Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Histoire du Maghreb تاريخ المغرب الكبير

مسائل فلسفية / كيف يستنبط القياس من كتاب القياس لإبن رشد

قال: وقد ينبغي أن تعلم كيف يستنبط القياس على كل مطلوب تقصد معرفته وبأي سبيل تأخذ مقدمات كل قياس. فإنه ليس ينبغي لنا أن نكون عالمين بالقياس فقط، بل وأن تكون عندنا قوانين نقدر بها على أن نكون بها عاملين للقياس. وذلك يتم بمعرفة صنفين من القوانين، أحدهما معرفة القوانين التي بها يستنبط القياس، والثاني معرفة القوانين التي بها تستخرج مقدمات القياس

فنقول إن الأشياء الموجودة منها ما لا يحمل على شيء البتة إلا بالعرض وعلى غير المجرى الطبيعي ويحمل عليها غيرها، وهي أشخاص الجواهر المحسوسة- مثل زيد وعمرو وخالد. فإنا قد نقول إن زيدا هذا هو إنسان وهو حيوان، فنحمل عليه غيره ولا نحمله على غيره إلا بالعوض- مثل أن نقول إن هذا الأبيض هو زيد. ومنها ما يحمل عليها شيء وتحمل هي على شيء، وهذه هي مثل حملنا الأنواع على الأشخاص، وحمل الأجناس على الأنواع. مثال ذلك حمل الحيوان على الإنسان وحمل الإنسان على زيد وعمرو. وهذان الصنفان بين وجودهما بنفسه. ومنها صنف ثالث وهي الأشياء التي تحمل على شيء ولا يحمل عليها شيء أصلا وذلك على المجرى الطبيعي، وسنبين وجود هذا الصنف من المحمولات في كتاب البرهان، فإن هنالك يبين أن الأشياء المحمولة بعضها على بعض تنتهي بالجملة إلى محمول أخير ليس يحمل عليه محمول أصلا. وإذا تقرر هذا وكان بينا أن أكثر الفحص والطلب إنما هو في الأشياء المتوسطة بين هذين الطرفين- أعني التي تحمل على شيء ويحمل عليها شيء- فهو بين أن كل مطلوب يكون في هذا الجنس أن المحمول فيه والموضوع يلحقه أنه يحمل كل واحد منهما على شيء ويحمل عليه شيء

وإذا تقرر هذا أيضا فالسبيل التي بها نصل في الجملة إلى مقدمات كل مطلوب يكون داخلا في هذا الجنس من الموجودات- أعني المتوسطة- تكون بأن نقسم أولا المطلوب إلى حديه الذين هما المحمول والموضوع، إذ كل مطلوب ينقسم إلى هذين الحدين. ثم ننظر في الأشياء التي توجد لكل واحد من هذين الحدين- أعني الأشياء التي توجب لمحمول المطلوب والتي توجب لموضوعه، وتلك هي الحدود والأجناس والفصول والخواص والأعراض اللاحقة للشيء- وفي الأشياء أيضا التي يوجد لها كل واحد من جزئي المطلوب- أعني الأشياء التي يوجب لها موضوع المطلوب والأشياء التي يوجب لها محموله- وفي الأشياء أيضا التي تسلب عن كل واحد من هذين الحدين، وهي بأعيانها الأشياء التي يسلب عنها كل واحد من هذين الحدين غذ كانت السوالب قد تبين أنها تنعكس

وينبغي عندما نفعل هذا أن نميز أي من هذه المحمولات هي حدود لأحد الحدين أو لكليهما وأي هي أجناس وأي هي خواص وأي هي أعراض لاحقة وكذلك ينبغي أن نميز أيضا أي من هذه هو حد بالحقيقة أو جنس أو خاصة أو عرض وأي منها هو حد بحسب الرأي المشهور أو جنس أو خاصة أو عرض، لنستعمل من ذلك اللائق بصناعة صناعة، فما كان من ذلك بالحقيقة استعمل في صناعة البرهان، وما كان من ذلك بحسب الرأي المشهور استعمل في صناعة الجدل. وبالجملة فكلما أكثرنا من اكتساب أنواع المقدمات كان أسرع لوجود المطلوب

