغيراً وكذلك جعفر بن محمد وهم يقولون أن الإمام عنده جميع علم الشريعة فما بال من ذكرنا أظهروا بعض ذلك وهو الأقل الأنقص وكتموا سائره وهو الأكثر الأعظم فإن كان فرضهم الكتمان فقد خالفوا الحق إذ أعلنوا ما أعلنوا وإن كان فرضهم البيان فقد خالفوا الحق إذ كتموا ما كتموا وأما من بعد جعفر بن محمد فما عرفنا لهم علماً أصلاً لا من رواية ولا من فتيا على قرب عدهم منا ولو كان عندهم من ذلك شيء لعرف كما عرف عن محمد بن علي وابنه جعفر وعن غيره منهم ممن حدث الناس عنه فبطلت دعواهم الظاهرة الكاذبة اللائحة السخيفة التي هي من خرافات السمر ومضاحك السخفاء فإن رجعوا إلى ادعاء المعجزات لهم قلنا لهم أن المعجزات لا تثبت إلا بنقل التواتر لا بنقل الأحاد الثقات فكيف بولد الوقحا الكذابين الذين لا يدري من هم وقد وجدنا من يروي لبشر الحافي وشيبان الراعي ورابعة العدوية أضعاف ما يدعونه من الكذب للأئمتهم وأظهر وأفشى وكل ذلك حماقة لا يشتغل ذو دين ولا ذو عقل بها ونحمد الله على السلامة فإذ قد بطل ما يدعونه ولله تعالى الحمد فلنقل على الإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبرهان وبالله تعالى نتأيد.
قال أبو محمد: قد اختلف الناس في هذا ف قالت طائفة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً ثم اختلفوا ف قال بعضهم لكن لما استخلف أبا بكر رضي الله عنه على الصلاة كان ذلك دليلاً على أنه أولاهم بالإمامة والخلافة على الأمور و قال بعضهم لا ولكن كان ابينهم فضلاً فقدموه لذلك و قالت طائفة بل نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على استخلاف أبي بكر بعده على أمور الناس نصاً جلياً.
قال أبو محمد: وبهذا نقول لبراهين أحدها أطباق الناس كلهم وهم الذين قال الله تعالى فيهم " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون " فقد أصفق هؤلاء الذين شهد الله لهم بالصدق وجميع إخوانهم من الأنصار رضي الله عنهم على أن سموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى الخليفة في اللغة هو الذي يستخلفه لا الذي يخلفه دون أن يستخلفه هو لا يجوز غير هذه البتة في اللغة بلا خلاف تقول استخلف فلا فلاناً يستخلفه فهو خليفته ومستخلفه فإن قام مكانه دون أن يستخلفه هو لم يقل إلا خلف فلان فلاناً يخلفه فهو خالف ومحال أن يعنوا بذلك الاستخلاف على الصلاة لوجهين ضروريين أحدهما أنه لا يستحق أبو بكر هذا الاسم على الإطلاق في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ خليفته على الصلاة فصح يقيناً أن خلافته المسمى هو بها هي غير خلافته على الصلاة والثاني أن كل من استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كعلي في غزوة تبوك وابن أم مكتوم في غزوة الخندق وعثمان ابن عفان في غزوة ذات الرقاع وسائر من استخلفه على البلاد باليمن والبحرين والطائف وغيرها لم يستحق أحد منهم قط بلا خلاف من أحد من الأمة أن يسمى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإطلاق فصح يقيناً بالضرورة التي لا محيد عنها أنها للخلافة بعده على أمته ومن الممتنع أن يجمعوا على ذلك وهو عليه السلام لم يستخلفه نصاً ولم لم يكن هاهنا إلا استخلافه إياه على الصلاة ما كان أبو بكر أولى بهذه التسمية من غيره ممن ذكرنا وهذا برهان ضروري نعارض به جميع الخصوم وأيضاً فإن الرواية قد صحت بأن امرأة قالت يا رسول الله أرأيت أن رجعت ولم أجدك كأنها تريد الموت قال فأت أبا بكر وهذا نص جلي على استخلاف أبي بكر وأيضاً فإن الخبر قد جاء من الطرق الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها في مرضه الذي توفي فيه عليه السلام لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك فاكتب كتاباً وأعهد عهداً لكيلا يقول قائل أنا أحق أو يتمنى متمن ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر وروي أيضاً ويأبي الله والنبيون إلا أبا بكر فهذا نص جلي على استخلافه عليه الصلاة والسلام أبا بكر على ولاية الأمة بعده.
قال أبو محمد: ولو أننا نستجيز التدليس والأمر الذي لو ظفر به خصومنا طاروا به فرحاً أو ابلسوا أسفاً لاحتججنا بما روى اقتدروا باللذين من بعيد أبي بكر وعمر.
قال أبو محمد: ولكنه لم يصح ويعيذنا من الاحتجاج بما لا يصح.
