22 Mars 2007
التجربة الصوفية في المرحلة المرابطية وصلت إلى المصامدة، خاصة مع مشكلة الإحياء، وإنتقاد الصوفية للموقف المرابطي مما سهل عملية التقرب من خندق المعارضة بين المصامدة والإتجاه الصوفي. المجتمع المصمودي كان في مفترق الطرق بين العاصمة مراكش وشمال المغرب والأندلس. مؤسس الحركة المرابطية تكون في المنطقة المصمودية على يد صاحب رباط وجاج بن زلو المعروف بزهده في الأطلس. التحرك الصوفي في مواجهة الأزمة الإحيائية إتخذ طابع المواجهة نظرا لتدهور الوضع، فالجهاد في الأندلس إنحصر وانتهى، إذ فقد المرابطون على إثره مناطق عدة لصالح الإنفصاليين والجبهة المسيحية، فرفع الغطاء عن ما نسميه العجز السياسي وفقدان مجال الحكم. حينما ظهرت دعوة إبن تومرت في العاصمة مراكش إنغلق الحكم المرابطي على نفسه، وروج فقهائه سياسة المكائد ونظروا إلى كل متحرك ومجتهد بمنظور العصيان والإنقلاب على الجماعة. كل هذه العناصرساهمت في خلق تقارب بين الشرائح الإجتماعية المناهضة للحكم المرابطي، وما دمنا بصدد الإحياء والدعوة التومرتية، فإن نقد صاحب الدرهم المربع أو المركن كما سماه الفقهاء وأوردته المصادر، قد زاد من مشاكل أهل الحل والعقد لتزامنه مع المشكلة الإحيائية. فالإخفاق المرابطي كان شعبيا ونخبويا في نفس الوقت، معنى ذالك أن الإحياء قلص من نخبة العلم المساندة للسلطة القائمة، ودفع العديد من الصوفية المعتدلة إلى الإلتحاق بالشرائح الإجتماعية الناقمة على الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي. إن إشكالية الإحياء قسمت أهل العلم إلى ثلاثة مجموعات
المجموعة الأولى شكلها فقهاء السلطة المرابطية، إذ إجتمعوا حول الخط الذي رسمه في الأندلس قاضي قرطبة وأحد مشاهيرها محمد بن علي بن عبد العزيز بن حمدين الثغلبي المتوفى سنة 508 للهجرة الموافق لسنة 1114 ميلادية، لقد كان هذا القاضي حامل مشعل الفتوى المطالبة بالإحراق والمصادرة والقصاص من كل شخص ساند الإحياء أو روج له. المصادر تخبرنا عن عملية حرق الإحياء في ساحة مسجد قرطبة، وإستدعاء كل من يشتبه في إمتلاكه نسخة من الكتاب، كالعالم ميمون بن ياسين والصوفي إبن عربي وغيرهم، حتي أن البعض منهم تخلص من الإحياء برميه في البحر خوفا من العنف، وتضيف المصادر رسائل أمراء لمتونة خاصة رسالة تاشفين بن علي سنة 538 للهجرة الموافق لسنة 1143 ميلادية، وكلها تصف الإحياء بكتاب البدعة وصاحبها بصاحب بدعة، وقد تمت قراءة هذه الرسائل من طرف الفقهاء في المساجد بالمغرب والأندلس. لقد مثلت هذه المجموعة سياسة الإحراق والمصادرة والحبس والنفي إتجاه كل من لا يعادي الإحياء
الجموعة الثانية مثلها من سماهم مؤرخ الدولة الموحدية إبن القطان بالغزالية المدافعين عن فكر الغزالي وخاصة الإحياء، فمن أشهرهم أبو الحسين البرجي علي بن محمد بن عبد الله الجدامي المتوفى سنة 509 للهجرة الموافق لسنة 1115، فقد أصدرهذا الأخير فتوى جمع حولها فقهاء ومشايخ ألمرية، منتقدا العمل الشنيع لقاضي قرطبة، مطالبا في نفس الوقت القصاص منه وتغريمه الكتب المحروقة ظلما للرجل وعلمه. العالم أبو الفضل النحوي يوسف بن محمد بن يوسف التوزري بفاس المتوفى سنة 513 للهجرة الموافق لسنة 1119 ميلادية، كتب إلى السلطان المرابطي منتقدا ما صدر عنه من تحليف الناس بالأيمان المغلظة، مذكرا السلطان بأن قراره غير واجب ولا شرعية له. أبوالحسن علي بن حرزهم وأبو محمد عبد الله الركراكي وغيرهم إنتقدوا بشدة إحراق كتب الغزالي في ساحة جامع السلطان بمراكش. لقد كان موقف هذه المجموعة واضحا، إذ أسسوا معارضة صريحة لفئة فقهاء السلطة المرابطية وسلوكاتها إتجاه الفكر الغزالي