وينبغي أن لا يؤخذ من اللواحق إلا اللواحق العامة لكلا الحدين- وهي المحمولة على كل واحد منهما- لا اللواحق الخاصة- وهي الجزئية، أعني المحمولة على بعضها. مثال ذلك أنه إن كان المطلوب هل الإنسان كذا، فإنه ليس ينبغي أن نختار ما هو لاحق لإنسان ما، بل ما هو لاحق لكل إنسان لأنه لا يكون قياس إلا من المقدمات الكلية- كما تبين. وكذلك لا ينبغي أن تؤخذ المقدمات مهملة، لأن المهملة قوتها قوة الجزئية- على ما تبين- وليس يبين من أمرها هل هي كلية أم ليست بكلية. وكذلك ينبغي أن نختار من الأشياء التي يلحقها كل واحد من الحدين الأشياء الكلية. مثال ذلك أن نختار ما يلحقه الإنسان كله لا بعضه. والسور أبدا إنما يجب أن يقرن بموضوع المقدمة المستنبطة لا بمحمولها، لأنه إذا قرن بمحمولها كان إما مستحيلا وإما غير نافع في القياس- على ما تبين في الكتاب المتقدم. وإذا كان أحد الحدين من المطلوب الذي نلتمس أخذ لاحقه محاطا بأمر كلي فلا فرق في هذا الموضوع بين أن نلتمس لاحقه نفسه أو لاحق ذلك الكلي المحيط به. مثال ذلك أنه إذا التمسنا لواحق الإنسان- مثل الحي- وقد علمنا أن الحي محيط بالإنسان، لم يكن في هذا الموضع فرق بين أن نجد لاحقا من لواحق الإنسان أو لاحقا من لواحق الحي، لأن كل ما لحق المحيط بالإنسان فقد يلحق الإنسان. وكذلك أيضا متى التمسنا لاحق أحد الحدين وكان الحد الذي التمس لاحقه محيطا بموضوعات ما، فليس ينبغي أيضا هاهنا أن نشتغل بتصحيح أن ما هو لاحق لذلك الحد فهو لاحق لموضوعه، إذ كان معلوما أن ما لحق الشيء فهو لاحق لما يحيط به ذلك الشيء. وإنما ينبغي أن نصحح أن ذلك الحد الذي أخذ لاحقه محيط بذلك الموضوع. مثال ذلك أنه إذا كان الحي لاحقا للإنساني ومحيطا به، فهو بين أنه لاحق لكل ما يحيط به الإنسان، وإنما الذي ينبغي أن نصحح أن هذا الشيء يحيط به الإنسان أو ليس يحيط به. وينبغي أن نختار من هذه اللواحق المناسبة للمطلوب. فإن كان المطلوب في الممكن الأكثري أخذنا من اللواحق الممكنة الأكثرية، لأن قياس المطالب التي تكون في الممكنة الأكثرية إنما تكون من مقدمات أكثرية، كما أن قياس المطالب التي تكون في المادة الضرورية إنما تكون من مقدمات ضرورية

فهذه هي القوانين التي بها يلتمس اكتساب المقدمات في كل قياس نقصد عمله

وأما القوانين التي بها يلتمس القياس نفسه- أعني صورته فهي على ما أقوله. وذلك أن كل مطلوب يلتمس القياس عليه فإما أن يكون موجبا كليا أو سالبا كليا أو موجبا جزئيا أو سالبا جزئيا

فإن كان المطلوب موجبا كليا وأردنا إنتاجه، فإنه ينبغي أن ننظر في موضوعات محمولة ومحمولات موضوعة. فإن ألفينا بعض موضوعات المحمول في هي بأعيانها بعض محمولات موضوعه فبالضرورة ما يكون المحمول منه في كل الموضوع. وذلك بين من أن هذا الوضع بعينه هو وضع الشكل الأول، إذ كان الموجب الكلي إنما ينتج في هذا الشكل. ومثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل كل جزء من أجزاء العالم محدث، فنجد العالم موصوفا بالمؤلف ونجد المؤلف موضوعا بالحدث، فيأتلف القياس هكذا: كل جزء من أجزاء العالم مؤلف وكل مؤلف محدث، فكل جزء من أجزاء العالم محدث

فإن أردنا أن ننتج موجبة جزئية من مقدمات كلية، فإن ذلك يمكننا بأن نأخذ موضوعات الحدين معا. فإن ألفينا شيئا واحدا بعينه موضوعا لكليهما، فبالضرورة ما يجب أن يكون المحمول منه موجودا لبعض الموضوع. وذلك بين من وضع الشكل الثالث. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل حركة ما أزلية، فنجد شيئا واحدا موضوعا لهذين الحدين- وهو الجرم السماوي فيأتلف القياس هكذا: الجرم السماوي متحرك والجرم السماوي أزلي ينتج بعض المتحرك أزلي. وقد يتفق ذلك في الشكل الأول متى ألفينا أحد موضوعات المحمول هو بعينه أحد المحمولات على بعض موضوع المطلوب

فإن أردنا أن ننتج سالبا كليا فإن ذلك يتفق بأحد وجهين إما أن ننظر في لواحق موضوع المطلوب وفيما لا يمكن أن يكون موضوعا لمحمول المطلوب فإن ألفينا لاحق موضوع المطلوب هو بعينه الموضوع الذي لا يمكن أن يوضع للمحمول، أنتج لنا ذلك في الشكل الأول أن محمول المطلوب ليس يمكن أن يوجد في شيء من موضوع المطلوب. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل النفس غير مائتة، فنجد المتحرك من تلقائه لاحقا من لواحق موضوع هذا المطلوب- وهو بعينه الموضوع الذي لا يمكن أن يوجد فيه محمول هذا المطلوب- فيأتلف القياس هكذا: كل نفس متحركة من ذاتها ولا شيء متحرك من ذاته مائت، ينتج عن ذلك أن كل نفس غير مائتة. والوجه الثاني أن ننظر في لواحق الحد المحمول، فإن ألفينا فيها ما هو مسلوب عن الموضوع أنتج لنا عن ذلك في الشكل الثاني أن المحمول مسلوب عن جميع الموضوع. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل الخلاء أحد الموجودات الطبيعية، فنجد الموجود المحسوس موجبا للموجودات الطبيعية ومسلوبا عن الخلاء فيأتلف القياس هكذا: الخلاء ليس بمحسوس والموجودات الطبيعية محسوسة، النتيجة فالخلاء ليس واحدا من الموجودات الطبيعية

فإن أردنا أن ننتج سالبة جزئية فإن ذلك يتفق على وجوه ثلاثة، إذ قد تبين أن هذا المطلوب ينتج في الأشكال الثلاثة. أحدها أن ننظر في لواحق الموضوع وفيما لا يمكن أن يكون في المحمول، فإن كان بعض اللواحق هو بعينه ما لا يمكن أن يكون في المحمول فإنه ينتج في الشكل الثاني أن المحمول ليس في بعض الموضوع. مثال ذلك أن يكون مطلوبنا هل بعض الأنفس غير مائتة، فنجد بعض الأنفس يلحقها أن يكون فعلها جوهرها والمائت ليس فعله جوهره، فيأتلف القياس في الشكل الثاني هكذا: بعض الأنفس فعله جوهره وكل مائت ليس فعله جوهره، فيرجع إلى الشكل الأول بعكس السالبة فينتج فيه أن بعض الأنفس غير مائتة وقد يبين ذلك في الشكل الثالث بأن نأخذ موضوعات موضوع المطلوب والأشياء التي يسلب عنها المحمول. فإن وجدنا من هذه شيئا هو واحد بعينه، أنتج لنا في الشكل الثالث أن المحمول مسلوب عن بعض الموضوع. وقد يتفق هذا في الشكل الأول بأن نجد لواحق الموضوع هي بعينها ما لا يمكن أن يوجد فيها المحمول، إلا أنه ينتج هذا المطلوب بمقدمات كلية في الشكل الثالث فقط