قال أبو محمد: واحتج من قال لم يستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر المأثور عن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال أن استخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبا بكر وأن لا استخلف فلم يستخلف من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما روى عن عائشة رضي الله عنها من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلف فمن المحال أن يعارض الإجماع من الصحابة الذي ذكرنا والأثران الصحيحان المسندان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من لفظه بمثل هذين الأثرين الموقوفين على عمر وعائشة رضي الله عنهما مما لا يقوم به حجة مما له وجه ظاهر من أن هذا الأثر خفي على عمر رضي الله عنه كما خفي عليه كثير من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالاستئذان وغيره أو أنه أراد استخلافاً بعهد مكتوب ونحن نقر أن استخلاف أبي بكر لم يكن بكتاب مكتوب وأما الخبر في ذلك عن عائشة فكذلك نصاً وقد يخرج كلامها على سؤال سائل وإنما الحجة في روايتها لا في قولها وأما من ادعى أنه إنما قدم قياساً على تقديمه إلى الصلاة فباطل بيقين لأنه ليس كل من استحق الإمامة في الصلاة يستحق الإمامة في الخلافة إذ يستحق الإمامة في الصلاة اقرأ القوم وإن كان أعجمياً أو عربياً ولا يستحق الخلاف إلا قرشي فكيف والقياس كله باطل.
قال أبو محمد: في نص القرآن دليل على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وعلى وجوب الطاعة لهم وهو أن الله تعالى قال مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم في الأعراب " فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً " وكان نزول سورة براءة التي فيها هذا الحكم بعد غزوة تبوك بلا شك التي تخلف فيها الثلاثة المعذورون الذين تاب الله عليهم في سورة براءة ولم يغز عليه السلام بعد غزوة تبوك إلى أن مات صلى الله عليه وسلم و قال تعالى أيضاً " سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل " فبين أن العرب لا يغزون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلق باب التوبة فقال تعالى " قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً " فأخبر تعالى أنهم سيدعوهم غير النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون ووعدهم على طاعة من دعاهم إلى ذلك بجزيل الأجر العظيم وتوعدهم على عصيان الداعي لهم إلى ذلك العذاب الأليم.
قال أبو محمد: وما دعا أولئك الأعراب أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قوم يقاتلونهم أو يسلمون إلا أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فإن أبا بكر رضي الله عنه دعاهم إلى قتال مرتدي العرب بني حنيفة وأصحاب الأسود وسجاح وطليحة والروم والفرس وغيرهم ودعاهم عمر إلى قتال الروم والفرس وعثمان دعاهم إلى قتال الروم والفرس والترك فوجب طاعة أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم بنص القرآن الذي لا يحتمل تأويلاً وإذ قد وجبت طاعتهم فرضاً فقد صحت إمامتهم وخلافتهم رضي الله عنهم وليس هذا بموجب تقليدهم في غير ما أمر الله تعالى بطاعتهم فيه لأن الله تعالى لم يأمر بذلك إلا في دعائهم إلى قتال هؤلاء القوم وفيما يجب الطاعة فيه للأئمة جملة وبالله تعالى التوفيق.
وأما ما أفتوا به باجتهادهم فما أوجبوا هم قط اتباع أقوالهم فيه فكيف أن يوجب ذلك غيرهم وبالله تعالى التوفيق.
وأيضاً فإن هذا إجماع الأئمة كلها إذ ليس أحد من أهل العلم إلا وقد خالف بعض فتاوي هؤلاء الأئمة الثلاثة رضي الله عنهم فصح ما ذكرنا والحمد لله رب العالمين.
فصل قال أبو محمد: وجميع فرق أهل القبلة ليس منهم أحد يجيز إمامة امرأة ولا إمامة صبي لم يبلغ إلا الرافضة فإنها يجيز إمامة الصغير الذي لم يبلغ والحمل في بطن أمه وهذا خطأ لأن من لم يبلغ فهو غير مخاطب والإمام مخاطب بإقامة الدين وبالله تعالى التوفيق.
قال الباقلاني واجب أن يكون الإمام أفضل الأمة.
قال أبو محمد: وهذا خطأ متيقن لبرهانين أحدهما أنه لا يمكن أن يعرف الأفضل إلا بالظن في ظاهر أمره وقد قال تعالى " إن الظن لا يغني من الحق شيئاً " والثاني أن قريشاً قد كثرت وطبقت الأرض من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب ومن الجنوب إلى الشمال ولا سبيل أن يعرف الأفضل من قوم هذا مبلغ عددهم بوجه من الوجوه ولا يمكن ذلك أصلاً ثم يكفي من بطلان هذا القول إجماع الأمة على بطلانه فإن جميع من أدرك من الصحابة رضي الله عنه من جميع المسلمين في ذلك العصر قد أجمعوا على صحة إمامة الحسن أو معاوية وقد كان في أفضل منهم بلا شك كسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وابن عمر وغيرهم فلو كان ما قال ه الباقلاني حقاً لكانت إمامة الحسن ومعاوية باطلة وحاشا لله عز وجل من ذلك.
وأيضاً فإن هذا القول الذي قال ه هذا المذكور دعوي فاسدة ولا على صحتها دليل لا من قرآن ولا من سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا من قياس والعجب كله أن يقول أنه جائز أن يكون في هذه الأمة من أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث بعث إلى أن مات ثم لا يجيز أن يكون أحد أفضل من الإمام.
قال أبو محمد: وهذا القول منه في النبي صلى الله عليه وسلم كفر مجرد ولا خفاء به وفيه خلاف لأهل الإسلام وإنما يجب أن يكون الإمام قرشياً بالغاً ذكراً مميزاً بريئاً من المعاصي الظاهرة حاكماً بالقرآن والسنة فقط ولا يجوز خلعه ما دام يمكن منعه من الظلم فإن لم يمكن إلا بإزالته ففرض أن يقام كل ما يوصل به إلى دفع الظلم لقول الله تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وبالله تعالى التوفيق.
محمد علي بن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل