12 Août 2009
لاشك أن حصار غزة يدفع إلى النظر إلى مؤتمر أنابوليس ومؤتمر المانحين بباريس، نتائج أم لا، ليس هذا هو الأكثر صعوبة على الفهم، لأن تسلسل الأحداث وتتابعها تبين بوضوح كبير، أن عملية التصفية على مستوى الشرق الأوسط للقضية المركزية قد إنطلقت فعلا بمباركة عربية، وهذا ما كان يخشاه أكثر من كل شيء الزعيم الشهيد ياسر عرفات رحمه الله. المزاد العلني للقضايا العربية أصبحت أقل ما يمكن أن يقال عليها أنها لا تجد من يشتري على الساحة الدولية، هذا واقع مر يعرفه الخاص والعام، لنكن جادين ونعود إلى بعض المسائل التي أغفلت حشمة وأريد لها أن تمر دون ضجيج إعلامي على المستوى العربي لما تبينه من ضعف سياسي وديبلوماسي عربي شامل. ولنقف عند ثلاثة أوراق فارغة المحتوى التي تعتبر دليل الساسة العرب أمام شعوبهم
الورقة الأولى التي كنا نتمنى أن يسقطها أهل الحل والعقد العرب قبل الرئيس الأمريكي، ليكن لنا شرف الدفاع عن حقوقنا. الورقة الفارغة التي كانت نشيد السياسيين والديبلوماسيين العرب هي الرجوع إلى الأمم المتحدة كلما حدث حادث. كنا نعرف منذ مدة طويلة أن الورقة فارغة المحتوى، إلا أن الكل لم يكن يترقب أن يسقطها الآخر. خلال زيارة الرئيس الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط، والذي قيل فيها الكثير، فالزيارة في حد ذاتها لا تهمنا هنا، بقدر ما يهمنا المؤتمر الصحفي مع رئيس السلطة الفلسطينية. حينما قام وليد العمري مراسل الجزيرة، وهو أحد الصحفيين العارفين بملف الشرق الأوسط، بطرح سؤال للرئيس الأمريكي مذكرا أن هناك قرارات عديدة صادرة عن الأمم المتحدة كفيلة بحل الصراع في المنطقة، والتي يمكن من خلالها إحلال السلام، إذا ما قبلتها إسرائيل. جواب الرئيس الأمريكي كان واضحا وغير عادي، حينما أكد أن الأمم المتحدة فشلت في حل الصراع العربي الإسرائيلي. لقد بين الرئيس الأمريكي أن كل لجوء جديد إلى الأمم المتحدة ضياع للوقت ولا يفيد في أي شيء. ففي هذه القضية بالذات قرارتها غير نافعة ولا تسمن ولا تغني من جوع. وفاتها إذن أعلنها للجميع. الخطاب كان موجه إلى كل أهل السياسة العرب ولشعوبهم، ليفهم الصم البكم أن الحديث عن قررات الأمم المتحدة أو إصدار قرارات جديدة كلما حلت مصيبة في المنطقة غير نافعة للعرب ولا ضارة للعدو. لقد قالها للجميع ورقتكم فارغة المحتوى. فخطاب بوش تعرية لكل العرب الذين يستهلكون إعلاميا مقولات الشرعية الدولية. لقد أغلق بوش دار الأيتام وسحب آخر غطاء كان في يد الساسة العرب لحفظ ماء الوجه أمام الرأي العام العربي. ثم رحل بوش في جولته الشرق أوسطية يتفقد نوابه على الأقاليم وقواعد الجيش الأمريكي في ولاياته، تاركا موافقته لإسرائيل في إتخاذ كل الوسائل العسكرية والإقتصادية لخنق قطاع غزة، منبها أينما حل الساسة العرب أن وجودهم مرهون ليس بحكمتهم وإعتدالهم وإنما بمدى خدمتهم للمشروع الإسرائيلي-الأمريكي في المنطقة. فهم لا ينتمون لأهل الديمقراطية عن طريق إختيار شعوبهم، وإنما بحكم وقرار البيت الأبيض
الورقة الثانية تتعلق بالمبادرة العربية للسلام. قصة هذه الورقة أنها وجدت تحت غطاء الإجماع العربي. فعلا كان هناك إجماع حول المبادرة التي بقية حبيسة الجامعة العربية ولم تجد لها متحمسا على الساحة الدولية. سمعنا عنها الكثير وكتب البعض يحلل ويدقق أهمية المبادرة ووصفت بالتاريخية. ولم تخلوا الخطابات من التذكير بهذه المبادرة العظيمة. ما لم يقال بحق هذه الورقة التي كانت في يد الساسة العرب أن قيمتها الردعية لا تتعدى قاعة المؤتمر بل أكثر أن قيمتها لا تتعدى الورق المكتوب والبيان الختامي. إن كل ما قدمته الورقة هي فتح التطبيع الجماعي مع إسرائيل الرافظة حتى لأبسط القرارات فكيف أن تنظر في المبادرة العربية. بعد فترة زمنية محدودة أصبحت هذه الورقة غير ملزمة إلا في تغطية التطبيع، وأصبحنا لا نسمع عنها إلا عند بعض العاملين في الجامعة العربية وفي مناسبات قليلة. عندما جاء حصار غزة وبعده مجازر جباليا، ووصل الهون والضعف إلى العمق، حاول عمر موسى تحريك الورقة الدولية فاصتدم بالصمت الدولي وحتى العربي. فأصبحت هذه الورقة ورقة ثالثة في مؤتمر عربي بدمشق
الورقة الثالثة تتعلق بالتهديد العربي القاضي بالتخلي عن المبادرة العربية. أن يعقد العرب مؤتمرا بعد شهور عن حصار غزة وأسابيع عن مجازر جباليا وفي يدهم قرارخطير إلغاء الورقة الثانية التي لا قيمة لها، يعطي للعارفين كيف سيكون حالة العرب في مؤتمر متأخر، تطغى فيه الخلافات العربية حول الرئاسة اللبنانية، والخلاف السعودي المصري مع سوريا، والوضع العراقي. لننتظر ما سيلده مؤتمر القمة وإن كنا نعرف مسبقا نتائجه