وقد كانت الوصية هاهنا أن نتخير المقدمات الكلية. وينبغي أن نختار من اللواحق للطرفين والموضوعات لها ما هو أكثر عموما وأكثر كلية، لأنه إذا وجد القياس من أمثال هذه المقدمات فقد وجد القياس مما هو أقل عموما منها إذ هو منطو فيها، وإذا لم يوجد القياس مما هو أكثر عموما فقد يمكن أن يوجد مما هو أقل عموما وقد بمكن أن لا يوجد. مثال ذلك أنه إذا وجدنا القياس على أن الإنسان مركب من الأضداد من جهة أنه متغذ فقد وجدنا القياس على ذلك من جهة أنه حساس إذ كان الحساس أخص من المتغذي ومنطويا فيه، ومتى وجدنا الأضداد في المتغذي فقد وجدناه في الحساس، ومتى وجدنا المتغذي في الحساس فقد وجدنا المتغذي في الإنسان، فإذن متى وجدنا الأضداد في الإنسان بتوسط المتغذي فقد وجدناها فيه بتوسط الحساس. وإن لم نجد القياس على ذلك من جهة أنه متغذ فقد يمكن أن نجد القياس على ذلك من جهة أنه حساس وقد يمكن أن لا نجد

وهو بين أن هذا النظر ليس يتجاوز أن يكون بمقدمتين وثلاثة حدود- على ما تبين من أمر القياس- وأنه لا يكون قياس إلا في اشكال الثلاثة التي ذكرت ومن هذه في المنتجة منها

ولذلك ما ينبغي أن يتجنب في اكتساب المقدمات وأخذ اللواحق والموضوعات ما يأتلف منه شكل غير منتج- مثل أنه ليس ينبغي أن نأخذ اللاحق للطرفين إذا كانا أمرا واحدا بعينه لأنه يكون من ذلك موجبتان في الشكل الثاني وقد تبين أنه غير منتج. وكذلك لا ينبغي أن نأخذ ما هو مسلوب عن الطرفين، لأنه قد تبين أنه لا ينتج من سالبتين. وكذلك إذا كان موضوع محمول المطلوب وما يسلب عن موضوع المطلوب شيئا واحدا فليس ينبغي أن نأخذه لأنه تكون المقدمة الصغرى سالبة في الشكل الأول، وقد تبين أن ذلك غير منتج

وهو بين أنه إنما يكون قياس إذا أخذ شيء واحد مكررا مرتين- أعني إذا نسب إلى الحدين نسبة حمل أو وضع- وهو الحد الأوسط، وأنه إن كان الحد الأوسط شيئين لم يكن قياس إذ لا يكون قياس يوجب أن أحد الطرفين موجود للآخر أو مسلوب عنه. وأما ما يظن أنه قد يكون قياس إذا أخذ شيئان للطرفين مختلفان كالأضداد وبالجملة ما لا يمكن أن يجتمعا في شيء واحد، فإن ذلك راجع إلى أن قوة ذلك قوة أخذ شيء واحد موجب لأحدهما ومسلوب عن الآخر،ولولا ذلك لم يكن منتجا.مثال ذلك إن بين مبين أن اللذة ليست بغاية إنسانية من قبل أن اللذة شر والغاية الإنسانية خير، فإنه إنما ينتج من هذا أن اللذة ليست بغاية إنسانية من جهة أنه ينتج أولا أن اللذة ليست بخير من جهة أنها شر. فإذا أضاف إلى هذه النتيجة أن الغاية الإنسانية خير، أنتج له أن اللذة ليست بغاية إنسانية. فإذن أمثال هذه المقاييس هي أقيسة مركبة من أكثر من شكل واحد، لا أنها قياس رابع بسيط. فمن اعتقد في مثل هذا أنه قياس واحد فهو بمنزلة من اعتقد فيما هو مركب أنه بسيط، ومن اعتقد ذلك لم يعرف ما هو القياس البسيط، ومن لم يعرف ما هو القياس البسيط لم يعرف القياس بإطلاق

وأقيسة الخلف إنما تكون بهذا النحو من النظر- أعني بالأشياء التي تنسب إلى كل واحد من الحدين- وهي ثلاثة كما قلنا، إما أشياء توضع له، وإما أشياء تحمل عليه، وإما أشياء تسلب عنه إما على جهة الحمل وإما على جهة الوضع إذ كان ذلك غير مختلف في السلب على ما قيل. وذلك ظاهر من أن كل مطلوب يبين بقياس حملي يمكن أن يبين بتلك الحدود بأعيانها بقياس الخلف، وكذلك كل مطلوب يبين بقياس الخلف فيمكن أن يبين بتلك الحدود بأعيانها بقياس حملي. مثال ذلك أنه إذا كان عندنا أن بَ موجودة في كل اَ وغير موجودة في شيء من هَ، وأردنا أن نبين بهاتين المقدمتين أن اَ غير موجودة في شيء من هَ بطريق الخلف، قلنا أن اَ غير موجودة لشيء من هَ، وإلا فلتكن اَ موجودة ببعضها وقد كان معنا أن بَ موجودة في كل اَ، فينتج لنا أن بَ موجودة في بعض هَ، وقد كانت غير موجودة في شيء من هَ، هذا خلف لا يمكن. وإن أردنا أن ننتج ذلك عن طريق الحمل، قلنا إن اَ غير موجودة في شيء من هَ، لأن بَ غير موجودة في شيء من هَ وموجودة في كل اَ

