30 Mars 2007
لقد تناولنا خصائص المشروع الإجتماعي الديني، الذي يعتمد عليه الداعي في لقائه مع المجتمع المستقبل لدعوته، المشروع في حد ذاته يأخذ بإنتقائية ما لا يثير الريبة لدى الجمهور والخاصة. فهذه الإختيارات يلجأ إليها الداعي كإستراتيجية مرحلية يختبر من . خلالها ردة فعل مختلف الشرائح الإجتماعية. فعندما تقدم المصادر نهج إبن ياسين وإبن تومرت من خلال المنظور الديني وعلى أساس الصدف المؤسسة للحكم لا بد من تحليل الخطاب الكامن وراء هذا الطرح، لأن العمل السياسي كان مبنيا على معادلة المشروع وشخصية حامله، فالعنصرين يشكلان إستراتيجية الإختبار والنقاش ورصد الإستجابة، والكل يدخل في مجال خلق الأرضية السياسية التي تسمح بإعلان المسكوت عنه أي مشروع بناء السلطة السياسية. من هذا المنطلق فالعناصر الخطابية الأولى كصلاة الجماعة والمرأة والخمر وغيرها، شكلت الخطاب المألوف إجتماعيا لدى الشرائح الإجتماعية، فهي تدخل في مجال المذهب المدرس لأنه يشكل قاعدتها القانونية والشرعية ويسمح بالمرور من خطاب إجتماعي وأخلاقي إلى خطاب سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى
لقد أقام إبن ياسين على المجتمع الصنهاجي الحدود في قضايا إجتماعية وأخلاقية ودينية، ولكنه أرفق ذلك بتدريس المذهب المالكي وتوضيح شروط الإنتماء إليه. بهذه الطريقة وضع إبن ياسين القواعد القانونية التي من خلالها يتمكن المجتمع الصنهاجي من الحكم على الحاصل والغير، وبالتالي يكون مزودا بمرجعية مقبولة داخل مجال الغرب الإسلامي. فالمذهب المتفق عليه قيروانيا وأطلسيا بين نخبة العلم ونخبة القبائل، إتضحت معالمه الأولى في الإجابات التي قدمها إبن ياسين للمجتمع الصنهاجي. على المستوى الديني الداخلي بدأ برفع المعرفة وتكوين نخبة القبائل عن طريق تدريس الإسلام والمذهب المالكي. لقد وفر إبن ياسين لمجتمع الإستقبال القبلي قواعد أولية للوحدة بشكل يختلف عن السابق. كانت هذه الإجابة موجهة لمجتمع يطمح في الخروج عن مجاله التقليدي، ولكنه كان ضعيفا سياسيا في مواجهة الخارجية والشيعية والبورغواطية، لأن الخروج عن المجال والجهاد كان مشروطا بتوفر الشرعية. الخروج خارج المجال التقليدي كان له دلالتين، إما أن يكون حربا قبلية ذات محتوى إقتصادي ضيق ومحلي مدعوم بعصبية زائدة وتقاليد القوة العسكرية، وإما أن يكون الخروج تحت راية الإصلاح والوحدة ورد المظالم، أي بمشروع الدعوة الإقتصادي والسياسي والإجتماعي. وقد كان هذا المشروع طيلة فترة أهل الرباط قاعدة الشرعية.الجهاد كعنصر ثاني كان يعتبر عنفا سياسيا إذا أعلن داخل حدود دار الإسلام، ولإحتواء هذا المفهوم عمد الداعي إلى تقديم مشروعه على أساس أنه النص الصحيح للإسلام في مقابل إسلام العصبيات، وعمل في نفس الوقت على تكفير المشارب المذهبية الأخرى
بالنسبة لإبن تومرت لم يكن بعيدا عن سابقه، حيت إعتبر أن الإبتعاد عن الصحيح في الإسلام وهوان علماء وفقهاء الغرب الإسلامي راجع إلى تدريس علم الفروع، لذا فقد درس علم الأصول وأعطاه الريادة الكاملة. فمنذ البداية لم يتبنى أي مذهب من المذاهب الأربعة. فلم يدخر جهدا في توضيح أخطاء الفقهاء وبعدهم عن النص الديني. فمن الفكر الغزالي والمعتزلي والأشعري أنتج إبن تومرت إتجاها سمي بالموحدية. فنحن لسنا في نقاش فضل التوحيد ووجوبه كما جاء في كتاب إبن تومرت المسمى أعز ما يطلب، وسيكون لنا عودة لهذا الموضوع في مقال منفصل، وإنما كيف أصبح التوحيد في المشروع عاملا مهما، أجاب من خلاله على ما كان يريده المجتمع المصمودي. إن التوحيد بغض النظر عن جانبه الديني، قد ساهم في خلق إطار وحدوي داخل الشرائح الإجتماعية المصمودية في مواجهة من وصفهم الداعي بالمجسمة. في رحلته كما في مناظرة مراكش مع الفقهاء قدم إبن تومرت الدليل على صحة موقفه وقوة قاعدة التوحيد في المواجهة. الخطاب الذي صاغه إبن تومرت والقائل أن كل من لا يأخذ بالتوحيد يصبح من الناحية الدينية والشرعية في خانة الشرك والتجسيم، فقتاله واجب بل أكثر من ذلك فإنه حدد في رسائله إلى المصامدة أولوية قتال أهل اللثام قبل أي جهاد آخر
لقد وضحنا وبعجالة ممارسة الدعاة في الحقل السياسي المبني على خلفية إلتقاء المصالح بين نخبة القبائل ونخبة العلم ومجتمع الإستقبال القبلي. الملاحظ أن المشروع الإجتماعي الديني كان يمثل إستراتيجية قريبة المدي، أي مرحلية قصد الإجابة على معظلة الوحدة الداخلية. فأصبح الجانب الديني يستعمل على المستوى السياسي، إذ وجه داخليا وخارجيا من أجل خلق ديناميكية تعيد تركيب السيطرة على المجال الإقتصادي. لقد وضحت المصادر الإشكالية على أنها لقاء بين إسلام شرعي وإسلام محلي ممزوج بتقاليد متناقضة مع النص، لذا كان العمل السياسي للدعاة ينبني على الحرام والحلال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه لم يكن من السهل إعادة النظر في طريقة التسيير القبلية القديمة والمتجدرة في الظمير الشعبي، رغم ما نلاحظه من إرادة قوية نحو التغيير الإقتصادي والسياسي والإجتماعي. بعد نجاح هذا الخطاب في تشكيل حركة موحدة، حيث أصبح الداعي سيد الموقف رغم العراقيل، إنتقل الخطاب إلى مرحلة تأسيس بديل عملي سياسيا وعسكريا، أي رباط إبن ياسين وتينمل إبن تومرت، وهو ما سنتناوله في مقال لاحق