المجموعة الثالثة مثلها عدد من العلماء والمتصوفة والفقهاء الذين إنتقدوا بعض ما جاء به الغزالي دون المشاركة في عملية الإحراق والإقصاء الرسمية. محمد بن الوليد الطرطوشي المتوفى سنة 520 للهجرة الموافق لسنة 1126 ميلادية إنتقد معرفة الغزالي في مجال التوحيد والفقه والرجوع إلى أفكار إخوان الصفا، بالإضافة إلى السماح للنساء في مجال التصوف بالغناء والسماع، وإقحام أجزاء عن التغذية لا تليق بالكتب الدينية. وصدرت مجموعة من الكتب المنتقدة عن هذا التيار من بينها: كتاب الكشف والأنباء عن كتاب الإحياء لمؤلفه محمد بن علي بن عمر التميمي المهداوي المزيري المتوفى سنة 536 للهجرة الموافق لسنة 1141 ميلادية. كتاب الأمالي في النقد على الغزالي لمؤلفه محمد بن خلاف بن موسى الأنصاري الأوسي الآبلي المتوفى سنة 537 للهجرة الموافق لسنة 1143 ميلادية. وفي نفس السياق لا ننسى تلميذ الغزالي، الشيخ والعالم الصوفي إبن عربي الذي كتب كتاب العواصم والقواسم وكتاب سراج المريدين موضحا من خلالهما مواطن الإلتقاء والتعارض بينهم
ونستخلص من هذا الإنقسام بين نخبة العلم في المغرب والأندلس حول كتاب الإحياء، تطور نوعي في مجال التصوف في الغرب الإسلامي، لأن الإحياء حرك بالفعل الحدود الفكرية والثقافة السياسية المرابطية، فانهار ما نسميه الإجماع السياسي والديني، النتيجة الحتمية لخوف الفقهاء والسلاطين من كل ما هو جديد. لن تنتهي عملية الصراع العنيف إلا بإنتصار محمد إبن تومرت، لقد كان لنجاحه رفع الحضر عن الإحياء والفكر الغزالي بمجمله، فراح الجمهور يدرس كتب الرجل دون خوف، لأنها لا تتعارض مع المذهب التومرتي صراحة، فأصبحت دراستها واجبة بعد أن كانت كفرا وزندقة في الفترة المرابطية. فأصبح الكتاب يدرس في العديد من المدن، درسه معمور البطاح، وإبن الرمام محمد بن علي بن جعفر القيسي بمدينة فاس، وفي مدينة أغمات درسه محمد بن إسماعيل الهواري فاختص في الأذكار الغزالية، وقام على تدريسه والدعاية له والكتابة على منواله شيخ الصوفية وغوث مدينة تلمسان أبو مدين شعيب بن الحسين الأندلسي صاحب العباد. كما كتب على شاكلته أبو علي حسن بن علي بن محمد المسيلي الملقب بالغزالي الصغير كتابا سماه التفسير في ما تشتمل عليه السور والآيات. لقد ساهمت عوامل عدة في هذا الرجوع السريع إلى دراسة الفكر الغزالي، أهمها أن شيخ الإسلام إلتقى بالعديد من علماء الغرب الإسلامي، فأثر في تكوينهم الفكري والثقافي فمنهم من حصل على الخرقة الصوفية، ونسوق على سبيل المثال تلميذه إبن عربي وميمون إبن ياسين الصنهاجي، والشيخ عباد بن سرحان بن مسلم الشاطبي، وإبن حنين علي بن أحمد بن أبي بكر الكتامي، والصوفي إبن حرزهم صالح بن محمد بن عبد الله الأموي العثماني الفاسي، والشيخ سعيد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري البلنسي وغيرهم.
لقد تغير الوضع بالنسبة للفكر الغزالي مع بداية السلطة الموحدية، فرغم دخولها في إطار النظرية الخلدونية حول العصبية والدعوة، فإن إشكالية الإحياء تبقى نقطة غامضة في التاريخ السياسي والديني المغربي، لما حملته من شحنة إصلاحية، فهي محل إلتباس حينما تتناول المصادر الإحياء كعنصر تكويني لأهل التوحيد على المستوى السياسي، ولكن الإحياء عنصر حقيقة حينما يتعلق الأمر بالمد الصوفي الفلسفي، فكانت إعادته إلى الواجهة من طرف السلطة الموحدية أمر يحسب لها لا عليها