وكذلك يبين الأمر في جميع المطالب، وذلك أن كلا القياسين- أعني الجزمي والسائق إلى المحال- إنما يكتسبان بأخذ لواحق الطرفين أو بموضوعاتها، وبأخذ شيء واحد يكرر فيهما. وإنما الفرق بينهما أن القياس السائق إلى المحال يأتلف من مقدمتين، إحداهما المقدمة الحق والأخرى كذب، فينتج نقيض المقدمة الحق الثانية. والقياس الحملي يأتلف من المقدمتين الحق لا غير. فلا بد في كل قياس منهما من الاعتراف بمقدمتين، وذلك يكون بالطرق التي وصفنا. فإن اكتفى بهما كان القياس حمليا، وإن أخذ نقيض المطلوب وأضيف إليه أحدهما كان قياس خلف. وسيبين ذلك أكثر إذا تبينت أنواع المقاييس الحملية الواقعة في قياس الخلف. وكذلك المقاييس الشرطية مضطرة إلى هذا النحو من النظر، إذ قد تبين أنه لا يبين مطلوب بقياس شرطي دون أن يقترن به قياس حملي- وهو الذي تبين به إما صحة المستثنى وإما صحة الاتصال.فهذا النحو من النظر يبين كل مطلوب كان في مادة ضرورية أو في مادة ممكنة

وهو بين أيضا أنه ليس فقط بهذه السهيل يمكن أن يستخرج كل قياس، بل وأنه ليس يمكن أن يستخرج قياس بغير هذه السبيل، لأنه قد تبين أن كل قياس إنما يكون بواحد من الأشكال الثلاثة وأن هذه الأشكال الثلاثة إنما تكون من الأمور المحمولة على الطرفين أو الموضوعة على الطرفين. فإذن ليس يمكن أن يوجد قياس إلا من النظر في هذه الأشياء- أعني اللاحقة والموضوعة. فإن كان أيضا بينا أن كل قياس إنما يكون من النظر في هذه الأشياء، فهو بين من ذلك أن كل قياس إنما يكون بواحد من الأشكال الثلاثة ومن مقدمتين وثلاثة حدود

وهذا الطريق في اكتساب المقدمات والمقاييس على المطلوبات هو عام في جميع الصنائع وفي كل تعليم كان حقيقيا أو مشهورا، لأنه تؤخذ اللواحق والموضوعات في الحقيقي حقيقية وفي المشهور مشهورة. وبين أن هذا الطريق نافع لنا معرفته في اكتساب المقدمات في جميع المطالب، وإلا كنا جدرا متى لم تكن عندنا هذا الطريق أن نقصد في استنباط أي مطلوب اتفق إلى أي شيء اتفق من المقدمات وإلى مقدمات واحدة بعينها في المطلوبات الموجبة والمطلوبات السالبة. وليس هذا فقط، بل وكان يمكن أن يعرض لنا أن نروم استنباط جميع أنواع المطالب الأربعة- أعني الإيجاب الكلي والسالب الكلي والموجب الجزئي- بطريق واحد من مقدمات واحدة بأعيانها. وأما متى كان عندنا هذا الطريق كان قصدنا في مطلوب مطلوب من أشياء محدودة معروفة قليلة العدد

وينبغي إذا استعملنا هذا الطريق أن نختار في كل مطلوب المقدمات الخاصة بالجنس الذي فيه ذلك المطلوب المناسبة له- مثل أنه إن كان المطلوب عمليا أن نختار المقدمات المناسبة للأمور الإرادية، وإن كان علميا اخترنا الأشياء المناسبة للأمور النظرية الخاصة بذلك الجنس الذي تنظر فيه تلك الصناعة النظرية. ولذلك ما يحتاج في معرفة المقدمات الأوائل في كل جنس- أعني الخاصة به المناسبة له- إلى التجربة. مثال ذلك أنه يحتاج في علم النجوم- أعني علم الهيئة- إلى التجربة الموقفة على حركات النجوم. ولذلك لما علمت بالتجربة والرصد حركات الكواكب المتحيرة، أمكن أن توجد البراهين على معرفة أفلاكها. وكذلك الأمر في كل صناعة وفي كل علم الحاجة فيه إلى التجربة ضرورية. فإنه إذا اكتسبنا بالتجربة جميع الأوائل والمقدمات الموجودة في ذلك الجنس، أمكننا بسهولة أن نجد البراهين على جميع الأشياء المطلوبة في ذلك الجنس وأن نعرف ما يمكن أن يبرهن في ذلك الجنس مما لا يمكن

فقد قلنا على العموم كيف ينبغي أن نكتسب المقاييس والمقدمات. وأما القول على الاستقصاء والخصوص بجنس جنس من أجناس المطالب فسيقال فيه في كتاب الجدل

قال: وأما طريق القسمة فأنه جزء صغير من هذا النحو من النظر، لأنه قد يعين في اكتساب المقدمات التي تكون من الفصول اللاحقة. والسبب في أنه جزء صغير كون القسمة كأنها قياس ضعيف لا قياس حقيقي، لأن الذي يقيس بطريق القسمة يضع فيها ما ينبغي أن يبرهن بالقياس وينتج فيها أبدا شيئا خارجا عن المقدمات غير منطو فيها، وذلك بخلاف ما عليه الأمر في القياس

قال: والقدماء لما كانوا يظنون بطريق القسمة أنه قياس تبرهن به حدود الأشياء كان غلطهم في طريق القسمة في موضعين، أحدهما في ظنهم أن الحد يبرهن، والثاني في ظنهم أن طريق القسمة قياس. فإذن لم يعلموا ما يمكن أن يبرهن مما لا يمكن أن يبرهن، ولا علموا أن ما تبين بالقياس فإنما تبين بهذه المقاييس التي ذكرناها. وإنما كانت القسمة ليست قياسا في الحقيقة لأن الحد الأوسط في القياس يكون أبدا أخص من الطرف الأول، والطرف الأول- الذي هو محمول المطلوب- أعم منه، وفي القسمة الأمر بالعكس- أعني أن الحد الأوسط أعم من الطرف الأعظم الذي هو محمول المطلوب. مثال ذلك إذا كان عندنا مجهولا أن الإنسان مائت أو غير مائت وكان معلوما عندنا بمقدمتين إحداهما أن الإنسان حيوان والمقدمة الثانية أن الحيوان إما مائت أو غير مائت، وأردنا أن نبين من هاتين المقدمتين أن الإنسان إما حيوان مائت وإما غير مائت- أعني أحد هذين المتقابلين- ليحصل لنا من ذلك حده- و هو أنه حيوان مائت- فألفنا القول هكذا: الإنسان حيوان والحيوان إما مائت أو غير مائت، لا أنه أحدهما على التحصيل- الذي كان مطلوبا لنا- إلا أن كان بينا بنفسه أو معلوما بقياس من الأقيسة المذكورة. فإذن الحد الأوسط في هذا القياس- الذي هو الحيوان- أعم من المطلوب- الذي هو المائت أوغير المائت. وكذلك إن كان معلوما عندنا أن الإنسان حيوان مائت وأن المائت منه ذو رجلين ومنه ذو أرجل كثيرة وأردنا أن نعرف أي هو الإنسان من هذين، لم نستفد ذلك عن طريق القسمة بوجه من الوجوه. فإذن القسمة ليست قياسا بوجه من الوجوه، لا في مطلوب مطلق- مثل أن الشيء موجود أو غير موجود- ولا في مطلوب مقيد- مثل أن يطلب هو الشيء عرض أو جنس أو خاصة أو حد- ولكنها نافعة في القياس

فقد قيل من أي شيء تكتسب المقاييس وكيف تكتسب وإلى أي شيء ينبغي أن نقصد في كل نوع من أنواع المطالب

Partager cet article
Repost0
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :